الإصلاح الإداري ..
خطوات تنتـظر التنفيذ
اقتصـاد
الأحد
19-2-2012
حتى تـدبّ
الحيـاة في مفاصـله من جـديد المشاريع الإصلاحية المتعثرة في عهدة المستقبل
شكل الفساد الإداري الذي مرت به العديد من
الهيئات والوزارات والمؤسسات الحكومية أحد أهم الأسباب التي أدت لظهور حالة الترهل
والتعثر التي انعكست على مستويات الأداء
في مؤسسات القطاع العام بكافة تفاصيلها ,وقد
بات واضحا لكل متابع لاتجاهات وحركة التطور الاقتصادي في سورية بأن هناك خللاً
كبيراً على مستوى أجهزة الإدارة العامة وقف عائقا أمام إنجاز خطوات ملموسة باتجاه
تحقيق الطموحات الاقتصادية والاجتماعية المستهدفة في البلاد .
وبالتالي ظهرت علامات الترهل والمرض على
الجسد الإداري بكافة أجهزته وأدواته المتاحة وانعكست سلبا على إعداد وتنفيذ الخطط
الاقتصادية ، التي بدت قاصرة عن مواكبة طموحات الناس على مستوى التنفيذ رغم أن
الطاقات والإمكانات المتاحة مناسبة لتحقيق نتائج أفضل بكثير على صعيد الأداء
الاقتصادي .
وفي الوقت الذي بدت فيه مظاهر الخلل واضحة
للجميع وارتفعت الأصوات تنادي بتصحيح المسارات غابت المحاسبة بشكل عام وبات الفساد
حالة شائعة يتسابق إليها كل ضعيف لإرضاء من كان سببا في تقليده المنصب الإداري
الذي يشغله وتحقيق ما يريد دون النظر لمطالب السواد الأعظم الذين تحدثوا ورفعوا
الصوت ، فاستقبلوا بالتهميش والإلغاء وفي كثير من الأحوال بالإبعاد وحتى التسريح
في بعض الحالات وسط غياب واضح لأي معالجات حقيقية وشاملة من قبل الأجهزة القضائية
والرقابية .
هنا قد يطرح سؤال مشروع يقول: ماذا فعلنا
لمواجهة الفساد والترهل الإداري ؟ وهل تأخرنا فعلا في عملية العلاج وما هو البديل
المنطقي؟.
أمام ما تقدم من توصيف كان لابد من التحرك
على كافة المستويات من أجل التدخل السريع لإيجاد الحلول الملائمة والكفيلة بدراسة
وتشخيص المشكلات الإدارية والاقتصادية في سورية .
ولقد كانت البداية لهذا التحرك تقتصر على
بعض الإجراءات المحدودة وغير الكافية لكنها أخذت شكلا أكثر وضوحا مع خطاب القسم
الدستوري بتاريخ 17/7/ 2000 حيث أصبحت مسألة معالجة المشكلات الإدارية
ضرورة لدفع حركة التنمية دون إبطاء ، فقد أكد السيد الرئيس أن قصور الإدارة لدينا
هو من أهم العوائق التي تعترض مسيرة التنمية والبناء التي تؤثر بشكل سلبي في كل القطاعات
دون استثناء ، وعلينا أن نبدأ بالسرعة القصوى بإجراء الدراسات الكفيلة بتغيير هذا
الواقع للأفضل من خلال تطوير الأنظمة الإدارية وهيكلياتها ورفع كفاءة الكوادر
الإدارية والمهنية ، وإنهاء حالة التسيب واللامبالاة والتهرب من أداء الواجب ،
ولابد من محاربة المقصرين والمسيئين والمهملين والمفسدين” .
وفي عام 2002 صدر المرسوم رقم 27 القاضي
بإحداث المعهد الوطني للإدارة كخطوة عملية تأتي في ذات السياق تهدف لإعداد الكوادر
الوطنية إداريا لقيادة المؤسسات بما يخدم المصلحة الوطنية ، ونحن هنا لسنا بصدد
التعليق عن حجم نجاح هذا المعهد ودور خريجيه في تطوير مستويات الأداء الإداري في
سورية أو معرفة لماذا أخفق .
ورغم الإعلان عن خطوة وصفت بالميدانية في
هذا السياق تمثلت بطرح مشروع أولي يهدف لإعداد مشروع أولي لإستراتيجية التنمية
الإدارية في سورية فقد لاحظ المتابعون لمنظومة البرامج الإدارية الحكومية عدم
كفاءتها لتحقيق الأهداف وافتقارها إلى وضوح المنهج الفكري الإصلاحي ، عدا غياب
البنية التنظيمية المختصة بالإصلاح والمهيأة بشرياً ومادياً وتقنياً وسلطوياً
لقيادة برنامج الإصلاح الإداري .
خاصة أن الحكومة اكتفت بتشكيل بعض اللجان
التخصصية لوضع برامج أولية في مجالات التدريب والتأهيل للسلطة القيادية العليا.
