دولة للمجانين و...الموتى

دولة للمجانين و...الموتى

يشكو سفير عربي من التشتت الاميركي في مقاربة الملف السوري. يقول يائساً «قد يجعلونك تشعر بأن لعبة الازمات جزء من الايقاع الفلسفي لاستراتيجية الولايات المتحدة، او انهم باتوا عاجزين، فعلاً، عن القيام بأي شيء لتفكيك اي من الازمات التي كما القضاء و القدر تستوطن المنطقة».
يرى ان الارتباك الذي تظهره ادارة الرئيس باراك اوباما احدث شكلاً من اشكال الاضطراب في المواقف العربية حيال طريقة ازاحة النظام السوري، حتى ان تركيا التي كانت قد اعدت العدة لتنفيذ عملية جراحية صاعقة، وبالتنسيق الاستخباراتي، وربما العملاني، مع واشنطن، فوجئت بأن هذه تتريث او تتردد بصورة تثير التساؤلات إن لم يكن الشبهات، «حتى انني شخصياً سألت موظفاً كبيراً في الخارجية الاميركية ما اذا كانت الولايات المتحدة تزمع الانسحاب التدريجي من الشرق الاوسط، كان جوابه سؤلاً مقابلاً: وهل تتصور ان باستطاعتنا الانسحاب من كاليفورنيا مثلاً؟».
نقول للسفير بأن علينا ان ندرك ما هي اميركا. اميركا ما بعد يالطا، وغروب الامبراطوريات الاوروبية، فقد دخلت الى شبه الجزيرة الكورية وجعلت منها دولتين، وكادت ان تكرر التجربة نفسها في الهند الصينية، وبالفعل كانت هناك فيتنام الشمالية وفيتنام الجنوبية. لكن «هو شي منه» الذي وصفه بابلو نيرودا بأنه يشبه زهرة الغوغانا التي تنبت على ضفاف الميكونغ كان ابرع من كيم ايل سونغ، بقامته الحديدية. لم يقبل بالتجزئة وظل رفاقه يقاتلون حتى سقط حائط الموت بين سايغون وهانوي...
ثم ماذا فعل الاميركيون في كوبا وفي افغانستان وفي الصومال وفي العراق؟ تكفي العودة الى افلام الويسترن ليتبين ماذا يفعل رعاة البقر عندما يدخلون بكل صخبهم الى احدى الحانات الخشبية، وان كان هناك وجه آخر لاميركا يبدأ مع مارلين مونرو وينتهي مع الكوكا كولا، مروراً بالفاست فود والشبكة العنكبوتية. ماذا عن الروك اندرول وسراويل الجينز؟...
السفير المفتون جداً بالعبقرية الاميركية يبدو الآن ضائعاً بسبب السياسات الاميركية. يضحك عندما نستعيد امامه ما قاله بيسمارك من «ان الله مع السذج والسكارى واميركا»، يسأل «ولكن هل ان اميركا مع الله؟».
يصل الى حد القول «لو كانت كذلك لتدخلت عسكرياً في سوريا، فأي احمق ذاك الذي يتصور ان باستطاعة الروس التوصل الى تسوية هناك؟». ولا يلبث ان يقرّ بأن الاتصالات والمشاورات التي جرت لا تزال قاصرة عن بلورة صيغة ما للحل، اذ بعد اشهر من اندلاع الازمة، وانتفاء امكانية التدخل الخارجي، كان هناك من يتحدث عن حل لبناني للازمة، ثم جرى الحديث عن حل عراقي، قبل ان يتبين، من سياق الاحداث، ان النظام في لبنان مشرّع دوماً على الازمات وعلى الاحتمالات، وان النظام في العراق آيل، حتماً، الى التفكك او الى الانفجار.
السفير يكشف عن قناعة لدى الدول المعنية بالازمة ان من العبث الرهان على الاطراف السورية إن في صياغة الحل او في تنفيذ حل تتم بلورته عبر الحوار الذي يجري برعاية دولية، وعلى اساس نشر قوات دولية يشارك فيها الروس والصينيون، ففي لبنان هناك جنود هنود، لماذا لا يكون الصينيون في سوريا؟...
السفير الذي يعتبر ان تسوية في ظل بقاء الرئيس بشار الاسد اكثر من مستحيلة. يؤكد ان دولاً عربية ابلغت واشنطن بذلك، ودون ان يكون ضرورياً البحث في الصيغة البديلة للنظام قبل سقوط النظام الحالي، فعندما يرحل الاسد ينشأ واقع اخر ينتج دينامياته الخاصة، وكذلك مفاهيمه الخاصة، وان قال ان « المناخ» اسلامي في سوريا، لا بل يقول انه «مناخ اسلامي جداً» وهذا امر طبيعي...
ماذا عن الاقليات؟ هناك رفض قاطع للدولة المركبة او للدولة الفديرالية، والسفير واثق من عدم امكانية قيام دويلات علوية او درزية او كردية في سوريا بوجود اكثرية ساحقة تحظى بدعم مباشر من الجار التركي الذي تمتد حدوده مع سوريا لنحو 822 كيلو متراً، وهذه الاكثرية لها امتداداتها المباشرة في لبنان والعراق وفي الاردن بطبيعة الحال...
لا كلام عن «جبهة النصرة» التي يعتبر ان بالامكان دمجها في تركيبة السلطة، ليشير الى ان معظم مقاتلي الجبهة هم من خارج الحدود، حتى اذا ما تداعى النظام عاد «المجاهدون» الى بلادهم، اما السوريون من اعضاء الجبهة فهم ابناء البيئة السورية، وليس صحيحاً ان ابو محمد الجولاني سيصبح، وعلى الطريقة الافغانية، الملاّ ابو محمد، والذين التقوه يقولون انه رجل صلب جدا على الارض، لكنه لا يمكن ان يفكر بمحاولة الاستيلاء على السلطة او الاستئثار بها، فسوريا ليست افغانستان، وهي لن تكون الصومال...
ونسأل السفير ما اذا كانت سوريا ستكون سوريا، فالثابت ان الدفع كله الآن باتجاه ازالة النظام او انهاكه الى الحد الذي يجعله يفاوض على ممر آمن للفرار، بيد ان اللعبة تبدو اكبر بكثير من احمد معاذ الخطيب ومن جورج صبرا ومحمد رياض الشقفة. بطبيعة الحال اكبر من الدول العربية التي تشكو من التلكؤ الاميركي، وغدا قد تشكو من الخيانة الاميركية...
اي نظام بديل في سوريا. سيرغي لافروف قال للذين وضعوا امام ناظريهم هدفا واحدا هو اسقاط بشار الاسد، ودون اي نظرة الى الافق « هل تريدون دولة للمجانين و... الموتى؟».

» نزلاء فندق يشربون مياه الموتى
» طلال سلمان: العرب.. من حلم دولة واحدة إلى كابوس «دولة داعش»
» دولة الكل دولة الجميع
» هل تيار المستقبل هو دولة؟
» هل تتمدد دولة البغدادي إلى مصر؟