أما بخصوص البيانات التي تلت اجتماع جنيف حول سوريا فقد ولّدت ترجمات مختلفة بشكل ملحوظ لكلام وزيري الخارجية الروسية والأميركية إذ قال سيرغي
لافروف إن "الرئيس السوري بشار الأسد ليس مضطراً للرحيل بحسب ما يقرره الشعب السوري"، أما هيلاري كلينتون فقالت: "رحيل الأسد مطلوب بلا شك" الأمر الذي ربّما حمل مترجمي اللغات الفرنسية والروسية والإنكليزية على تفقّد قواميسهم.
وكذلك كان التباين جليّاً بين الترجمتين الروسية والإسرائيلية حول ما تمّ الإجماع عليه خلال الزيارة "العابرة" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى فلسطين التي لم تدم أكثر من 24 ساعةً. وتجدر الإشارة إلى أن اللوبي الصهيوني يروّج "لتحالف ثنائي جديد مع روسيا" الأمر الذي يسلّط الضوء على التمني الجدي من تلك الجهة بحسب ما ناقشته مع مسؤول في السفارة الروسية ببيروت حول زيارة بوتين.
وفي مؤتمر صحفي تلا الإجتماع، قال نتنياهو إنه اتّفق مع بوتين على أن احتمال وجود إيران مسلّحة نووياً "يمثّل خطراً داهماً على إسرائيل في المقام الأول، ومن ثمّ على العالم بأسره". كما وأعلن نتنياهو في 25 حزيران/يونيو أنه وبالرغم من استياء بعض الأفراد من الوفد الروسي الذي ضمّ 400 شخص، إلا أنّ إسرائيل تتوقّع من القوّة العظمى والوحيدة مستقبليّاً أن تدعم تشديد العقوبات على طهران، وتطالب بوقف عمليات تخصيب اليورانيوم في إيران، وتفكيك المنشأة النووية التي تقع تحت الأرض بالقرب من مدينة قمّ.
أما بوتين، فقال إنه قد ناقش مع نتنياهو الأوضاع في سوريا والبرنامج النووي الإيراني، وأن المحادثات كانت "مفيدة". وخلال زيارته القصيرة، افتتح بوتين نصباً تذكاريّاً في "نتانيا" لقتلى لقوّات السوفياتية في الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي لا بدّ أنه حمل دوافع أخرى إذا ما أخذنا بعين الإعتبار اهتمام روسيا بـ"الصناعة الدفاعية الإسرائيلية". فخلال العامين الماضيين اشترت روسيا 12 طائرة من شركات إسرائيلية مختلفة.
وكان الرئيس الروسي المنتخب حديثاً، الذي كان قد اعتبر تفكك الإتحاد السوفياتي بمثابة كارثة جيوسياسية، قد دافع عن حق الشعب الإيراني باستخدام الطاقة النووية لأغراض سلميّة، ولكنه أشار في الوقت نفسه إلى وجوب ضمان إيران عدم انتشار الأسلحة النووية. ولكن مهما كانت الظروف يجب حلّ المسألة سلميّاً عبر المحادثات.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد عبّر غير مرّة عن تحفظاته على الدور الروسي في "عملية السلام" الإسرائيلية الفلسطينية الطويلة الأمد. كما وزعم لبوتين أن روسيا، العضو بما يسمّى "اللجنة الرباعية لصانعي السلام في الشرق الأوسط"، قد انحازت إلى جانب الفلسطينيين خلال النزاعات بشكل ملحوظ. كما ودعا "نتنياهو" بوتين إلى حثّ الفلسطينيين على العودة إلى المفاوضات. إلا أن بوتين نظر إلى نتنياهو نظرة حائرة لعلّه كان يتساءل من خلالها عن السبب الذي لم توقف إسرائيل من أجله بناء المستوطنات غير الشرعية والإستيلاء على الأراضي كما كان الفلسطينيون والمجتمع الدولي قد طالبوا على مرّ عقود خلت. وبأعصاب هادئة، تظاهر نتنياهو بعدم الإنتباه لنظرات بوتين المحيّرة، مؤكداً إصراره على أن الزيارة الروسية قد تحسّن العلاقات على صعيد الزراعة والعلوم والتكنولوجيا والفضاء "دوناً عن غيرها من المجالات".
