البرنامج "الحريري" لإعادة سورية إلى ما قبل العصر الصناعي!

البرنامج "الحريري" لإعادة سورية إلى ما قبل العصر الصناعي!

نكبت الصناعة "الوطنية" السورية أول أمس بكارثة جديدة تضاف إلى سجل الكوارث الذي بدأ يلحق بها على أيدي "الثوار المدنيين" ، ثم المسلحين العملاء، منذ الساعات الأولى للانتفاضة السورية. فقد استهدف "لواء الفرقان"، المقرب من "جبهة النصرة" ، معمل شركة "نسلة" في ريف دمشق الجنوبي، وهو الوحيد في سوريا، والرابع من نوعه في الشرق الأوسط بعد الإيراني والمصري والسعودي، بخمس قذائف هاون كانت كافية لحرقه وإخراجه من قطاع الصناعة التحويلية والغذائية في سوريا نهائيا.

لم نكن، ولن نكون، من المعجبين بالاستثمارات الأجنبية في سورية ، أيا كان مجال استثمارها، حتى وإن كان في مجال الصناعة الثقيلة، فكم بالأولى إذا كانت في مجال الصناعات التحويلية الخفيفة !؟ فالاستثمارات الأجنبية، سواء منها المباشرة أو غير المباشرة، هي إحدى القنوات الأساسية للنهب الذي تمارسه الشركات متعددة الجنسية ، والأجنبية عموما، من خلال تحويل الفائض الاقتصادي وفائض القيمة المنتجة محليا (الأرباح الصافية) إلى الخارج، وبالتالي استنزاف موارد البلاد ومنع استخدام هذا الفائض في التراكم الموسع ، سواء أكان الابتدائي منه أو المكثف.

إلا أن هذا لا يعني بحال من الأحوال الترحيب باستهداف الصناعات المحلية القائمة على الاستثمارات الأجنبية، حتى وإن كانت تخص شركة "نسلة" ذات التاريخ الإجرامي في مختلف أنحاء العالم . ويصبح موقفنا هذا أكثر تحفظا وأشد تنديدا حين يتعلق الأمر بالصناعات التي تعتمد على الأيدي العاملة و المدخلات المحلية في عملية الإنتاج، كما هي حال المصنع الذي جرى حرقه. فهو يشغّل مئات العائلات ، ويستخدم المنتجات الحيوانية والزراعية المحلية(حليب الأبقار والقمح القاسي) في مجمل منتجاته الصناعية.

عندما تحدثت السلطة ، خلال الأسابيع الأولى من الأزمة، عن حرق وتخريب الدوائر الحكومية في درعا ، ثم في أماكن أخرى، لم يكن أحد يصدقها ، بمن في ذلك نحن. وكان الانطباع العام ـ وهذا ما قيل صراحة ـ هو أن السلطة تريد"تشويه سمعة الثوار". وظل الأمر يتردد على هذا النحو حتى أوائل العام الماضي حين جرى تفجير أنابيب النفط في منطقة "بابا عمر"، الذي تبين لاحقا بالوثائق أن من فّجره هو مراسل "الجزيرة" المجرم خالد أبو صلاح ، تحت إشراف فريق قناة"سي إن إن" ومراسلتها القذرة "أروى دامون"(المنحدرة من أم سورية دمشقية أصلا!)، لا لشيء إلا لتصوير التفجير واتهام السلطة به!

