دام برس – خاص – بهاء نصار خير:
عامان ويومان على بداية الأزمة السورية أو
كما يمكن توصيفه بشكل أصح بالحرب الكاملة الأبعاد التي توضحت ملامحها بالسعي لتدمير
البنية السورية والمحاولة لإضعاف القوة الردعية للجيش العربي السوري. كان واضحاً
منذ البداية خاصة مع الاستهداف المتكرر لكتائب الدفاع الجوي المتواجدة على الأرض
السورية ترافق ذلك مع جلسات مجلس الأمن الداعية لإقامة مناطق حظر جوي تارة وممرات
إنسانية تارة أخرى. لتتوج تلك القرارات والدعوات الغربية المترافقة بالأفعال التي
يقوم بها المسلحون على الأرض مع غارة إسرائيلية عدوانية استهدفت أحد أهم مراكز
الأبحاث العلمية في سورية. مضى العامان والزيارات تلو الزيارات التي شهدتها العاصمة
الروسية موسكو خاصة من قبل الرئيس الفرنسي الذي دعا من موسكو في مؤتمر صحفي مع
الرئيس الروسي فلاديمر بوتن إلى إيجاد حل سياسي سلمي للأزمة السورية واستبشر الجميع
خيراً بعد تلك الزيارة والاتفاق المُعلن. أُخذت الصور التذكارية للرئيسين ليعود
الفرنسي إلى معقله الإيليزيه ويتحف الجميع بالحل السلمي والحوار بين الأطراف وذلك
باقتراح مدعوم ومؤيد بريطانياً لتسليح المعارضة السورية بالسلاح الفرنسي
والبريطاني. والقوة في الكلام هي بأن تكون تلك الخطة بغض النظر عن موافقة الاتحاد
الأوروبي وأعضائه أي كما يُقال: "فيك يما بلاك رح كمل المشوار". هذه المواقف
والتصريحات خلقت لدى البعض حالة سوداوية تشاؤمية فالكثير قال بأنه كلما أحسسنا
بأننا نتقدم للأمام باتجاه الحل تنهال علينا التصريحات التي تُعيدنا إلى نقطة
البداية وكأن شيئاً لم يكن. والبعض وصف تلك التصريحات بأنها ليست إلا زوبعة في
فنجان لا أكثر. والهدف منها إعلامي أكثر منه فعلي وواقعي على الأرض. توجهت بالسؤال
للعميد الدكتور "أمين حطيط" نظراً لخبرته العسكرية وإطلاعه الدقيق على مجريات
الأمور لعل الصورة من خلال كلامه تصبح واضحة أكثر من خلال التركيز على تفاصيلها.
فقال لي: يجب علينا بداية التمييز بين القيام بالعمل و ممارسته فعلياً، و بين
الإعلان عنه ، و هنا لا بد أن نذكر بأن الحرب على سورية هي حرب كونية بقيادة
أمريكية و انخرط فيها الأوروبيون كل حسب حجمه و مصالحه و اهتماماته بالمنطقة. و
تقدم الفرنسيون و البريطانيون المشهد الأوروبي في الانخراط في هذه الحرب . لكن
الأمور الآن و بعد سنتين من المواجهة أظهرت أن الحرب العدوانية تلك لم تحقق
الأهداف الأساسية التي من أجلها شُنت و هي نقل سورية من موقعها الاستراتيجي الحالي
إلى الموقع المعاكس. ثم إن هناك خطراً بات يتهدد المصالح الغربية في المنطقة فيما
لو استمرت النار مشتعلة في سورية. لهذا السبب نحا المعتدون مرغمين باتجاه البحث عن
مخرج من الأزمة أُسمي: "بالحل السلمي" و هم يعرفون بأن هذا المخرج لن يتم التوصل
إليه إلا عبر مفاوضات دولية. و بما أن أميركا هي التي تقود عن الجانب الغربي هذه
المفاوضات. و بما أن الفرنسيين يخشون تهميشهم فيها من جهة، و بما أن أميركا بحاجة
إلى تراكم أوراق تفاوضية من جهة ثانية، لأجل هذا قام الفرنسيون بالإعلان عن نيتهم
تسليح المعارضة، و هم مارسوا ذلك سابقاً و الأمر ليس بجديد، و لذلك لا اعتقد أن
للأمر أثر على الميدان و لن يغير المشهد الميداني بدرجة تذكر و مفعوله نفسي معنوي
أكثر منه مادي عملاني. من الصحيح بأن هولاند التقى بوتين في موسكو وظهر على أنه
مؤيد للسلام والحل السياسي في سورية ولكن علينا جميعاً العلم بأن الموقف الحقيقي
لفرنسا هو ما صدر عن هولاند أما المناورات الإعلامية الفرنسية الحالية لجهة التلويح
بتسليح المعارضة فإن موقعها هو في خانة تعزيز الموقع التفاوضي. و فرنسا تعلم أن
قطار الحل السياسي الذي تديره روسيا و أميركا وضع على السكة و لن يغير في المبدأ
عمل من هنا أو سلوك من هناك، بل كل ما في الأمر هو امتلاك أوراق مؤثرة على طاولة
التفاوض ، و قد تؤثر أيضاً بعض التصرفات في منع تسريع عجلة الحل و ليس في وقفها .
و في كل الأحوال ليس لفرنسا و لا لكل الاتحاد الأوروبي اليوم الوزن الاستراتيجي
الذي يمكنه من التأثير الجذري على قرار دولي كبير. إن ما يثبت هذا الكلام من قِبل
سيادة العميد أمين هو الأخبار المتناقلة منذ البارحة عن رفض أوروبي ألماني لهذا
الاقتراح ويُقال بأن هولاند أعاد النظر حول هذا الأمر. ولكن المشكلة هي كيف يقوم
هولاند بمحاربة المسلحين في مالي وبالمقابل يدعمهم في سورية ويُورد السلاح الفرنسي
لهم. ما هو السر وراء هذا الدعم على العلم بأن هذه الفئة شكلت لهم قلقاً وجهداً
كبيراً في أفغانستان ومالي والصومال. تدور الأيام وكل يوم يُشعرنا مسير الأزمة بأن
كل ما حصل ويحصل لا يتعدى عملية انتقامية من سورية لا أكثر. خطوة لإضعافها قدر
المستطاع خاصة التركيز على قطعات الدفاع الجوي. ولو كان التبصر قليلاً في الواقع
وما الذي يحدث لفُهمت اللعبة بالشكل الصحيح. وكل هذا الذي يحصل من كلام عن التسليح
وتوجيه الضربات لا يتعدى الكلام فقط فلو وجدوا في أنفسهم القدرة على المواجهة
المباشرة لقاموا بذلك منذ أشهر عديدة كما حدث في ليبيا مع الرئيس الراحل معمر
القذافي. ولكن سورية وضع مختلف والحسابات فيها لها أبعاد أخرى قد تكون أكبر من
قدرات الدول الأوروبية منفردة. بعد سنتين لم تتراجع سفن روسيا الاتحادية بل زاد
عديدها بشكل كبير وارتفعت وتيرة التهديد الروسي. الأمور أصبحت في خواتيمها والتصعيد
الكبير متوقع في هذه المرحلة ولكن النهاية سترسمها الأيام القادمة.