إلى جانب اقتراح تشكيل وحدات تنمية إدارية على مستوى الوزارات والمحافظات .
لكن هذا المشروع اصطدم بالكثير من العقبات
منها عدم توفر الدراسات الميدانية عن واقع عمل المنظمات والمؤسسات الحكومية
اعتماداً على قاعدة معرفية نظرية معمقة في الإصلاح ، وعلى بعض التجارب الناجحة في
هذا المجال على المستوى العالمي بما يتماشى مع طبيعة الوضع الاقتصادي والإداري في
سورية . لكن هذا المشروع في المحصلة لم يقر ولم ينفذ من المقترحات الواردة فيه سوى
بعض الدورات المحدودة الخاصة بالقادة الإداريين والمحافظين .
ثم توالت بعض المحاولات الجزئية التي انصبت
باتجاه تحديد شروط ومواصفات شاغلي المواقع المتقدمة في أجهزة الإدارة العامة و
صياغة مشروع للإصلاح الاقتصادي في سورية يعالج المسألة الإدارية في سياق الوضع
الاقتصادي العام بدءا من عام 2002 وما بعد تم عرضه للمناقشة في العديد من
وسائل الإعلام ، وتم تشريحه من قبل الخبراء والأكاديميين وقدمت مقترحات هادفة
للتطوير.
كما تم التعاقد مع فريق خبراء في الإصلاح
الإداري قدم من فرنسا وقدمت له الكثير من التسهيلات لنكتشف بعدها أن هذا الفريق
كان عبئا على عملية الإصلاح ولم يقدم جديدا على مبادرات الفريق الوطني التي لم
يعمل بها سابقا فعاد الفريق إلى بلاده وعدنا للتجريب في نماذج الإصلاح.
وفي محاضرة قدمها الباحث عبد الرحمن تيشوري
تحت عنوان، الإصلاح الإداري المتهالك في سورية، أشار خلالها إلى جانب مهم من جهود
الحكومة تحت ما يسمى: خطط الإصلاح عبر سلسلة طويلة من البرامج القطاعية التي
استهدفت إصلاح القطاع العام وفق أسس جديدة غايتها اختصار بعض الحلقات الإدارية
الوسيطة ، وتعديل العديد من المراسيم والقوانين والأنظمة الهادفة إلى تبسيط
الإجراءات والابتعاد عن الروتين والبيروقراطية ، ومشاريع قوانين لتعديل التشريعات
المالية والضريبية مطروحة من قبل وزارة المالية وتبذل جهود كبيرة من قبل
الأكاديميين والخبراء بهدف تصويبها لتصبح أكثر عدالة وقدرة على استقطاب
الاستثمارات .
وتشكيل هيئة استشارية تتبع لرئاسة مجلس الوزراء
تقوم بإعداد الدراسات وتقديم المقترحات والتوصيات حول مسائل التنمية والإصلاح
الاقتصادي والإداري .
وبرأيه فإن جميع هذه المحاولات لم تكن كافية
لتحقيق الأهداف التي بذلت من أجلها ، لأسباب منها : ضبابية المنهجية الفكرية
للإصلاح الاقتصادي والإداري والاعتماد على بعض الإصلاحات الجزئية التي تأخذ طابعاً
ترقيعياً بعيداً عن تحديد متطلبات الإصلاح الإداري على المستوى الكلي، و عدم وجود
هيكل تنظيمي معني بالإصلاح الإداري حتى الآن تتوفر فيه الكفاءات البشرية المطلوبة
وتهيأ له المستلزمات التي تمكنه من المشاركة بفاعلية في إعداد وقيادة برنامج
الإصلاح الإداري .
عدم إشراك القطاع الخاص كقاعدة عريضة
والمنظمات غير الحكومية في صياغة الخطوط العريضة لبرنامج الإصلاح الإداري .
انتهاج سياسة الإصلاح الإداري البطيئة
والحذرة جداً والخائفة ، حيث لا تراعى أهمية الوقت وهدر الموارد في الوقت الذي
يفضل استخدام أسلوب الصدمة المدروس في إطار ميداني وأكاديمي .
في ضوء ما تقدم يمكن الاستنتاج بأن مشروع
الإصلاح الإداري في سورية لا يزال متعثرا ويحتاج إلى إعادة تفكير من جديد عبر شبكة
واسعة ومتعمقة من الفعاليات السياسية والاقتصادية والإدارية والمجتمعية القادرة
على تحديد الأرضية المناسبة لبناء قاعدة الإصلاح الإداري للارتقاء بالأداء الحكومي
بما يتماشى والتحديات والمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة التي فرضتها
التحولات الراهنة.
