المرتزقة قادمون مع العولمة - د.م. فهد أندراوس سعد
مقدمة
أين الأن يوغسلافيا ؟
لم تعد موجودة حتى اسمها اختفى كي لا يبقى أمل بانبعاثها مجددا !
والاتحاد السوفيتي ؟ أيضا اسمه اختفى !
ما وضع أفغانستان بعد أكثر من عقد على بدء الحرب ؟ والعراق أهو أفضل حالا ؟ أم ليبيا ؟....الخ .
ان انكسار دول التحالف الهتلرية في الحرب العالمية الثانية لم يؤدي الى ازالتها كدول فقد بقيت ألمانيا وان قسمت وبقيت ايطاليا وبقيت اليابان كدول .
أما الحروب الحديثة فتظهر الشواهد المعاصرة أن لها أهداف واستراتيجيات ووسائل مختلفة :
أهدافها : تدمير بنى الدول وازالتها من الوجود في محاولة لإعادة البشرية الى المرحلة التاريخية ما قبل تأسيس الدول !.
استراتيجيتها : الاعتماد على العمليات السرية .
جيوشها : مرتزقة منضوون ضمن شركات عسكرية خاصة ذات قيادة متعددة الجنسيات .
المرتزقة اناس غير مرتبطين بأية التزامات أخلاقية ويتحركون بهاجس وحيد – شهوة الربح وهم لا يقيمون أي وزن لحياتهم فكيف حياة الأخرين ؟ ويشكل الحقد على الحياة لديهم ثقافة التعبد للموت !.
-1 عقيدة رامسفيلد .
10 ايلول سبتمبر 2001 (لننتبه الى التاريخ ) ألقى وزير الدفاع آنذاك دونالد رامسفيلد خطابا في البنتاغون هاجم بشدة العقلية البيروقراطية بحسب رأيه في القيادة العسكرية الأمريكية ودعا للانتقال الى نمط جديد اساسه القطاع الخاص وأنهى خطابه بإعلانه :" انني لا أنوي مهاجمة البنتاغون وانما أرغب بتحريره,وعلينا انقاذه من ذاته . "
في صباح اليوم التالي هوجم البنتاغون ! وحصل رامسفيلد على امكانية كانت مستحيلة التنفيذ سابقا للإقلاع برؤيته الشخصية حول الحرب الحديثة التي عرضها قبل يوم واحد وحملت اسمه " عقيدة رامسفيلد " وأساسها ثلاثة مبادىء :
الاعتماد على العمليات السرية ,
الاعتماد على الشركات العسكرية الخاصة ,
استخدام نظم أسلحة ذات تقنيات عالية .
ويوضح رامسفيلد مبادرته لاحقا بدعوة العسكريين للتشبه برجال الاعمال بأن يكونوا استباقيين (فعلهم قبل الحدث ) وليسوا رد فعليين (فعلهم بعد الحدث ) وأن يكون سلوكهم كرأسمالي مغامر وليس كبيروقراطي !
بهذا أكد رامسفيلد على ضرورة اعتماد "مبدأ السوق " في الشأن العسكري وتحويل الحرب الى بيزنيس حيث الطلب الواسع على الخدمات العسكرية يولد عرضا متزايدا , وأن الحرب يجب ان لا تدار من قبل الدولة وانما من مؤسسات خاصة قائمة على شركات عسكرية خاصة !.
- 2 الشركات العسكرية الخاصة .
عندما اجتاحت القوات الأمريكية العراق في أذار 2003 كان برفقتها جيش من المرتزقة هو الأكبر عددا في التاريخ الحديث و حتى نهاية عام 2006 كان عددهم في العراق 100,000 مرتزقا وكانت النسبة 1:1 مع الجيش النظامي الأمريكي وحتى تموز 2007 وصل العدد الى 180,000 مرتزقا في الوقت الذي كان فيه الجيش النظامي 156,000 عسكريا !!.
تقدم شركة بلاك ووتر نفسها بالإعلان الدعائي التالي : " مستعدون لتقديم كافة الخدمات العسكرية ولدينا قوات لأية حملة مكافحة الانتفاضات في أية نقطة في العالم " ! .
تؤدي الشركات العسكرية الخاصة مهامها بالسر ودون اشهار! وهي مستعدة لتقديم طيف واسع من الخدمات العسكرية يشمل : تنفيذ العمليات العسكرية ,التخطيط الاستراتيجي , العمليات السرية ,أعمال الاستخبارات , التأمين الفني المادي (اللوجستي ) , الحرب النفسية والاعلامية ,المشاركة الفنية وتدريب الجيوش ....الخ .و بالنسبة للمهمة الأخيرة فان المرتزقة يؤدون مهام المستشارين ويدربون التشكيلات المحلية (العصابات المسلحة ) كي تحارب بفعالية ضد النظام "المارق" بدلا من التدخل الامريكي المباشر .
تعكس الارقام التالية النمو السريع لهذه الشركات : أبرمت وزارة الدفاع الأمريكية 3601 عقدا خلال الاعوام من 1994 حتى 2001 مع 12 شركة أمريكية عسكرية خاصة بميزانية تجاوزت 300 مليار دولار , وهناك معطيات تقول أن %25 من العمليات الاستخبارية تنفذها الشركات العسكرية الخاصة !.
- 3 الباب الدوار بين المناصب الحكومية والشركات العسكرية الخاصة .
