لماذا برنارد باجولي رئيساً لجهاز المخابرات الفرنسي الخارجي؟
الأحد، 14 نيسان، 2013
خاص أوقات الشام
المحامي محمد احمد الروسان
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*
هل التطورات الأستراتيجية في الحدث السوري، عجّلت باعادة برنارد باجولي الى رئاسة جهاز المخابرات الفرنسي الخارجي؟ أم السبب يعود الى الدور الفرنسي الجديد في اعادة تموضع الناتو واعادة صياغة مذهبياته الجديدة؟ أم أنّ خلفية الأسباب والضرورات خليط من هذا وذاك؟.
في آواخر عام 2011 م وبعد ثورة البوعزيزي محمد في تونس، عيّن الرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي السيد برنارد باجولي سفيراً لفرنسا في أفغانستان، بعد أن كان باجولي يشغل المنسق الأستخباراتي العام لأجهزة الأستخبارات الفرنسية، ان لجهة الداخل الفرنسي وان لجهة الخارج الفرنسي مع قصر الأليزيه، ولأنّ فرنسا موجودة في افغانستان بقوّاتها العسكرية ودورها الخفي وصراعها غير المعلن مع لندن، كان لا بدّ من سفير فرنسي بخلفيات سياسية وأمنية نوعية وبحجم برنارد باجولي.
لم يكن مفاجئاً لكاتب هذه السطور وعلى تواضع معلوماته، اعادة تعين برنارد باجولي بمنصب رئيس جهاز المخابرات الفرنسي في العاشر من نيسان الحالي لعام 2013م( الأسبوع الماضي) عبر مجلس الوزراء الفرنسي (رغم تحفظات للرئيس أولاند)، لما سيقوم به من أدوار في اطار الدور الفرنسي في حلف الناتو وبناء عقيدة مذهبية استراتيجية جديدة له، كذلك عن الدور الفرنسي في الحدث السوري وجلّ المسألة السورية والمسألة اللبنانية وهو الذي يتقن اللغة العربية مثل اتقانه للفظه اسمه، حيث خلفية باجولي برنارد واضحة لنا ومنذ سنوات خلت بدءً بعمّان عندما كان سفيراً وانتهاء بأفغانستان، وقبل ذلك في الجزائر وقبل الجزائر في العراق وقت الرئيس صدّام حسين.
المثير للانتباه, لدرجة تدفع المراقب والمتابع والباحث, في شؤون الناتو الى الضحك بشكل هستيري, الذي يجعله يرتمي بالأربع وعلى " قفاه", هو أنّ تعريف المخاطر التي تهدد الناتو, والمتمثلة في الأرهاب ألأممي, الدول المارقة, امتلاك أسلحة الدمار الشامل, هو تعريف يتساوق ويتماثل ويتوافق, مع تعريف مجلس الأمن القومي الأميركي, والإستراتيجية الأمنية البريطانية الجديدة, للمخاطر التي تهدد مشروع الهيمنة الأميركية والبريطانية.
وهذا يشي بوضوح, أنّ على حلف الناتو محاربة الإرهاب, وفقاً للمفهوم الأميركي – البريطاني, والذي يتطابق مع المفهوم الإسرائيلي, الذي يحصر الأرهاب في القوى العربية والإسلامية, المناوئة " لأسرائيل", كذلك على الناتو محاربة الدول المارقة, وحسب المفهوم الأميركي الذي يحدد الدول المارقة: سوريا, ايران, كوريا الشمالية, فنزويلا, كوبا, السودان, وزمبابوي.
ومصطلح (مارق) يقصد به هو, كل من يرفض الهيمنة الأميركية أولاً والبريطانية ثانياً, كذلك على الناتو محاربة عمليات انتشار أسلحة الدمار الشامل, وفقاً للانتقائية الأميركية التي تستثني إسرائيل, ولا تنظر الى الهند والباكستان, وفي نفس الوقت تستهدف ايران.
