البابا بنديكتوس يُغادر اليوم بسلام والمجمع المغلق

البابا بنديكتوس يُغادر اليوم بسلام والمجمع المغلق

ينعقد في منتصف آذار لانتخاب «البابا الجديد»

يدخل الفاتيكان السادسة من مساء اليوم الخميس بتوقيت روما فترة «الكرسي البابوي الشاغر»، بعد استقالة البابا بنديكتوس السادس عشر ودخولها حيّز التنفيذ بعد لقاء البابا الكرادلة بعد الظهر لوداعهم ثمّ مغادرته كرسي بطرس بسلام بخطوات ثقيلة إنّما واثقة. وينتقل قداسة الحبر الأعظم، الذي تخلّى عن المنصب الديني الأول في العالم، على متن مروحية الى المقرّ البابوي الصيفي في كاستل غوندولفو حيث قرّر قداسته عدم العودة الى حياته الخاصة الطبيعية، بل الاستمرار في حبّ الكنيسة وخدمتها بالتأمّل والصلاة والتعبّد بالإخلاص والوفاء نفسيهما اللذين خدم بهما خلال حبريته التي دامت ثماني سنوات (وتحديداً 2873 يوماً أي سبع سنوات وعشرة أشهر وعشرة أيام منذ انتخابه في 19 نيسان عام 2005).
هذه الخطوة التي صدمت المؤمنين في العالم فور اتخاذها من قبل قداسته، وُصفت فيما بعد بالخطوة الشجاعة والجريئة التي تنمّ عن مسؤولية عالية في التخلّي عن أهمّ منصب في العالم نظراً لكبره في السنّ وضعف جسده، في سبيل أن تبقى الكنيسة حيّة وشابّة، على ما يشدّد قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر دائماً في خطاباته الرسولية.
وبعد إتمام استقالة البابا مباشرة سيصبح لقبه «البابا الفخري»، وتدخل الكنيسة الكاثوليكية في مرحلة شغور الكرسي البابوي، وخلال هذه الفترة الانتقالية سيصبح وزير دولة الفاتيكان تارتشيتسيو بيرتوني المسؤول عن الفاتيكان. وفي منتصف آذار المقبل، سيأتي الكرادلة من كلّ أنحاء العالم لعقد المجمع الإنتخابي المغلق (كونكلاف باللاتينية)، على أمل أن يحصل انتخاب البابا الجديد للكنيسة قبل عيد الفصح أي قبل 31 منه.
عن هذا الانتخاب يقول مصدر كنسي إنّ «117 كاردينالاً مدعوون اليوم لانتخاب خليفة بطرس الجديد بدلاً من 118 لأنّ أحد الكرادلة وهو ألماني الجنسية يبلغ سنّ الثمانين عاماً بعد 5 آذار المقبل. ومن المعلوم أنّ الكرادلة الذين يفوق عمرهم السن القانوني المحدّد في القانون الكنسي (80 عاماً) يعتبرون «غير ناخبين» وهم بالتالي لا يشاركون في المجمع. وقد يعمد عدد من الكرادلة ومنهم الاندونيسي يوليوس ريادي درماتمجا (78 عاماً) الى اعلان انسحابه لأسباب صحية. وبحسب قرار البابا بنديكتوس فإنّ الكرسي الرسولي يشغر الثامنة من مساء اليوم، ولهذا سوف تبدأ عملية انتخاب خليفته من خلال انعقاد المجمع المُغلق في الـ «كابيللا سيستينا» الشهيرة حيث يجتمع الكرادلة الذين يحقّ لهم الانتخاب، وتُغلق الأبواب والنوافذ وينقطعون عن العالم الخارجي، فيُقسمون اليمين على الإنجيل المفتوح، بأنّ كلّ منهم سيصوّت للشخص الذي يوحي له ضميره والروح القدس بأنّه الأكثر كفاءة لخدمة الكنيسة وليكون خليفة القديس بطرس على الأرض ورأس الكنيسة الكاثوليكية. علماً أنّ الكرادلة سوف يقيمون في المبنى الذي بناه البابا الطوباوي يوحنا بولس الثاني ويحتوي على 120 غرفة يسكنها حالياً موظّفو أمانة سرّ الدولة، وسوف يتمّ إخلاؤها عند وصول الكرادلة من الخارج».