يترأس الشركة النفطية Group Carlyle سياسيون كبار كبوش الأب ووزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر ووزير الدفاع لدى ريغان فرانك كارلوتشي الذي أسس شركة عسكرية خاصة باسم M BD التي اشترت لاحقا شركة Vinnell ذات الخبرة في تقديم الخدمات العسكرية الخاصة وذلك بهدف حماية منشآت البنى التحتية للشركة النفطية وفي عام 1979 أبرمت الشركة عقدا سنويا مع السعودية بمبلغ 77 مليون دولار لتدريب الحرس الوطني السعودي ومنذ ذلك الحين يتجدد العقد سنويا ويعتبر واحد من أكثر البرامج ربحا حيث يعمل 1000 مدرب ويقومون بتدريب الحرس الوطني والقوى الجوية الملكية .
ولدى الشركة النفطية هالبيرتون الوثيقة الصلة بنائب الرئيس ديك تشيني شركة عسكرية خاصة فرعية Kellogg Brown &Root .
رئيس شركة MPRI كارل بودنو كان رئيسا لأركان القوى البرية من 1987 حتى 1991 وقائدا للعمليات في حرب الخليج ,و يعمل لديه في الشركة أيضا الرئيس السابق لادارة الاستطلاع هاري سويستر ,والقائد السابق للقوات االامريكية في أوروبا كروسبي سينتو وقد قدم هؤلاء الرجال ليس فقط خبراتهم العسكرية الكبيرة وانما علاقاتهم بالدوائر الحكومية العليا أيضا .
- 4 بلاك ووتر
ان أهم شركة عسكرية خاصة هي بلاك ووتر "الماء الأسود" ( وان كان من المحبذ ترجمتها ب"الماء القذر" ! ) .تأسست عام 1996 من قبل رجل الاعمال الملياردير ايريك برينس على مساحة 2000 هكتار في كارولينا الشمالية. مع تدفق الارباح بعد فوز الجمهوريين كانت أحداث 11 ايلول " ليلة القدر " للشركة حيث توسعت وأصبحت تشغل 3000 هكتار وبهذا أصبحت أضخم قاعدة عسكرية خاصة في العالم , وأبرمت عقودا بقيمة مليار دولار مع الحكومة الامريكية لتقديم خدمات عسكرية ضمن استراتيجية محاربة الارهاب الدولي الذي أصبح ك"مغارة علي بابا " للصوصها . ففي العراق وصلت كلفة الخدمات العسكرية المقدمة من بلاك ووتر الى 1500- 2000 دولار يوميا عن كل مرتزق تقدمه!. قدمت بلاك ووتر خدماتها لثلاث جهات مفصلية : البنتاغون و وكالة الاستخبارات CIA و وزارة الخارجية الامريكية لتعمل في ثلاث دول بشكل رئيسي وهي العراق وأفغانستان وأذربيجان . توسع نشاط بلاك ووتر ليشمل مهام استخباراتية فرئيسها برينس يملك علاقات وثيقة بوكالة CIA ولديه ” بطاقة خضراء " وهو تصريح يسمح بالدخول الى مباني الوكالة , و يتواجد شهريا في مركز قيادتها حيث يلتقي كبار المسؤولين وخاصة في المقر الذي يدير العمليات السرية.
لإسرائيل باع طويل في الشركات العسكرية الخاصة ويتطلب الامر عرضا خاصا .
الخاتمة
كان الشكل السائد للعلاقات الدولية سابقا هو العمل الدبلوماسي أما الآن فقد اختلف الأمر لدى نخبة العولمة حيث اعتمدت العنف لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية ولم يعد الصبر والحوار من سماتها وانما اعتماد الحروب كوسيلة أساسية لفرض الحلول التي تنتهي عادة بتدمير بنى الدول !
تلعب أمريكا الدور الرئيسي في اشعال هذه الحروب فميزانيتها العسكرية فاقت 650 مليار دولار عام 2008 متجاوزة مجموع ميزانيات كل دول العالم وأكثر بعشر مرات من ميزانية الصين التي تليها بميزانيتها العسكرية ! وكل هذا كما يصرخون لمحاربة أتباع ابن لادن ! وتنظيمه القاعدة ! ولم يعد الكثير من يشك أن تنظيم القاعدة صنيعة وكالة الاستخبارات CIA وأن أحداث 11 ايلول عمل استفزازي منظم ومطلوب للحصول على مبررات لبدء حرب شاملة تحت راية محاربة الارهاب الدولي لإخفاء الدوافع الحقيقية .
إن هذا الميل المتزايد للمؤسسات الحكومية العسكرية والاستخباراتية والخارجية نحو التبعية للشركات العسكرية الخاصة توجه خطير يهدد أمن واستقرار ليس فقط أمريكا وانما العالم بأكمله لأن وظيفة مرتزقة هذه الشركات التدمير وبلا رحمة , ووجودهم يجعل الحرب أكثر وحشية لأنهم لا يدافعون عن أي شئ وانما يهاجمون بهدف وحيد تدمير بنى الدول على المستوى العالمي لإحلال نظام عالمي جديد بقيادة حكومة عالمية موحدة .
المراجع الاساسية : عن الروسية
1 – الخزر الخفيون تاتيانا فاسيلفنا غراتشوفا
2- اللجنة 300 - أسرار الحكومة الخفية جون كالما ن