خديعة واشنطن لموسكو والعالم!

خديعة واشنطن لموسكو والعالم!
قالت صحيفة الوطن ، تردد مؤخراً وعلى لسان أحد المعارضين السوريين واحدة من أكثر الجمل سخرية في تاريخ الإعلام العربي وهي: أن «ثمة تبايناً بين قطر والولايات المتحدة الأميركية تجاه الأزمة السورية» مع إدراك صاحب الجملة والصحيفة التي نشرت المقولة ومن قرأها أن حاكم مشيخة قطر لا يخلد إلى النوم قبل أن يستأذن بذلك من الضابط المناوب في أكبر قاعدة عسكرية في الخليج تحتل نصف مساحة إمارته!
لكن اللافت في تلك المقولة، أن المعارض الذي نطق بها والإدارة الأميركية ذاتها يريدان من العالم أن يصدق أن هناك تبايناً في المواقف بين الدوحة وواشنطن.. والمطلوب أيضاً أن نصدق نحن السوريين أن كل ما يقوم به آل ثاني نابع من استقلالية قرارهم الذاتي وثقلهم على الساحة الدولية بحيث لا يوجد دولة في العالم تجرؤ أو قادرة على تغيير موقف الدوحة أو تصرفاتها تجاه ما يجري في سورية خوفاً وارتعاداً من غضب حكام المشيخة وقدراتهم على تهديد الأمن القومي للدول العظمى.
هكذا نسمع ونقرأ، على سبيل المثال لا الحصر، أن وزير خارجية أعظم دولة في العالم جون كيري يدعم الحوار المبني على أساس مقررات مؤتمر جنيف في حين أن وزير خارجية آل ثاني يضغط باتجاه تدخل عسكري دولي في سورية فيرد وزير خارجية بريطانيا السيد هيغ ليقول: إن ما من دولة على سطح الكرة الأرضية ترغب في شن هجوم عسكري على سورية ويجتمع الروس والأميركيون تارة في جنيف وتارة في لندن ليعلنوا معاً أنهم مع الحل السلمي للأزمة، وما إن ينتهي اجتماعهما حتى تخرج علينا «جوقة» بات السوريون معتادين عليها، لتملأ وسائل الإعلام بالحديث عن حل سياسي، في وقت تتكشف فيه يوماً بعد يوم، فضائح تورط واشنطن وجوقتها من الدول «الديمقراطية الحريصة على مكاشفة شعوبها بكل ما تفعله» في إرسال أطنان من السلاح إلى تنظيمات إرهابية مصنفة دولياً، دون أن ننسى طبعاً عبارات السذاجة في التهديد والوعيد عن رفع الحظر على توريد السلاح إلى ما يسمى المعارضة السورية، وما يتزامن معها عن الاكتفاء بتوريد الأسلحة غير الفتاكة التي تسببت حتى الآن بمقتل آلاف السوريين.
واقع الأمر أن واشنطن تحاول أن تخدع العالم وخاصة موسكو والصين وحلفاءهما وكذلك السوريون معارضين وموالاة المتمسكين بالحوار كمخرج للأزمة. فهي من جهة تصرح بأنها مع الحوار ومن جهة ثانية تشرف مباشرة على شحن السلاح من كرواتيا وليبيا ودول أخرى إلى التنظيمات الإرهابية المتطرفة في الداخل السوري وتعترف علناً أنها تدرب مقاتلين في مخيمات بالأردن وتركيا.. ما يترجم عملياً برغبة واشنطن في تجنب الغضب الروسي الذي سيؤثر مباشرة على مصالحها السياسية والاقتصادية في العديد من دول العالم دون أن تتخلى عن مشروعها الأكبر وهو تفتيت المنطقة والمضي نحو الهدف الرئيسي وهو تدمير إيران وقدراتها العسكرية والمدنية مستخدمة عدداً من دول الخليج مطية لها وذلك خدمة للحاكم الفعلي للولايات المتحدة الأميركية أي إسرائيل.
هكذا تمضي الأيام، وسيمضي غيرها وسيبقى الحديث عن حل سياسي في وقت تدمر فيه سورية ويُقتل السوريون ويزداد التوتر في دول الجوار الذي قد يصل إلى مرحلة الانفجار ما لم يدرك العالم خطورة سياسات واشنطن المتهورة.