ولفت الى أنّ طريقة «المجمع المغلق» قد نشأت لحثّ الكرادلة على الإسراع في مهمتهم ومنعاً لإطالة فترة شغور الكرسي الرسولي وما يُرافق ذلك من نشوء خصومات ومنافسات وتضعضع في الأجهزة الإدارية وفقدان الثقة. ومن المفترض، أن يُحاط المجمع بسريّة كاملة، فلا يشترك به أحد سوى الكرادلة الناخبين وبعض الأطباء والمعاونين. ويمنع على الكرادلة الاتصال بالعالم الخارجي خلال انعقاد المجمع ويتلو جميع الحاضرين قسماً بهذا الخصوص، بيد أن ذلك لم يمنع من ظهور تقارير وتكهنات حول المجامع المتتابعة وأحداثها، علمًا أنه من حقالكرسي الرسولي إماطة اللثام عن بعض أحداثها.
أمّا التصويت فيحصل من خلال تدوين إسم المنتخب على ورقة اقتراع من دون أن يكون هناك مرشحين، ويبقى متواصلاً على جلسات عدّة وقد يستمرّ لأيام، الى أن ينال أحد الكرادلة ثلثي الأصوات أي 78 صوتاً، وفي كلّ عملية تصويت تُجمع الأوراق وتُحرق مع مادة تجعل دخانها المتصاعد من المدخنة المشرفة على الجموع الغفيرة الموجودة في ساحة القديس بطرس أسود اللون في حال لم يحصل أي كاردينال على غالبية الثلثين. أمّا عندما ينال أحد أعضاء المجمع ثلثي الأصوات فتوضع مادة أخرى مع الأوراق المحروقة فيصعد الدخان الأبيض كإشارة لانتهاء المجمع، فيخرج عميد الكرادلة ليُعلن للشعب من على شرفة بازيليك القدّيس بطرس «إنّي أبشّركم بفرح عظيم، لقد أصبح لدينا بابا»، فيذكر إسمه ويقدّمه للمؤمنين.
ويضيف المصدر أنّ الكرادلة غالباً ما يعرفون بعضهم البعض، وغالباً ما يتمّ انتخاب أحدهم من خلال سيرته وطريقة تأديته لخدمته الكهنوتية والدينية ولسعة معرفته واطلاعه على مشاكل الكنيسة الجامعة، إضافة الى ثقافته وإتقانه للغات عدّة، كما أنّ جنسيته والقارة التي ينتمي اليها تؤخذان بالإعتبار.
ويؤكّد بأنّه من غير الممكن توقّع إسم البابا الجديد لا سيما وأنّه يأتي بحسب إلهام الروح القدس، فعندما انتخب كارول فويتيلا (كان مطراناً في بولونيا في الـ 58 من العمر) وأصبح البابا يوحنا بولس الثاني لم يكن أحد ينتظر انتخابه من بلد فقير يعيش في ظلّ الحكم الشيوعي، غير أنّ التوجّه كان نحو بابا شاب، مرن يتقن اللغات. كذلك الأمر بالنسبة ليوحنا بولس الأول الذي عاش 33 يوماً بعد تسلّمه المهام البابوية إلاّ أنّه أنجز أموراً عدّة في الكنيسة خلال هذه الفترة القصيرة. لكن يمكن القول بأنّ كلّ قارة تتمنّى أن يكون البابا الجديد أحد كرادلتها، كما يتمنّى اللبنانيون انتخاب الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي يمثّل الكنائس المشرقية - حيث وُلد أول بابا في التاريخ يسوع المسيح، ثمّ خليفته بطرس- باباً للكنيسة لما يتمتّع به من خبرة واسعة وثقافة عامة وإتقان للغات وإلمام بشؤون لبنان ومنطقة الشرق الأوسط إضافة الى المشاكل والصعوبات في أنحاء العالم.
وبحسب معلوماته، إنّ غالبية الكرادلة الناخبين هم من الأميركيتين الشمالية واللاتينية حيث الثقل المسيحي ولم ينتخب بعد أي بابا من أميركا اللاتينية في التاريخ، كما من أفريقيا، إضافة الى الناخبين الأوروبيين لا سيما من إيطاليا حيث يأمل الإيطاليون أن يُنتخب أحد كرادلتهم بابا بعد مرور فترة من الزمن على عدم انتخاب بابا إيطالي الجنسية. أمّا الأصغر سنّاً بين الكرادلة اليوم فهو الكاردينال الهندي باسيليوس كليميس (54 عاماً)، والكاردينال الراعي يحمل الرقم 59 في الجدول المتسلسل للكرادلة بحسب العمر من الأصغر الى الأكبر سنّاً، أي أنّه في سنّ وسطي يتناسب مع منصب البابا.
