بـعد عامـين من الأزمـة.. ســوريـا إلى أيـن ؟

بـعد عامـين من الأزمـة.. ســوريـا إلى أيـن ؟

مـحـمـد أحــــمـد

15-3-2013

بحلول منتصف آذار تكون قد مرت سنة اخرى على تاريخ سجل تحولا وانعطافا بطبيعة الصراع الدائر في سورية، تميز أولا بعالميته من حيث تواجد القوى، وثانيا بقدرته السريعة على الفرز والاصطفاف الحاد بين تلك القوى بتموضعهما في جبهتين متصارعتين بشدة، وثالثا وهو الأبرز، ان المعارك الدائرة تذهب باستنتاج عريض يقول بنوع من التوازن المرحلي المؤقت بين القوى التي بدأت تفكر بهدنة تاريخية تسمح طبيعتها الجديدة بتفاهمات ستضع اللبنة الأولى لولادة نموذج مرحلي من الدولة الوطنية يأتي على عناصر من مرحلة بداية تجاوز القطبية الأمريكية ولكن بحصة كبيرة ومتنامية، وعناصر من التبعية الامريكية لكن بتواجد ضئيل ومتهالك.

لقد بات من الواضح الاستنتاج ان سورية جديدة تولد، وانها ستكون أول نموذج لتفاهمات عالمية جديدة مؤقتة على الأغلب، تفرضها مرحلة جديدة من ميزان القوى العالمي، والتحرك الروسي الصيني في الملف السوري المتصاعد تدريجيا وبفاعلية بمواجهة الخيار الأمريكي، ليس الا التعبير العملي عن ذلك.

التفاهم العالمي الجديد قبلت به الولايات المتحدة ضمنا، وان على مضض، واعلان اوباما في خطاب القسم لولايته الثانية بانتقال واشنطن الى منطق الحوار والتفاوض في الصراعات الدولية يأتي في هذا الإطار، بل ان اختيار جون كيري رئيسا للدبلوماسية الامريكية لم يأت إلا اعترافا امريكيا بذلك.

كيف ستكون سورية وسط التفاهمات الجديدة ؟

عندما تتعدد الاقطاب العالمية، وعندما لا يكون هناك خيار أمامها سوى التفاهم وان كان مرحليا، فإنها تنتقل لنمط من المعادلات تفرض جغرافيا سياسية في مناطق تماس المصالح الحيوية تلائم حجم القوى لكل قطب.

دائما كانت منطقة الشرق الاوسط منطقة تماس القوى العالمية، وهي كذلك الآن، مع متغير جديد نسبيا، وهو ظهور قوى إقليمية باتت اكثر تأثيرا في المعادلات التي تخص دول المنطقة، ومن هنا يأتي دور إيران بشكل كبير وتركيا بدرجة أقل في صياغة حل ما للأزمة السورية القائمة.

ان النموذج السوري للحل المرحلي المؤقت على الأغلب، لن يكون شبيها باي نموذج آخر سبقه، لأنه سيكون النموذج العالمي رقم واحد الذي سيعبر عن معادلة الجغرافية السياسية الجديدة للمنطقة، حيث نفوذ القوى العالمية والإقليمية القديمة والجديدة الصاعدة والخصوصية الوطنية لسورية.

ان ولادة النموذج(سورية الجديدة) الذي قصدناه لم ير النور بعد، والعملية ستأخذ وقتا من الزمن كافيا، وهذا عائد إلى سببين رئيسيين:

اولا: نحن الآن في بداية مرحلة إدراك نهاية القطبية الامريكية وبداية عالم متعدد الاقطاب متنافس، الأمر الذي يتطلب تغييرا كبيرا في رؤية، واستراتيجية، وسياسة، كل دولة وكيان وفق الواقع الجديد لموازين القوى الدولية وكيفية تموضعها.

ثانيا: تبني سياسات جديدة لكل دولة يتطلب إعادة هيكلة لموازين القوى داخل كل دولة، أي إعادة توزيع للسلطات، أي إعادة توزيع المصالح والحصص، الامر الذي يعني صراعا يستهلك فترة من الزمن.