انّ للعقيدة الأمنية الأستراتيجية الجديدة للناتو, وجه آخر خطير جداً غير وجه الأفراط العدواني, انّه وجه سيناريو التظليل المخابراتي, وتؤكد المعلومات والتقارير المخابراتية الدولية المحايدة والخاصة, أنّ ما هو أكثر خطورة في المفهوم الأستراتيجي الجديد للناتو, يتمثل في المعلومات الأستخباراتية الكاذبة, التي يتم اعدادها بواسطة أجهزة مخابرات بلدان الناتو, وخاصةً السي أي إيه, والمخابرات الفرنسية, والمخابرات الكندية, والمخابرات البريطانية, والتي تتعاون ضمن روابط الشراكات الحقيقية المخابراتية المفتوحة, مع شبكات المخابرات الأسرائيلية المختلفة – الموساد, وحدة أمان, الشين بيت, الخ – وهذا يشي بتأكيدات غير مسبوقة, أنّ سيناريو التضليل المخابراتي, الوجه الأخر القبيح للإستراتيجية الجديدة للناتو, سوف يشهد حدوث المزيد من حلقاته, والتضليل هذه المرة لن يبدأ فقط على البيت البيضاوي والبنتاغون, وإنما أيضاً على قيادة وكوادر حلف الناتو, مما يتيح ذلك للبنتاغون ارسال القوات الأميركية, وبصحبتها قوات حلف الناتو, وحتّى للفصل بين الأسرائليين والفلسطينيين, وهنا يتساءل المرء: هل يشهد الصراع العربي – الإسرائيلي, بجزئية المسار الفلسطيني – العبري, والمسار اللبناني – العبري, والمسار السوري – العبري, أدوار مخابراتية وعسكرية للناتو؟!.
الولايات المتحدة الأميركية, وتحت حملة عناوين وشعارات ذرائعية جديدة, تتساوق مع مصالحها التكتيكية والإستراتيجية, في ظل تداعيات اكثر من عقد مضى, وتحت تنميط مستحدث بضرورة تحريك عجلة تطوير حلف الناتو, باتجاه اعتماد عقيدة ومذهبية استراتيجية مختلفة عن سابقتها, تسعى وبثبات إلى إحداث انقلابات لجهة العلاقات مع أوروبا, وخاصةً في الملف العسكري – الأمني, عبر إيجاد مفهوم استراتيجي, لا بل عقيدة استراتيجية متطورة لحلف الناتو, كذراع عسكري – سياسي أممي لأعضائه, وخاصةً واشنطن لجهة الشرق الأوسط, وتحديداً الملف الأيراني والملف السوري, التدخل في مفاعيل الصراع العربي - الإسرائيلي, أو لجهة دول أوروبا الشرقية- سابقاً- والمعني المجال الحيوي الروسي, أم لجهة دول آسيا الوسطى وجنوب أفريقيا, بما فيه القرن الأفريقي, ولمحاصرة النفوذ الأيراني المتصاعد هناك.
فكل الأشارات السياسية التي ظهرت, في التصريحات الأخيرة الصادرة عن البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية, تشي بوضوح لمساعي ورغبات أميركية جامحة, لجهة الدفع باتجاه استبدال المفهوم الأستراتيجي القديم لحلف الناتو, بمفهوم استراتيجي مستحدث يقوم ليس فقط على مفهوم الردع والهجوم, في حالة الأعتداء العسكري على أحد الدول الأعضاء, لا بل يتأسس على مفهوم الضربات الوقائية أو الأستباقية, وهذا يتساوق بانسجام مع الطموحات الأميركية المتقاطعة مع الصهيونية العالمية, إزاء مستقبل وضع حلف الناتو, ومستقبل دور قوّات الحلف في المسرح الأفغاني - الباكستاني تحديداً, ولجهة الشرق الأدنى, وأيّة مسارح ملتهبة أخرى, أو في طور الأعداد أميركيّاً – اسرائليّاً لألتهابها ليصار الى التدخل أو التهديد به.