وقد أوضح موظفوا رئيس الوزراء الإسرائيلي أن الإتحاد السوفياتي كان معادياً لإسرائيل ولكن يجب تحسين العلاقات الآن. أما وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك فقد قال في أحد اجتماعات حزب الإستقلال أن "روسيا هي إحدى القوى العالمية الأكثر أهمية، وهي بلد لعب دوراً هاماً جداً في التاريخ السوري خلال السنوات القليلة الماضية، ولهذا السبب ستلعب روسيا دوراً أساسياً في تشكيل سوريا ما بعد الأسد". وقد شدّد باراك أيضاً على أهمية روسيا في "الجهود الدولية المباشرة بوجه إيران على مستوى العقوبات والدبلوماسية"، كما وشدد على إيمانه بأن بوتين قد فهم أن تعامله مع إيران يحمل إسرائيل على الاختيار بين "القصف والقنبلة"، وإذا لم تقم إسرائيل بالمهاجمة فإن إيران بالتالي ستمتلك الأسلحة النووية.
حتى الآن، وبحسب مناقشات السفارة الروسية في بيروت، فإن بوتين قد حذّر المسؤولين الإسرائيليين مراراً وتكراراً من أن وجود إسرائيل بأكمله سيكون بخطر إذا ما هاجمت إيران، وأن إسرائيل يجب ألّا توهم نفسها بأن روسيا ستعاقب إيران بالهجوم أو أنها ستتدخل في أي هجمة إسرائيلية على أيّ حال. وكان بوتين قد شدّد أيضاً على إسرائيل بوجوب تفكيرها مرّتين قبل أن تقدم على أي خطوة ضدّ إيران، كما ويجب أن تتعلّم الدروس من تجارب الولايات المتحدة في كلّ من العراق وأفغانستان.
وفي هذا السياق قال بوتين: "انظروا ماذا حدث لأميركا في أفغانستان والعراق. لقد قلت ذلك لأوباما أيضاً. لستم مضطرّين للقفز فوق الأشياء في وقت مبكّر جداً، ولا يجب أن تتصرفوا قبل أن تفكّروا. فبعد كلّ ما حدث في العراق، الحكومة العراقية موالية لإيران. يجب أن تفكروا جيداً قبل الإقدام على أي خطوة قد تندمون عليها". كما وأخبر "بوتين" "نتنياهو" أن روسيا ستعترف بالدولة الفلسطينية.
وكان عدد كبير من مسؤولي إدراة بوش رفيعي المستوى، الذين يحصلون على رواتبهم من ضرائب المواطنين الأميركيين وهم في الواقع يخدمون إسرائيل، قد جرّوا الولايات المتحدة إلى غزو أفغانستان والعراق ويحاولون حاليّاً فعل ذلك مع إيران. وبدعم من اللوبي الصهيوني، يتفق هؤلاء مع الروس على ان عجز الولايات المتحدة وحده كان كفيلاً بتقديم هذين البلدين لإيران أكثر مما كان متوقعاً على صعيد خط أنابيب النفط من منطقة الخليج.
ويدّعي "روثي بلوم"، المصاب بفوبيا العرب والإسلام، ورئيس تحرير سابق في صحيفة "جيروزاليم بوست"، ومؤلف كتاب "سريعاً إلى الجحيم: كارتر وأوباما والربيع العربي"، أن الرئيس أوباما والأميركيين الذين يدفعون الضرائب قد خانوا إسرائيل.