ومع ان الجهود لاتزال مستمرة في محاولات
الاصلاح عبر سلسلة طويلة من التجريب يبقى السؤال: هل تدب الحياة في مفاصل الإصلاح
الإداري المترهلة، وهل نستفيد من التجارب ونبدأ عملية الإصلاح الإداري التي تمثل
جسور البناء في عملية الإصلاح المنتظرة لبناء سورية المتجددة؟.
ناصر : يجب أن يكون إصلاحاً في
سلوك الإنسان00 مستمرا وشـاملاً
الدكتور محمد ناصر الأستاذ في كلية الاقتصاد
قال: قبل أن نتحدث عن الإصلاح الإداري من أين يبدأ يجب الحديث عن ماهية الاصلاح
الإداري بشكل عام وما هي أهدفه و مجالات الإصلاح الإداري موضحا أن الإصلاح الإداري
هو عملية سياسية اقتصادية اجتماعية ثقافية ادارية الغاية منها احداث تغيير في سلوك
الأفراد والنظم والاليات والإجراءات وفي الأساليب والأدوات , بهدف تنمية قدرة
الجهاز الإداري وكفاءاته من أجل الوصول الى كفاءة وفعالية عالية موضحا ان هذا
الأمر يتطلب منا أولا وقبل كل شي معرفة ما هو هدف الإصلاح الإداري حيث يجب تحسين
عمل الجهاز الإداري و تحسين الإجراءات خاصة أن إجراءاتنا كلها روتينية معقدة بقدر
كبير والأمر الاخر تحديد النفقات ومكافحة الفساد والى اخر ما هنالك من أهداف
للاصلاح الإداري وأضاف :ومن وجهة نظري أن عملية الإصلاح لا تأتي بالعفوية بل هي
عملية مخططة ومنظمة وهادفة وكاملة وشاملة ومستمرة لأنه ليس بالإمكان إجراء إصلاح
بمؤسسة ما دون القطاع الذي تتبع له , ولا يمكن إجراء إصلاح بقطاع معين دون إجراء
إصلاح إقتصادي بشكل كامل .
وأكد د. ناصر أنه لا بد من الاستمرارية
والشمولية في عملية الاصلاح بالإضافة الى أنه يجب أن يكون مخططا وجماعيا مبينا أن
السيد الرئيس بشار الأسد كانت نظريته تقوم على الشفافية والإصلاح والتطوير غير أنه
للأسف فالحكومات المتعاقبة لم تأخذ بهذه النظرية وكانوا يعتبرونها شعارا ولم
يطبقوا منها أي شي وكانوا يتسترون وراء عملية الإصلاح الإداري مشيرا إلى أنه لا
يمكن لأي شخص في العالم أن يتحدث عن السيد الرئيس إلا ويقول أن فكره متقد ونير غير
أنه لم يطبق بشكل صحيح وجماعي وبالتالي لا بد من التعاون في عملية الإصلاح الإداري
.
وبرأي د.ناصر أن الإصلاح يجب أن يكون إصلاحا
في سلوك الإنسان وأن سلوك الإنسان لن يصلح إلا من خلال إعتبارين هما , اليات
التعيين نظرا لأن التعيين الخاطئ يؤدي الى ممارسات خاطئة,وبالتالي عندما نختار
مدراء ووزراء وإداريين غير أكفاء يؤدي ذلك الى الويلات والأمر الاخر الذي يجب أن
يؤخذ بعين الإعتبار هو المساءلة ,لأن هذا المبدأ ليس مبدأ إنسانيا فقط وإنما مبدأ
كوني وإلهي وبالتالي يجب ان نسأل ونحاسب الناس التي أوصلت الجهاز الإداري والإدارة
الحالية الى حالة مترهلة وغير مبالية وإن الإصلاح لا يتم فقط بالفرد وإنما
بالأفراد والنظم والإجراءات والتشريعات وبالتالي فهو مرتبط بكل هذه الأمور مشيرا
إلى أن الإصلاح لا بد أن يكون شمولياً يبدأ من الفرد الى المؤسسة الى القطاع الى
الإقتصاد الوطني مؤكدا ان الإصلاح الإداري لا يتم بالإملاءات لأنه عندما يوجد
إملاءات وسيطرة لإدارة لجهة معينة على جهة قائمة لن يكون هناك إصلاح وبالتالي يجب
أن يكون الإصلاح متوازنا وحقيقيا وشاملا....
عباس : وضع الرجل المناسـب في المكان
المناسب
من جهته الدكتور حيدر أحمد عباس الأستاذ في
كلية الاقتصاد بجامعة دمشق قدم مقترحا للاصلاح الاداري من خلال تطبيق التقنيات
المعلوماتية حيث قال :إن أهم مفاصل الإصلاح الإداري يكمن في إحسان انتقاء
الإداريين بمعنى وضع الرجل المناسب في المكان المناسب. ونعتبر أن الخطوات
التطبيقية لتحقيق منهجية الاختيار السليم للإداريين تتسلسل وفق الترتيب
التالي:أولا: تحديد المعايير المطلوبة نظريا.