باختصار شديد, واشنطن تريد نسخة متطورة لحلف الناتو, نسخة القرن الحادي والعشرين , وخلفية الرؤية الأميركية هذه تتمثل, في أنّ دول حلف الناتو لم تتعرض لخطر الأعتداء على آراضيها وسيادتها, بواسطة دول عدوانية قائمة بحد ذاتها, وإنما هناك المخاطر النوعية الجديدة, والمهدّدات العابرة للحدود والقارات والقوميات, الناشئة بفعل وعمل الفاعلين غير الرسميين, والفاعلين من غير الدول على شاكلة: تنظيم القاعدة الأرهابي, وحتّى حركة حماس بعد ترويضها وأنسنتها سياسياً, حزب الله, حركة الجهاد الإسلامي, حركة المجاهدين الشباب وتموضع أدوارها أمريكياً في القرن الأفريقي ...الخ.
وهذه المخاطر- وفق الرؤية الأميركية-لا بدّ من مواجهتها, لوأدها في مراحل نموها الأولية, وعلى وجه الخصوص في داخل ما سمّي مؤخراً أميركياً, بالدول الفاشلة والمفككة, حيث اعتبرت واشنطن اليمن كذلك وتسعى جاهدة لجعل سورية كذلك – لكن دون جدوى بفعل صمود الجيش العربي السوري الأسطوري.
لذلك لا بدّ من اعادة تعريف مصطلح"اعتداء", واستبداله بمصطلح"خطر"أو"تهديد", وهذا يعني إذا ما قرّرت احدى دول الحلف, القيام بردع المخاطر قبل استفحالها, فانّه يتوجب على الدول الأعضاء الأخرى, وعلى الفور القيام بممارسة الردع معها, كونه تهديد وخطر مشترك, سيقع على الجميع هذا ما تريده أميركا.
وبناءً على ما ذكر آنفاً, رؤية الولايات المتحدة الأميركية المزروعة, في "مخيخ"مطبخ مجلس الأمن القومي الأميركي اسرائليّاً, وعبر ضغوط الأيباك ومراكز الدراسات الأخرى, لم يعد حلف الناتو حلف دفاعي بالمعنى الضيق لهذه الكلمة, بقدر ما هو حلف أمني – استراتيجي بقوّة انتشار, سريع بفعل التغيرات التي حدثت, في البيئة الأمنية المحلية والأقليمية والدولية, عبر فاعلين غير رسميين, وفاعلين من غير الدول, بل من تنظيمات معادية, حيث المخاطر والتهديدات التي قد تواجهها الدول الأعضاء بالحلف, تأتي من مكامن داخلية للدول الفاشلة والمفككة.
التنظيمات المعادية من غير الدول, وعلى مختلف مشاربها وتوجهاتها, تجد الحضن الدافئ والملاذ الآمن, في جغرافية الدول الفاشلة والمفككة, عندّها يبقى على الحلف- بنسخته المستحدثة بخبث-, التحرك للقضاء على هذه المخاطر والتهديدات, بعد إعادة تنميط خارطة الدول الفاشلة والمفككة وحسب ما تراه واشنطن.
انّه تطور استراتيجي في غاية الخطورة, وعلى المنظمات الإقليمية والدولية ذات العلاقة, مواجهة هذا السعي الأميركي – البريطاني – الإسرائيلي, عبر خلق رأي عام أممي ضاغط, "للجم" هذا الجموح المجنون الذي قد يقود, إلى خراب العالم عبر حروب محلية واقليمية ودولية.
حيث تلك التهديدات والمخاطر, الآتية من دول فاشلة ومفككة, هي أصلاً من صناعات مخابراتية أميركية – اسرائلية – بريطانية - فرنسية – كندية.