"روثي"، الذي يكتب حاليّاً عن قضية منظمة "إسرائيل هايوم" (إسرائيل اليوم)، يشرح قائلاً إنه ومنذ لحظة تولّي باراك أوباما الرئاسة منذ أربعة أعوام كان من الواضح أن الدولة اليهودية ستلقى جانباً كزوجة وفيّة لم يعد لها قيمة بالنسبة لحبيب فاتن وغير ملائم. وفعلياً لم يكن أوباما قد خبّأ إغراءاته كلّها عن العالم الإسلامي، ولم يكن كثير التعقّل في انجذابه نحو العناصر المناهضة للغرب. فهذا سقف السخرية المأساوية التي بغياب حاميها السابق الفاجر، وهو أميركا، لا تجد الحكومة الإسرائيلية ملجأً يؤويها سوى روسيا.
ويعتقد موظفو "نتنياهو" الذين أرسلوا جزءاً من تجهيزات اللوبي الصهيوني إلى الولايات المتحدة، كما رئيسهم، أن وجود إسرائيل في خطر. وهو مستعدّ للحفاظ على إسرائيل بمفرده أو بمساعدة روسيا لأنه "لا ينوي أن يوكل إلى أميركا مهمّة الحفاظ على الدولة اليهودية". وفي الوقت نفسه، وخلال لقاء مع "روثي" الذي أعطاه أخيراً فرصةً للكلام، أعلن الصحافي الإسرائيلي ومقدّم برنامج حواري أن: "في الوقت الذي يبذل المحور العربي اليساري المعادي للسامية قصارى جهده لنزع شرعية إسرائيل وتهميشها، فإن زيارة "بوتين" تحظى بالقوة الكافية لمواجهة عشرات الفنانين والموسيقيين الأشرار الذين يقاطعون إسرائيل. وإذا ما كانت هذه الزيارات مستمرة، فإن إسرائيل كانت لتضع السجادة الحمراء في مطار "بن غوريون" لاستقبال الرئيس الأميركي "باراك أوباما" منذ ذلك الحين. ولكن في الواقع لم يعد "أوباما" موضع ثقة في حين تزداد الثقة بالمرشح "ميت رومني" إذا ما تم انتخابه رئيساً ذلك أنه قد وعد بأن رحلته الأولى ستكون إلى إسرائيل. أما أوباما فلم يزر إسرائيل أبداً منذ أن أصبح رئيساً".
إنّ إدارة "أوباما"، وربّما باستثناء الكونغرس، قد فوجئت وأصدرت بياناً على لسان "بن لابولت"، أحد المتحدثين باسم حملة "أوباما" جاء فيه: "الحاكم رومني قد وعد بالقيام بعكس ما قام به الرئيس أوباما في علاقات بلادنا مع إسرائيل. وعليه الآن تحديد كيف يمكنه قلب سياسات الرئيس أوباما عبر إرسال أكبر حزمة من المساعدات الأمنية في التاريخ. هل هذا يعني أنه سيسمح لإسرائيل بالوقوف بمفردها في الأمم المتحدة؟ أم أنه سيوقف تمويل نظام القبة الحديدية؟ هل هذا يعني أنه سيتخلّى عن التحالف للعمل معاً من أجل مواجهة الطموحات النووية الإيرانية"؟
وكان مستشار "نتنياهو" "بيني غولدبيرغ" قد شرح مفاتحات إسرائيل المحرجة بعض الشيء بالنسبة لروسيا على صعيد السياسة الواقعية. وقال إنها مثل زيارة "ميت رومني" المقبلة. فسيتم استقباله كما لو كان "أوباما" قد قرر الزيارة. وبالإجمال، نحن نسعى في الكونغرس الأميركي إلى دعم من كلا الطرفين، ومن الواضح أننا نريد أن تكون العلاقة مع موسكو تماماً كما هي مع واشنطن".
