دام برس:
يستخدم المحور الغربي - العربي كل الوسائل والامكانيات لإسقاط النسق السياسي
السوري، حيث وضعوا في أولويات أعمالهم إعادة إحياء وتعزيز قوة تنظيم القاعدة
الأرهابي مرة أخرى، وهذا من شأنه أن يقود الى خلق او تخليق تحديات جديدة لا يمكن
للمحور الغربي - العربي السيطرة عليها، وسيكون الحدث الآن على الحدود الإسرائيلية
وفي عقر دار بعض الساحات العربية كخصوم للدولة السورية.
هجوم عناصر القاعدة
وأخواتها من جهات الأرض الأربع باتجاه سوريا، تصاعد بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة،
ويجري بتنسيق دقيق من قبل أجهزة الاستخبارات الغربية والعربية المتحالفة معاً،
وسيصبح هذا التنظيم في الفترة القادمة التحدي الرئيسي للغرب في منطقة الشرق الأوسط،
وسوف يستذكرون ذكرى أليمة ألمت بهم جراء إعداد وتنظيم حركة طالبان و تنظيم القاعدة
في عقد الثمانيات في أفغانستان، لكن هذه المرة سيحدث هذا في سوريا بالقرب من حدود
الكيان الصهيوني الغاشم، وقد أبدت بعض وسائل الميديا الأمريكية والأوروبية قلقها
جرّاء هذا الأمر.
أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني "سعيد جليلي" أعلن
واكثر من مرة عن وجود إرهابيين أجانب في سوريا، وقال: " لدى ايران وثائق مؤكدة
وأدلة دامغة تعترف أمريكا فيها بدخول إرهابيين إلى سوريا بهدف تأجيج العنف في هذا
البلد".
بالمقابل نجد العاصمة الأمريكية دي سي تعلن: " أنّها لن تتسامح مع من
يرسلون ارهابيين للقتال في سوريا وعليهم أن يدركوا أنه لن يتم التسامح في هذا
الأمر".
وتقول بعض معلومات وسائل الميديا الأمريكية المقرّبة من مدير وكالة
المخابرات المركزية الأمريكية جون برينان، أنّ هناك عمليات ارسال عدد من عناصر "
الحركة الاسلامية في أوزبكستان" أحد الأجنحة التابعة للقاعدة إلى سوريا، ولم تستطع
أن تخفي قلقها من إعادة إحياء القاعدة وتنظيم صفوفها مرة أخرى بذريعة التوجه إلى
سوريا للمشاركة في القتال.
وأشارت المعلومات أيضاَ، إلى التجربة الدولية لهذه
الحركة في استقطاب أفراد من دول أوربية، وخصوصاً من أوروبا الشرقية تحت مسمى
"الحركة الاسلامية الأوزبكية" وتدريبهم وإعدادهم ليقوموا بمهاجمة مواقع حلف الناتو
على الحدود في أفغانستان وباكستان، وجاء في المعلومات كذلك: تنشط هذه المجموعات في
المناطق القبلية على الحدود بين باكستان وأفغانستان، ويعلنون مسؤوليتهم عن مختلف
العمليات التي تشن ضد قوات الناتو في أفغانستان".
بالتأكيد هذا الامر (إرسال
عناصر القاعدة إلى سوريا) يجري بهدف تأجيج وتسعيرالمعارك التي يشارك بها المقاتلون
الأوزبك في أفغانستان وباكستان ودول آسيا الوسطى، كما يهدفون للتواجد في مناطق أخرى
غير مستقرة(سوريا)للترويج لأهدافهم الاستراتيجية والايدلوجية وللحفاظ على زخم
نشاطهم وعملياتهم.
انّ تواجد تنظيم القاعدة في سوريا جاء بضوء أخضر أمريكي،
والسعودية هي من تعّد الأجواء لتواجدها هناك ومعها أخواتها وبناتها، وأصبح وجود
عناصر القاعدة في سوريا أمراً جديّاً بعد أن ظهر أيمن الظواهري زعيم التنظيم، في
أشرطة مصورة وطلب من قواته في العراق والأردن ولبنان وتركيا أن يتأهبوا ويساندوا
اخوتهم في سوريا.