لم يدم الأمر طويلا حتى بات "الثوار" أنفسهم يتبجحون باستهداف المصانع والبنى التحتية ، العامة منها والخاصة على السواء، تارة بدعوى مساهمتها في تمويل "الشبيحة" وتقليص موارد النظام، وتارة أخرى بهدف معاقبة الصناعيين الذين رفضوا "الانشقاق"، حين يكون الهدف معملا أو منشأة خاصة، لاسيما في حلب. ومع بداية صيف العام الماضي بدأ الأمر يتحول إلى نوع من سياسة "الأرض المحروقة". فالتخريب والتفجير بدأ يستهدف كل شيء : أنابيب النفط، السكك الحديدية؛ خطوط وأعمدة نقل التوتر العالي الكهربائي الذي يزود المدن بالكهرباء من محطات التوليد، السدود المائية والكهرمائية؛ صوامع الحبوب؛ المدارس التي لا يزال أكثر من 200 منها تحت احتلال المسلحين الذين حولوها إلى ثكنات عسكرية وسجون و"محاكم شرعية"؛ المشافي التي جرى تفجير بعضها (مثل مشفى "القصير" الوطني و مشفيي "الحياة" و"الفرنسي" في حلب ) واحتلال بعضها الآخر مثل مجمع المشافي الوطنية في "قاضي عسكر" في حلب ، من قبل "جبهة النصرة"، التي حولت مشفييه ( الوطني والعيون) إلى "محكمة شرعية" و"سجن" ومقر لـ"رئاسة أركانها" في المنطقة الشمالية؛ وغيرها الكثير والأكثر من أن يعد أو يحصى!

الذروة الدراماتيكية في هذا الأسلوب "التيمورلنكي" و"الهولاكي" من التخريب والتدمير ، كانت مع دخول تركيا و"الأخوان المسلمين" رسميا على الخط ، وعدم بقاء الأمر محصورا بالمجموعات المسلحة المحلية من عصابات "الجيش السوري ـ الإسرائيلي الحر". فقد أثبتت التحقيقات أن "لص حلب"، وهي التسمية التي أطلقها رئيس اتحاد غرف الصناعة في سوريا فارس الشهابي على رئيس الوزراء التركي، باشر مع الأخوان المسلمين ("لواء التوحيد"، "صقور الشمال"..إلخ) عملية تفكيك ممنهجة للمعامل والمصانع في حلب والمنطقة الشمالية عموما، ونقلها إلى تركيا. وقد بلغ عدد المصانع والمعامل المفككة والمسروقة ، ما بين كبيرة ومتوسطة وصغيرة، أكثر من ألف منشأة حتى الآن. وهو أمر لا سابق له في تاريخ النهب الذي يمارسه الغزاة، ولا يشبهه إلا ما قام به هتلر وجيوشه النازية في أوكرانيا وبولندة وفرنسا ، وما قامت به الفاشية اليابانية في الصين، خلال العرب العالمية الثانية!

أصبح واضحا الآن للرأي العام ، في معظمه، أن الغاية الأساسية من عمليات التخريب تلك هو تفكيك الدولة السورية وتدميرها وإرجاعها إلى ما قبل "العصر الصناعي". وقد قيل الكثير حتى الآن في هذا الأمر، إلا أن إحدى الغايات الأساسية من هذا الإجرام الهولاكي غابت عن أذهان الجميع، ولم تحظ بأي انتباه، وهي إعادة إنتاج ما فعله رفيق الحريري في بيروت خلال الحرب الأهلية، ولكن على نطاق أوسع وأكثر هولا بكثير، عموديا وأفقيا!

إن المعلومات المتوفرة تشير على نحو واضح إلى أن مخططات التفجير والتدمير والسرقة يجري وضعها من قبل "شبكة رجال أعمال" سوريين وعرب مرتبطين بجماعة "الأخوان المسلمين" والسعودية وتركيا، وبـ"المجلس الوطني السوري" على وجه الخصوص، باعتباره "الممثل السياسي" لهذه الطبقة من رجال الأعمال العملاء والمأجورين. وثمة أدلة على أن عشرات الأوامر التي تضمنت استهداف المنشآت صيغت في تلك الأوساط وخرجت منها. أما الغاية الأساسية من إعادة سوريا إلى ما قبل العصر الصناعي وتحويلها إلى عصف مأكول، فهي ـ إلى جانب الغايات المباشرة والراهنة الأخرى التي ذكرت ـ تحويلها إلى مجال مفتوح لاستثمارات هؤلاء ومن يقف وراءهم في مرحلة "إعادة البناء والإعمار" بعد سقوط النظام. وهذا ما أسميناه بـ"البرنامج الحريري".