علماً أنّه يجري التداول حالياً بأسماء عدّة لخلافة البابا مثل أسقف ميلانو أنجيلو سكولا، والفليبيني مانيلا لويس أنطونيو تاغل (55 عاماً)، والأرجنتيني من أصل إيطالي ليوناردو ساندري (يرأس حالياً إدارة الكنائس الشرقية في الفاتيكان)، وساو باولو كلاوديو أومس أو كبير الأساقفة في البرازيل أوديلو شيرر، ومن نيويورك تيموثي دولان، والكندي مارك أوليه، والغاني بيتر تيركسون (يرأس حالياً إدارة العدل والسلام في الفاتيكان).
وشدّد المصدر الكنسي في المقابل، على عدم وجود أي تأثير سياسي أو ضغوطات تمارس على الكرادلة خلال عملية الانتخاب بل هم يصلّون ويستدعون الروح القدس ليبدأوا بعد ذلك عملية الانتخاب وفرز الأصوات بسريّة مطلقة.
وإذ أكّد البابا بنديكتوس السادس عشر أنّ أسباب استقالته تعود إلى تقدمه في السن ولا علاقة لها بمشاكل صحية أو بفضائح سابقة حدثت خلال فترة ولايته، كما شدّد الفاتيكان بالتالي أن لا علاقة لها أيضاً بالوثيقة التي تحدّثت عن مؤامرة لاغتيال قداسته في غضون اثني عشر شهراً من العاشر من شباط الماضي، قال المصدر الكنسي: «إنّ الفضائح موجودة في مجتمعاتنا أينما كان، وأكثر بكثير من وجودها داخل الكنيسة الكاثوليكية، وقد تمكّن قداسة البابا من معالجتها بالكثير من الجرأة والوضوح، وأخذ مواقف يُشكر عليها إذ عرّى القائمين بهذه الفضائح من جنسية وأخرى من الأسقفية، وحتى من الكهنوت، مانحاً إيّاهم الأمل للتوبة والتغيير، وطالب بمعاقبة المسؤولين عن هذه الأعمال. أمّا عندما شرح البابا أسباب استقالته، وهو رأس الكنيسة، علينا الأخذ بهذه الأسباب وتقدير خطوته الجريئة التي قام بها».
وفيما يتعلّق بمحبة اللبنانيين لهذا البابا العظيم، فهم بحسب المصدر، لن ينسوا دعوته لانعقاد سينودوس خاص بالشرق الأوسط، ثمّ زيارته التاريخية له في أيلول من العام الماضي، وقد جاء شخصياً لتوقيع الإرشاد الرسولي، ولا تلك العاطفة التي خصّهم بها من خلال رفع البطريرك الراعي الى رتبة كاردينال خلال حبريته بلفتة خاصة من قداسته الى مسيحيي لبنان.
يُذكر أنّ البابا بولس السادس أقرّ في 11 شباط 1965 إمكانية انضمام البطاركة الشرقيين إلى مجمع الكرادلة، وفي 21 تشرين الثاني لعام 1970 أقر البابا نفسه عمر 80 سنة كحد أقصى لخدمة الكرادلة في الدوائر الرومانية ومنظمات الكرسي الرسولي ودولة الفاتيكان، كما يفقدون الحق في التصويت لاختيار البابا والاشتراك في الاجتماع المغلق لاختيار البابا. وفي 5 تشرين الثاني عام 1973 رفع البابا بولس السادس عدد الكرادلة الذين يحق لهم انتخاب البابا إلى 120 كاردينالاً من جميع قارات العالم، وقد أكّد البابا يوحنا بولس الثاني هذا القرار في الوثيقة حول الكرادلة التي نشرت في 22 شباط 1996.

» من سيخلف البابا بنديكتوس بعد تنحيه؟ وكيف يتم انتخابه؟
» الفاتيكان : البابا يرسل وفدا الى دمشق
» الأم أغنيس:هذا سرّ أيقونة قداسة البابا..البابا قام بإنزال الأيقونة العجائبية من أجل سورية
» الملك عبدالله على خطى بنديكتوس
» البابا فرنسيس: أريد كنيسة فقيرة للفقراء