جرى هذا كلّه في وقت معلومات تحدثت باسهاب، عن توقيع اتفاقية
بين سجناء القاعدة في السعودية و "محمد بن نايف آل سعود" ابن ولي العهد السابق
ووزير الداخلية السعودي والذي يعتبر عدو القاعدة الأول في هذا البلد، حيث تضمن
الاتفاق إطلاق سراح السجناء وتقديم مبالغ مالية لهم مقابل التوجه مباشرةً إلى سوربا
لمقاتلة الجيش العربي السوري.
يقول البعض إن علاقة بندر بن سلطان الجيدة مع
أمريكا و تنظيم القاعدة يعتبر من أهم الأسباب التي جعلت منه رئيساً لجهاز
الاستخبارات السعودية، وقد كان في الثمانينات مسؤول تقديم الدعم لتنظيم القاعدة في
أفغانستان، كما شغل منصب سفير السعودية السابق في أمريكا وهو مقرب من وكالة الـ CIA
والاجهزة الأمنية الأمريكية الاخرى، وحيث تسعى السعودية لإعداد موجة جديدة من متبني
فكر القاعدة من السعوديين واليمنيين، وبعد تجنيد هذه العناصر يتم إرسالهم إلى داخل
الأراضي السورية ليلعبوا دور حلقة الوصل بين تنظيم القاعدة وأمريكا.
السؤال الذي
يحفّز العقل على التفكير ويدغدغه هنا هو: نقل القاعدة وأخواتها وبناتها ومن ارتبط
بها، إلى سوريا وتقديم المساعدة لإعادة هيكلة وتجهيز هذا التنظيم بعد11أيلول 2001 م
وهذه المرة بالقرب من حدود الكيان الصهيوني، هل سيعود بالفائدة على أمريكا
والسعودية؟ أم هل سترتد الضربة بقوة أكبر ضد هؤلاء؟
لن تكون تجربة أفغانستان هي
التجربة الوحيدة التي ارتدت نتائجها على أمريكا والسعودية، بل هناك معطيات تدّل أن
هذا الأمر لن يكون في صالح السعودية وامريكا ودول الجوار السوري من عدة نواح، وسوف
تفتح جبهة جديدة عليهم لا يمكن السيطرة عليها واحتوائها، وعلى ما يبدو في الآونة
الأخيرة أصبح هذا الأمر مصدر قلق للمسؤولين ولوسائل الاعلام الغربية.
في
الثمانيات قامت أمريكا بالتعاون مع السعودية وجهاز الاستخبارات الباكستاني بإعداد
وتجهيز بعض المجموعات المسلحة في أفغانستان وتقديم الدعم لها. ولأن هذه المجموعات
ذات التوجه الاسلامي تشكل تهديداً على أمريكا والسعودية لذلك قاموا بإقحام هذه
المجموعات بالحروب خارج الحدود، كما أنها شكّلت سداً يصعب العبور منه في وجه
التحرك الروسي لإيجاد نفوذ له في أفغانستان وفي منطقة النفوذ الامريكي، بالرغم من
نجاح هذه المجموعات في منع مد النفوذ الروسي إلى المنطقة، لكن وبنفس الطريقة تشكلت
مجموعات في قوالب ومسميات "طالبان" و"القاعدة" وتحولت فيما بعد إلى أكبر تهديد أمني
للأمن القومي الامريكي.
بعد مدة معينة من ذلك، أعلن تنظيم القاعدة أن عدوه الأول
هو أمريكا وخطط للقيام بعمليات انتحارية ضد القواعد الامريكية في السعودية حيث
استهدف قاعدة الظهران بتفجير كبير، لكن 11 أيلول شكلت العامل الرئيسي لقدوم جحافل
الجيش الامريكي إلى المنطقة ونشوب الحرب التي أطلق عليها بوش الأبن اسم "الحرب على
الإرهاب".
استمرت الحرب على الارهاب في أفغانستان 10سنوات ولم تنته حتى اللحظة،
بل أُجبرت أمريكا على إجراء محادثات مع حركة طالبان وكل يوم نشهد اضطرابات أكبر مع
الحكومة الباكستانية من أجل تأمين الحماية لقوات الناتو.
ومع وجود دور سعودي
جدّي ومحوري في تأمين الدعم المالي لطالبان والقاعدة في أفغانستان، لكن هذه الجماعة
تحولت إلى العدو الرئيسي لنظام آل سعود كما يعتبر"محمد بن نايف" ألد أعداء القاعدة
في السعودية، وخلال السنة الماضية وصل الحد بأيمن الظواهري الذي أصبح زعيم القاعدة
بعد أسامة بن لادن، إلى الاعلان في تسجيل مصور أن النظام السعودي نظام فاسد وطلب من
المواطنين السعوديين القيام ضد هذه الحكومة الفاسدة وإسقاطها.