هكذا ستستمر واشنطن في تسليح جبهة النصرة التي أسستها وتعرف كامل قادتها ومقاتليها وتشرف على تمويلها بالإيعاز لآل سعود وآل ثاني والبعض من رجال أعمال الخليج ومنظماتهم «المدنية والخيرية»، كما تفعل أيضاً مع مجموعات سلفية وأخرى علمانية ولو بنسب أقل، من أجل أن تمنع أي تفوق لمجموعة على الأخرى، في حين سيجول وزير خارجيتها عواصم العالم وهو يزعم أن بلاده تدعم بيان جنيف وأنها جادة في التوصل إلى حل سياسي وستفتح أبواب البيت الأبيض أمام «المعارضين السوريين» للحديث عن حوار لكن حين «تكتمل شروطه»، والشروط كما تراها واشنطن هي حين تفقد سورية كامل مقوماتها كدولة وتخضع لإملاءات الغرب وإسرائيل من خلفه وتتخلى عن حلفائها وتحديداً الروس والإيرانيين والصينيين، وهو الأمر الذي لن يحصل في جميع الحالات وواشنطن تدرك ذلك جيداً.
إن واشنطن تستخدم أسلوب الازدواجية في سياستها تجاه سورية للمد إلى أقصى حد يمكن بلوغه في عمر الأزمة بحيث تجهز على البنية التحتية والهوية والحضارة وعلى الإنسان السوري.
وأمام هذا الواقع السياسي وأمام الحقيقة الراسخة والمثيرة للسخرية بأنه لا يمكن أن يكون هناك تباين في المواقف بين الدوحة وواشنطن بات لزاماً اليوم على كل السوريين من مختلف الاتجاهات الوعي بأنه ما يخوضونه ليس معركة مع أو ضد الحرية، بل معركة من أجل بقاء سورية واستقرار دول المنطقة المقبلة على نهضة اقتصادية استثنائية نتيجة اكتشاف مليارات من الأمتار المكعبة من الغاز في بحر المتوسط.
وحين تكون المعركة من أجل سورية الوطن والشعب، فلا يمكن للمعارضين الحديث عن اكتمال شروط الحوار أو عدمها وخاصة أننا نجهل ما هو شروط ذلك الحوار في الوقت الذي تدعو الدولة السورية وبيان جنيف إلى حوار غير مشروط.
في جميع الأحوال الوقت الآن للجلوس على طاولة الحوار وتقرير مصير وطن ومواطنين، كما هو الوقت أيضاً لرص الصفوف وحمل السلاح والدفاع عن الأرض والهوية فسورية تخوض اليوم أشرس حروبها ليس فقط مع عدو لا يجرؤ على التعريف عن نفسه بل مع مجموعة من الأعداء تختبئ خلف شعارات واهية وتكرس كل ما لديها من إمكانات عسكرية واقتصادية وإعلامية لتدمير سورية الوطن والشعب، فكما هو الوقت للحوار من أجل قطع الطريق أمام تسويف واشنطن وحلفائها فهو أيضاً وقت المقاومة الشعبية للمشروع الأميركي الذي لا يستهدف فئة دون الأخرى بل يستهدف كل السوريين في الداخل والخارج.
هل نغتر أم نبقى نصدق أن ثمة تبايناً في مواقف واشنطن والدوحة، وبين واشنطن وأنقرة، وبين واشنطن والرياض؟
إن الرد الروسي على خداع واشنطن ومعه رد أحرار العالم سيكون له وقع آخر وقد يسمع صداه إقليمياً أو دولياً علماً أن السيناريوهات كافة مطروحة ومنها سيناريوهات الحرب ما لم تعدل الولايات المتحدة من سياساتها التي قد تغرق المنطقة والعالم في ظلام دامس.

» واشنطن لموسكو: اذا استرجع النظام السوري مدينة حلب على ماذا سوف نتفاوض في جنيف 2؟
» هل يمكن لموسكو تحقيق كل رغبات دمشق العسكرية؟
» هل ستوقف زيارة بندر لموسكو القتال في سوريا أم تغذيه؟
» خديعة غربية لروسيا.. والضحية أوكرانيا
» خديعة «داعش»: غواية التجنيد وخرافة الجهاد