وفي مخيّلة إدارة "أوباما" الكثير من الصفات حول العلاقة مع إسرائيل، إذ تظنّها خاصّة وفريدة من نوعها وأسطورية أبدية وصلبة كالصخور لا يكسرها شيء أبد الدهر. كما وتراها حديدية غير قابلة للتقسيم الأمر الذي يمنح أميركا توأمة استراتيجية ديمقراطية يمكن الإعتماد عليها تماماً كما هي الحال في شراكتها مع دافعي الضرائب الأميركيين الأسخياء الذين لا يعلمون ربما بوجود هذه الشراكة أصلاً. وقد علّق بعض موظفي الكونغرس ساخرين من فكرة أن إسرائيل تمتلك الولايات المتحدة في جيبها الأصغر وأن الكونغرس سيضمن دوام ذلك. ولهذا السبب، لن يكون لدى إسرائيل شيئاً تخسره في التلميح إلى الروس بأنها ستتخلص من الولايات المتحدة، على الأقل إلى حدّ تحفيز المصالح الروسية في المنطقة. وكما هو معروف في البيت الأبيض، فإن إسرائيل قد باعت الإتحاد السوفياتي معلومات إستخباراتية مشفّرة سريّة للغاية عبر طرف ثالث هو "جوناثان بولارد" الذي يفترض أن لديه معرفة مباشرة من خلال توليه مكتب توليد المعلومات في إحدى الفترات".
وكان "غولدبيرغ" أيضاً قد أوضح مؤخراً أن المنطق وحده كان يحكم تقلّب المواقف إزاء حفاظ إسرائيل "على الهدوء في مرتفعات الجولان في ظل الحكم... في سوريا" الأمر الجيد حاليّاً في ظلّ الخطر الملازم من جانب الإسلاميين ..، ومنهم "الإخوان المسلمين" وحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي. أما اليوم فقد انتقل الدعم الإسرائيلي لصالح نظام في سوريا تأمل بأن يحارب إيران وحزب الله. وتحكم الواقعية السياسية أيضاً ..مما سيسمح لإسرائيل بالتعايش مع ذلك أيضاً لأنها تؤمن بأن ضمّ الجولان لإسرائيل سيكون أكثر قسوة من الكلام".
وثمّة أيضاً تعارض بين مصالح إسرائيل ومصالح روسيا لأن البلدين ليسا قويين بقدر ما يطمحان إليه في المنطقة. فروسيا لم يكن لديها سوى القليل من الخيارات خلال الحرب الباردة، أما إسرائيل فليست ذات تأثير فاعل بما ينتج عن الأحداث في سوريا ومصر. ومن جهة أخرى، سيكون لدى روسيا وإسرائيل بعض المصالح التي تكمل إحداها الأخرى كما هي الحال في أذربيجان بحيث تعدّ روسيا مصدراً أساسيا لتسليح النظام، والإسرائيليون أيضاً يبيعونها كميات كبيرة من الأسلحة. وتعتقد وكالة الإستخبارات المركزية (سي.آي.إيه) أن إسرائيل قد نصبت قاعدة للتجسّس، وبالتالي لمهاجمة إيران بحسب الشائعات. وعلى ما يبدو، فإن روسيا لا تشعر بالخطر بسبب التدخل الإسرائيلي في أذربيجان أو لأن الطرفين موجودان هناك وكلّ يعمل بطريقة قد يبدو للبعض أنها تشكّل صراعاً ولكنها في الحقيقة ليست كذلك بحسب ما قاله "جورج فريمان" من جامعة "ستراتفورد".
وهناك أيضاً بعض المصالح الثنائية على الصعيدين الإقتصادي والإستراتيجي لأن روسيا تبحث عن شركاء جدد لها في المنطقة.
وبالمقابل، لقد استفادت كلّ من روسيا وإسرائيل من "حروب الإرهاب" الأميركية في العالم الإسلامي بشكل هائل. فهذه الحروب لا تنفّر المسلمين بعضهم من بعض فقط، وإنما تساعد الروس بسبب الكلفة البشرية والإقتصادية المدمّرة لأميركا.
وإذ تتخبّط الولايات المتحدة، وتمارس كلّ من روسيا والصين دهاءها السياسي في الشرق الأوسط، لا بدّ للمرء أن يتخيّل القادة الإسرائيليين وهم يستذكرون الأيام والأسباب التي دفعت بالمشروع الصهيوني الإستعماري إلى طمر إنكلترا خدمةً للولايات المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية.
ترجمة: زينب عبدالله