انّ تواجد القاعدة
في سوريا يعد ذريعة لإعادة هيكلة هذا التنظيم مرة أخرى بعد 11 أيلول 2001 م، وعلى
ما يبدو الدعوة العالمية لقوات القاعدة للتوجه إلى سوريا ليست إلا محاولة من قبل
هذا التنظيم لإعادة بناء نفسه من جديد.
هذا وتظهر التجربة الأفغانية أن إعادة
بناء وتنظيم هذه المجموعة على حدود أي دولة، سيعجّل أمر مواجهتها والتصدي لعملياتها
أمراً غير ممكن تقريباً، وسيشكل هذا الأمر قلقاً كبيراً إذا عرفنا أن الدولة
الجديدة التي وقع الاختيار عليها هي سوريا التي لها حدود مشتركة مع الأراضي
الفلسطينية المحتلة.
واستناداً لما أعلنه زعيم القاعدة وبخلاف كل التوقعات، ليس
الهدف الرئيسي لهذا التنظيم إسقاط النسق السياسي السوري فقط، بل يسعى أيضاً لإسقاط
حكومة آل سعود، نعم سيبدو هذا التحليل جديّاً أكثر إذا أدركنا أن وجود المصادر
النفطية الكبيرة في السعودية، يمكن أن يشكل دافعاً قوياً لتنظيم القاعدة لإسقاط
نظام آل سعود والسيطرة على المناطق النفطية في هذه المملكة.
المتابع لجلّ وسائل
الاعلام الاسرائيلية يجدها تتناول مسألة تواجد القاعدة في سورية باهتمام خاص، وعلى
ما يبدو يخفي هذا التركيز أهداف خفية لكل من تل أبيب وأمريكا، بعد أن ثبت بالدليل
القاطع وعبر عدة تسجيلات مصورة عن تواجد القاعدة في سوريا، نشرت صحيفة هآرتس تقارير
عبّرت فيها عن قلق الكيان الصهيوني، من تواجد القاعدة في سوريا، يأتي هذا في وقت
تتناقل فيه أخبار عن قيام تل أبيب بتقديم المساعدة لهذه الشبكة الإرهابية.
وفي
السياق ذاته نشرت هآرتس تقريراً حديثاً، يستند على معلومات من مسؤولين في
الاستخبارات الامريكية، رافقوا رئيسهم في زيارته الحالية لتل أبيب( تواجدوا هناك
قبله بأسبوع للتنسيق) جاء فيه: أن عمليات تنظيم القاعدة تصاعدت في سوريا وقد تحول
هذا التنظيم إلى مجموعة تم إعادة تنظيمها وهيكليتها بشكل جيد، والسؤال هنا هو: هل
نسّقت كل من اسرائيل وواشنطن لرفع الغطاء السني عن النسق السياسي السوري عبر
القاعدة وملحقاتها، وقامتا بتصفية العلاّمة الدكتور محمد رمضان سعيد
البوطي؟.
وجاء في التقرير كذلك، إن المسؤولين الأمريكيين قلقين من أن تتمكن
القاعدة من بناء قاعدة محصنة وقوية لها في سوريا، وفي حال سقط النظام السوري ستكون
مواجهة تنظيم القاعدة في هذا البلد مشكلة كبيرة.
تظهر الأخبار القادمة من سوريا
خلال الأشهر الماضية، أن دول الخليج العربي ومعها تركيا الحلفاء الرئيسين لأمريكا
في منطقة الشرق الأوسط، كان لهم دوراً كبيراً في تسليح المتمردين وعناصر المعارضة
السورية بأسلحة متطورة جداً.
ليس هناك شك في أن إجراءات هذه الدول، في دعم
وحماية المتمردين السوريين يتم بتنسيق كامل وتحت انظار الاستخبارات الامريكية،
والتقارير المتعددة التي بثتها وسائل الاعلام الغربية يؤكد هذا الأمر.
بالإضافة
إلى ذلك فإن الباحثين عن القتال تحت عنوان القاعدة، تم إدخالهم إلى سوريا عبر هذه
الدول التي تدعمهم وتمدهم بالسلاح، قبل مدة طرح موضوع تواجد مقاتلين انكليز بين
صفوف المتمردين السوريين، ونشرت صحيفة "الديلي تلغراف" تقريراً حول هذا الامر
وأشارت إلى معسكرات داخل سوريا يتواجد فيها المقاتلين الأجانب، الذين تم استجلابهم
من دول مثل باكستان وبنغلادش ودول أخرى، كما أن دخول عناصر القاعدة إلى سوريا
يتزامن تقريباً مع تولي "بندر بن سلطان" ادارة الأستخبارات السعودية.
