الأزمة السورية و الحرب العربية الباردة

الأزمة السورية و الحرب العربية الباردة
الخميس , 7 اذار 2013 - 06:27 الناشر : بانوراما الشرق الاوسط
أحمد الحباسى تونس

بطبيعة الحال كثير منكم لا يتصور أن هناك حربا باردة تدور رحاها منذ سنوات بين الدول العربية ، و كثير منكم يظن أن الحرب الباردة الوحيدة بين أمريكا و الاتحاد السوفياتى السابق قد انتهت بمجرد تفكك الجمهوريات السوفيتية الذي تسببت فيه سياسة ميخاييل قورباتشاف المعروفة بالبرستريويكا ، مع أن الكثير أيضا ما زال على تعنته الجدلي بكون هذه الحرب و لئن انتهت بشكلها القديم فإنها ما زالت متواصلة بين القطبين بأشكال أخرى ، و لكن ما يهمنا في حقيقة الأمر أن الأزمة السورية قد أعادت هذا الصراع الاستراتيجي بين القطبين الكبيرين في العالم و أظهرت أن لغة المصالح الحيوية من شأنها أن تجعلهما يقفان الند للند و يتصارعان على مناطق النفوذ و يتخذان المواقف السياسية الاقتصادية الإستراتيجية المتباعدة المتضاربة.

بمجمل الأحوال فرضت روسيا قواعد اللعبة في الأزمة السورية و جاء استعدادها لدخول حلبة الصراع مع الإدارة الأمريكية بما يشبه العودة إلى أجواء الحرب الباردة ليعطى إشارات واضحة بكونها تملك كثيرا من الأوراق أهمها قدرتها على التعامل مع الملفات الكبرى في المنطقة وهى ملفات النووي الإيراني و الأزمة السورية و البحث عن طريقة واضحة لإخراج المشهد النهائي لصراع في ليبيا فضلا عن مساهمتها الايجابية في إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية ، و يجمع الملاحظون أن الهزيمة الأمريكية في العراق و الهزيمة الإسرائيلية في حربي تموز 2006 و غزة 2008 قد شكلا بداية انحسار القوة و الغطرسة الأمريكية الصهيونية في المنطقة مما أعطى فاعلية أكبر للدور الروسي في المنطقة.

كل هذه التفاصيل المهمة لن تجعلنا نتناسى مناقشة الدور العربي –الخليجي بالتحديد- فيما يحصل في سوريا ، و تسليط الضوء على الحرب الباردة التي تدور في الخفاء بين هذه الدول لاستثمار ما يحدث في دمشق لصالح أغراض معينة ، و لعل الكثيرين يرون اليوم أن دول الخليج بالتحديد تنفذ المشاريع الاستعمارية مما يخلق حالة توجس و قلق بينها و بين بعض الدول العربية الأخرى التي تنظر بعين الريبة لما يتم داخل كواليس الجامعة العربية المختطفة من دولة قطر لغاية إعطاء الغطاء السياسي لبعض المشاريع الصهيونية في المنطقة من بينها محاولة إسقاط النظام السوري لغايات بعيدة كل البعد عن مطالب الشعب السوري الحقيقية وحزب الله بما يمثله من قلعة مقاومة هدمت نظرية الجيش الصهيوني الذي لا يقهر نهاية إلى إدخال القضية الفلسطينية في متاهات الزواريب السياسية لانتزاع مزيد من التنازلات لفائدة الصهيونية العالمية دون مقابل حقيقي على الأرض.

الجامعة العربية هي منطقة الصراع بين الدول العربية و فيها نفهم كل ما يحاك ضد بعض الدول ، بطبيعة الحال لم يعد خافيا أن النظام القطري يرى نفسه المؤهل الأول لقيادة زمرة الدول العربية –الخليجية بالأساس- المنخرطة في المشروع الصهيوني-الأمريكي ، و لذلك هناك محاولات قطرية متواصلة لاستغلال “الغياب” المصري الطويل على الساحة السياسية العربية و حالة “التعب و الإنهاك” السعودي بعد أن أصبح اهتمام الملك و حاشيته الطويلة العريضة منصبا على استمرار النظام و تجنب سقوطه المعلن بفعل الحراك الشعبي المتصاعد المتشبث بالتغيير رغم المعالجة الأمنية القوية التي تواجهه ، و قطر التي تملك المال النفطي و الطموحات السياسية الكبيرة تتلاقى مع الرغبة الصهيونية الأمريكية في إعطاءها الدور الأول و الأساسي في المنطقة حتى تقوم بالأعمال القذرة التي يريد الغرب أن تتم بأياد عربية محضة تجنبا للخسائر البشرية و العسكرية مثلما حصل في العراق ،لذلك نجد أن الجميع يستنكف من هذا الدور المشبوه و يسعى بسرية تامة لإسقاطه بحيث نلاحظ كثيرا من التململ المسرب في بعض الصحف و كثيرا من اللغط حول الدور القطري و يكفى ما صرح به السيد عبد الرحمان شلقم الوزير الليبي السابق و ما جاء على لسان بعض القيادات السياسية العربية الأخرى.