يشير السفير اللبناني الأسبق في واشنطن ، عبد الله بوحبيب، في كتابه "الضوء الأميركي الأصفر"، وهو كتاب مليء بالأسرار عن تلك الفترة جمعها من خلال عمله الديبلوماسي ومن خلال علاقة الصداقة الشخصية التي ربطته برفيق الحريري، إلى أن هذا الأخير كان يمول المسلحين والميليشيات على طرفي "خط التماس" في بيروت ويطلب منهم تدمير وسط بيروت التجاري بالمدافع والراجمات. وفي العام 2008 أجرى نزار نيوف مقابلة شهيرة في أربع حلقات ، مع المسؤول الأمني السابق في "القوات اللبنانية"، روبير حاتم(كوبرا)، كشف فيها هذا الأخير كيف كان يتسلم الأموال السائلة (نقدا) من رفيق الحريري ليسلمها لزعماء الميليشيات من أجل هذا الغرض، بعد أن يكون جرى وضعها في علب أشرطة فديو فارغة لنقلها إلى لبنان! وقبل ذلك بسنوات ، كان السياسي اللبناني النزيه والشريف ، نجاح واكيم ، كشف في كتابه الوثائقي المذهل،"الأيادي السود"، كيف قام رفيق الحريري العام 1983 بزيارة الرئيس أمين الجميل في قصر بعبدا ، حاملا معه مجسما ضخما لوسط بيروت التجاري في سيارة بيك ـ آب شاحنة ، ليريه كيف يريد أن يصنع من بيروت بعد توقف الحرب، أي بعد أن تكون ميليشياته قد دمرت وسطها التجاري كاملا!

بعد إبرام اتفاق الطائف، الذي كان اتفاقا بين أمراء الحرب وزعماء الميليشات والعصابات ومموليها، سيكتشف العالم سر إصرار رفيق الحريري على تدمير وسط بيروت خلال الحرب الأهلية. ولم يكن ذلك إلا من أجل إنشاء شركة"سوليدير" التي نهبت ممتلكات مئات العائلات اللبنانية وشردتهم، فضلا عن القضاء على التراث العمراني لبيروت، وهي الجريمة المافيوية الكبرى التي يصفها على نحو مبدع وأخاذ ، بعين المثقف والمؤرخ والمناضل، رفيقنا الشهيد سمير قصير في كتابه"تاريخ بيروت".

ذلك هو البرنامج "الحريري" الجاري تنفيذه الآن لإعادة سوريا إلى ما قبل العصر الصناعي، دون الحاجة إلى صواريخ "توما هوك" الأميركية التي دمرت بغداد؛ فـ"توما هوك" فاروق طيفور وأردوغان، ومعهما "ملك مدن الملح" ابن سعود والشخبوط القطري،كفيلة بإنجاز المهمة على أكمل وجه!

» هكذا ارادوا توريط سورية بمقتل الحريري ...خفايا التحقيق مع الوزير سماحة في الغرفة المظلمة وسعد الحريري ينتظر
» فضيحة العصر وسرقة عاصمة لبنان بيروت بأرخص الأثمان / الحريري والمصارف الكبرى والاوقاف تتقاسم سوليدير ارضاً وبناء وارباحاً / الشركة «اكلت» البحر والحكومة الحريرية اعفتها من الضرائب والرسوم
» مفاصل الخطة السعودية لإعادة «التوازن» في سورية
» إمرأه كردية سورية في مواجهة جواسيس العصر!!
» اسرائل تستغل المؤامرة على سورية لإعادة تشكيل ميزان القوى