كتبت
صحيفة هآرتس بصراحة في تقرير مفصّل عن العلاقة التي تربط "بندر" بتنظيم القاعدة حيث
قالت: لقد تم اختيار بندر بن سلطان من أجل هذا الهدف، السعودية تريد أن ترسم خريطة
جديدة لمنطقة الشرق الاوسط بعد بشار الأسد، فهل تنجح؟.
يظهر هذا أن تواجد
القاعدة في سوريا أمر تم التخطيط له من قبل أعداء سوريا وبمعرفة كاملة من قبل
أمريكا وبندر بن سلطان، الذي تربطه علاقات قوية جداً مع أجهزة الاستخبارات
الامريكية وهذا أمر مؤكد لا نقاش فيه، وعندما تشكلت القاعدة أيام مواجهة الأفغان
للاتحاد السوفيتي سابقاً كان بندر المسؤول عن تأمين الدعم المالي لهم، لذا سيقوم
هذا التنظيم الإرهابي بعملياته داخل سوريا دون أية مخاوف وسيكون "بندر" الأب الحنون
الذي يدفع بسخاء لعناصر التنظيم الذين قدموا من جهات الأرض الأربع لتنفيذ خطة تدمير
سوريا.
وخلال السنوات الماضية اكتسب تواجد القاعدة، هذه الشبكة الارهابية، من
خلال العمليات التي قامت بها، تجارب كبيرة في حروب الشوارع بالمدن، وتواجدها في هذه
الأوقات في سوريا يمكن أن يقدّم مساعدة كبيرة للمتمردين السوريين في مواجهة الجيش
العربي السوري، لذلك يشكل إضعاف الجيش النظامي السوري، من خلال مواجهة عناصر
القاعدة الهدف القريب للدول التي تدعم وتوّجه العناصر التابعة للقاعدة للذهاب إلى
سوريا، أما الهدف البعيد، بعد السقوط المرتجى للنسق السياسي السوري وحكومة الرئيس
الأسد، ستتذرع أمريكا من جهة والكيان الصهيوني من جهة أخرى بتواجد القاعدة في
سوريا، وأنها تشكل خطراً على الأمن القومي الامريكي والاسرائيلي، كذلك في اجراء
عمليات بروباغندا عميقة، لأستخدامات للسلاح الكيماوي والذي بدأ بقصة اطلاقه على خان
العسل، وسوف يقومان بشن هجوم على سوريا واحتلالها كما حصل في أفغانستان، وقد بدأ
الرئيس أوباما للترويج لمثل هكذا ذرائع وأطلق شرارة البدء من عمان في مؤتمر صحفي مع
الملك حينما قال: استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية سيكون عنصراً مغيراً.
تهيئ
وسائل الاعلام الاسرائيلية في جلّها، وبعض الميديا الأمريكية والغربية، وبعض وسائل
الأعلام العربية المرتهنة، المقدمات بشكل جيد ومحترف لمواكبة هذه الخطط، ومراقبة ما
تبثه هذه الوسائل حول هذا الموضوع يظهر جيداً أن تل أبيب قد بدأت الآن بإعداد
الدعايات اللازمة، لتحضير العقول في العالم لتبرير شن هجوم عسكري على سوريا.
لا
شك أن أمريكا ستقف إلى جانب اسرائيل في مواجهة تنظيم القاعدة في سوريا، وما يزال
المسؤولين الامريكيين يعتبرون أن تنظيم القاعدة، يمثل العدو الأول للأمن القومي
للولايات المتحدة، وفي حال أدت الأحداث إلى سقوط النسق السياسي السوري وحكومة
الرئيس الأسد، فسوف تدّعي كل المجموعات المتمردة المتواجدة على الساحة السورية
بأحقيتها في استلام السلطة، وسوف تقوم القاعدة أيضاً بدورها المعروف كما حدث بعد
خروج القوات السوفيتية من أفغانستان، حيث جعلت من تواجدها مقدمة لهجوم أمريكا
وحلفائها على هذا البلد واحتلاله.
المحامي محمد احمد الروسان*
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية
الأردنية