عندما كانت عديد القضايا العربية تتطلب الاهتمام و اتخاذ مواقف حازمة كانت الجامعة العربية شبه مكبلة بالضغوط المصرية السعودية الأردنية ، و لكن عندما طلب من الجامعة توفيــر الغطاء السياسي للتدخل الغربي في ليبيا لإسقاط نظام العقيد القذافى رأينا كيف نزلت قطر بثقلها المالي و السياسي لتدفع بعض المترددين من الدول العربية إلى اتخاذ مواقف موالية للتدخل الغربي حتى لا تطالها عصا الغضب الأمريكي و إغلاق حنفية المساعدات المالية الخليجية ، و عندما جاء الدور على سوريا رأينا كيف تم تجميد عضويتها و اتخاذ العقوبات الاقتصادية ضدها فضلا عن قطع العلاقات الدبلوماسية الكاملة حتى تتم عملية العزل و تسهل عملية الانقضاض الإرهابي المسلح على النظام ، و مع أن الأزمة السورية قد شكلت مناسبة لمزيد التصدع بين الدول العربية و إشعال فتيل الحرب الباردة بين عديد الدول العربية فلا يجب إغفال أن السعودية التي تشعر بكونها معزولة نتيجة الصعود القطري إلى واجهة الأحداث العربية و نتيجة تخبط دبلوماسيتها بين مساندة الربيع العربي أو مواجهة هذا المد الشعبي الذي خرج من القمقم مطالبا بالتغيير و الإصلاح و الحريات تتحرك ببطيء إلى إحباط هذا التمدد القطري و من الممكن أن تضطر للدخول قريبا في معركة كسر العظم مع دويلة قطر المتطاولة على الدور السعودي التاريخي في المنطقة.

أن تقف روسيا و إيران مع سوريا في أزمتها الخانقة دون بقية الدول العربية التي اختارت الصمت و الخنوع أو النأي بالنفس فهذا يمثل لوحده مؤشرا سياسيا واضحا على حالة التخبط و التردي العربية ، و أن يكون هناك صراع بارد منافق بين الدول العربية على كيفية التعامل مع مجريات الأزمة السورية فهذا لوحده يشكل علامة من علامات السقوط العربي التي تجعل البعض يتساءل الآن عن كيفية إعادة رتــق العلاقـــات بينه و بين النظام السوري الذي لــم يسقط رغم الضربات الموجعة التي تلقاها من إخوة الدم .

لقد لاح جليا أن عدم اكتفاء بعض الدول الخليجية – قطر و السعودية تحديدا- بدور سياسي في الأزمة السورية و مرورهما إلى مرحلة التمويل و التسليح و إرسال الجماعات الإرهابية المسلحة إلى الداخل الليبي مع ما تبع ذلك من تدخل مخابراتي لم يعد سرا قد خلق حالة من التململ بين الرافض و الصامت و الموافق بين الدول العربية ولوحظ ذلك في كيفية اتخاذ القرارات و التصويت داخل الجامعة العربية فضلا عن أن حالة النأي بالنفس التي أبتدعها النظام اللبناني قد أعطت الفرصة لتيار 14 آذار بالتدخل العلني في سوريا و هو ما يفسر حالة الغليان و الانقسام الشعبي التي تعيشه لبنان هذه الأيام.

بطبيعة الحال خلق التدخل الخليجي في سوريا حالة من الفوضى الجدلية بين الشيعة و السنة و هناك من يقول أن ما يحدث هو محاولة جر المنطقة إلى حرب بالنيابة بين الطائفتين ساحتها سوريا و هي الحرب التي تخاض في ساحات عربية أخرى بشكل آخر ، و لان البعض يرى إيران في كل مكان فهو مستعد لإشعال المنطقة بحريق مدمر لكل القدرات العربية متناسيا عن سوء نية واضحة أن هذا العمل يخدم المصالح الصهيونية الغربية بحيث نتساءل هل يوجد في العالم العربي من يقدر مدى الخطر الذي تتعرض له الأمة العربية ؟ و هل هناك من يفكر جديا في أن إسرائيل هي من وراء هذا الحريق ؟ .

لقد بات جليا أن الحرب الباردة بين الدول العربية لم تنته برحيل الرئيس جمال عبد الناصر بل أن حرب تموز 2006 و ما حصل إبانها و ما تبعها من حرب كلامية و انقسام بين مؤيد للتدخل الصهيوني لكسر عظم المقاومة و بين رافض لهذا الأمر و مساند للمقاومة قد كانت بداية انطلاق حرب باردة أخرى اشتعل سعيرها حتى جاءت الأزمة السورية لتزيد من صعوبة عملية الفرز بين سياسات الدول العربية بما شكل حالة غير مسبوقة يتم فيها الالتجاء إلى الجامعة العربية لتجميد عضوية دولة مؤسسة لها لإعطاء غطاء سياسي للتدخل الإرهابي لإسقاط النظام ، و لعل الأيام القريبة خاصة مع بداية اقتناع الإدارة الأمريكية بعدم إمكانية إسقاط النظام السوري ستقدم أجوبة كثيرة على مدى الضرر الذي لحق بالعلاقات العربية نتيجة التدخل السعودي القطري في هذه الأزمة فضلا عن كونه من المتوقع أن تكون لهذا التدخل ارتدادات مرعبة كثيرة على الداخل السعودي القطري لان عبارة “لن ننسى” التي تتردد بكثرة في وسائل الإعلام السورية تعبيرا على وجدان القيادة و الشعب السوري هي رسالة مختصرة واضحة المعنى لمن يفهم .

» محاولة اغتيال بوتين.. عودة الحرب الباردة؟
» العالم يعود إلى الحرب الباردة وفق السمات التالية
» بوتين ينتصر في الحرب الباردة الجديدة
» الروسي يعلن بدء الحرب الباردة مع الأمريكي
» مدرسة الحرب السورية.. هذا ما فعله الجيش منذ بداية الأزمة !