ان النموذج السوري الجديد لن يكون إلا من خلال التفاوض والحوار، لكنه تأخر نسبيا، فهناك من بين طرفي المعارضة والموالاة من لا يؤمن بذلك ضمانا لخياراته كطرف أو كأفراد، وهناك من السوريين من هم يؤمنون بالتفاوض والحوار كمبدأ، وهم شريحة مهمة، لكنهم لا يزالون يعانون من التردد بالتصديق بان حوارا بناءا وفق مبدأ احترام الآراء ممكن أن يتوفر لهم في ظل هياكل الدولة القائمة.

ان السوريين ليسوا فقط ممن ينتمون الى من صنفناهم سابقا فقط، بل ان تيارا يؤمن بشدة بإمكانية انجاح تفاوض وحوار بناء يشق طريقه بقوة ويبدو أكثر واقعية الآن، حيث تساعده طبيعة الصراعات الدولية وما سيتمخض عنها من تفاهمات، وسينجح بالتأثير وبفاعلية في مواقف الآخرين من حيث اقناع البعض من الرافضين بان الحوار والتفاوض يضمن مصالح الجميع، وكذلك سيبرهن عمليا وبشكل تدريجي للمترددين بأن حوارا بناءا سيرى النور وسيولد نتائج تأتي عمليا على تغيير في الهياكل القائمة.

ان التيار المؤمن بالحوار والتفاوض لا شك يواجه عقبات، وهو سينجح بتجاوزها ان استطاع السير دون تردد اعتمادا على مخزون سورية التاريخي من حالة التحضر التي تسمح لتجاوز عقبتي التكلس والتطرف.

بعد عامين من انطلاق مقدمات الأزمة المجتمعية الشاملة في سورية، مازال السوريون يمتلكون مقومات الرفض لمفاهيم ما قبل الدولة الوطنية، لا بل مصممون على التأسيس لبناء مفهومهم السوري لدولة المواطنة التي تنزع للعدالة الإجتماعية والحريات العامة كلما كان ذلك ممكنا.

هناك في المضمون صراعا يجري على كيفية توزيع الادوار المستقبلية بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية من جهة، وعلى كيفية توزيع مراكز القرار الفعلي داخل كل سلطة من جهة أخرى، ومن هنا يأتي التساؤل، أي سورية نريد؟ جمهورية رئاسية، أم جمهورية برلمانية، ولعل الخيار الواقعي يكون غير الإثنين، لكن ما بات واضحا ان لا فرص محتملة بعد للسلطات الشكلية في سورية الجديدة.

سورية نموذج الدولة الوطنية لمرحلة نهاية احادية القطبية الأمريكية وبداية مرحلة تعدد الاقطاب العالمية، ستمر بمرحلة شديدة التميز كونها ستواجه تحديين كبيرين نتجا عن حجم التدخل للقوى الدولية:

التحدي الأول؛ هو قدرة السوريين على ايجاد تعريفهم الوطني الخاص لمفهومي الاعداء والاصدقاء في الواقع الجديد الذي يأتي على تفاهمات المتصارعين المؤقتة.

التحدي الثاني؛ كيفية إدارة العلاقة مع الأصدقاء، فحساسية السيادة الوطنية والحفاظ عليها تتطلب قدرة ومهارات إدارية عالية مع الأصدقاء قبل الاعداء.

الصراع العالمي بمجمله يمر بمرحلة انتقالية الآن، وهو سيأخذ سنوات لن يحسم إلا بظهور قوة أو قوى عالمية تتبنى مفاهيم اقتصادية اجتماعية جديدة، فجوهر الصراع هو الحرمان الاقتصادي لشرائح مجتمعية داخل كل دولة كما بين الدول عبر الاستغلال والتحكم .

ان ما يجري الآن هو تحولات تراكمية كبرى لصالح الرفض للرأسمالية في حالتها المتوحشة، لكن تحولا نوعيا لم يطرأ بعد لولادة جديد يتجاوزها، وإلى ذلك الحين ستكون سورية كما الكثير من الدول الاخرى، ساحة صراع للنفوذ والمصالح وعلى السوريين تقف جل مهمة انقاذ امكانات بلادهم ومقدراته وتنميتها، وكلما كان نظام إدارة الإنتفاع المجتمعي عادلا، كلما استطاعت سورية التخلص من سلبيات الصراع العالمي عليها كساحة نفوذ ..

» بـعد عامـين من الأزمـة.. ســوريـا إلى أيـن ؟
» شبان يطلقون «مشروع الحوار السوري»: آراء ومقترحـات لحـلّ الأزمـة