ثورة الموظفين - غالب قنديل

ثورة الموظفين - غالب قنديل

تحولت هيئة التنسيق النقابية إلى قوة حاضرة في يوميات اللبنانيين التي تعيش صخب السجالات و الجدل المستمر في قانون الانتخاب بينما ترتفع الشكاوى من المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و من تردي الخدمات و يغلب الهاجس الأمني و الخوف من انتشار جماعات التكفير و من مجاهرتها بحمل السلاح في ظل ضعف السلطة السياسية و ركاكة ادائها ، و قد أثارت الهيئة الاحترام و الاهتمام بخروجها عن الطابع الاستعراضي للتحركات النقابية التي راوحت في قشرة المشكلة الاجتماعية منذ مطلع التسعينيات و بعد انتهاء الحرب الأهلية .
اولا إن أسلوب المراوغة و التحايل في التعامل مع ملف السلسلة الجديدة للرتب و الرواتب الخاصة بالمعلمين و بموظفي القطاع العام بلغ الطريق المسدود و هو غير حكيم مطلقا و ذريعة انتظار تأمين الموارد لتمويل السلسلة الجديدة التي نالت موافقة مجلس الوزراء مبدئيا لا تبرر التأخير في إحالة السلسلة كاملة إلى المجلس النيابي و هي مردود عليها لأنه بإمكان الحكومة ان تخصص جلسة مفتوحة لمناقشة الأمر و إحالة السلسلة و معها مشاريع القوانين المطلوبة لتمويلها و في جانب مما هو مقترح و متداول تعود تلك المقترحات بفوائد على الطبقة الرأسمالية العقارية و المصرفية التي تتحكم مصالحها بسياسات لبنان الاقتصادية و المالية منذ عقود طويلة و ما تزال هذه الحقيقة صامدة و مستمرة بغض النظر عن مضمون التغييرات السياسية الحاصلة في مضمون تشكيل الحكومات و الكتل السياسية و البرلمانية الفاعلة .
لن يكون اعتماد السلسلة ثورة على النظام بل هو مجرد تصحيح اوضاع لترميم مداخيل فئة اجتماعية لا يستهان بوزنها هي الموظفون و المعلمون و الأساتذة الجامعيون و حتى الساعة ليس معلوما إن كانت الحكومة سوف تقبل مطلب تسوية الأوضاع الشاذة في الإدارة اللبنانية و إتاحة انتظامها في السياق العام لتطبيق السلسلة الجديدة فتلك الأوضاع ناجمة عن باب التنفيعات السياسية الواسع في هياكل الإدارة اللبنانية و قد فاقمتها الحريرية عامدة متعمدة منذ انطلاق مسيرتها بعد الطائف .
ثانيا يثير تحرك هيئة التنسيق النقابية الاحترام و التقدير لدرجة التنظيم العالية و لروح المبادرة و الالتزام و كذلك لقطع الطريق على الاستغلال السياسي للتحرك الاجتماعي الذي تقوده و قيمة هذا التحرك انه جاء بعد مهل طويلة و متلاحقة و تكشف بعض التفاصيل الخاصة بالتحرك في مختلف المناطق و خصوصا مبادرة تكوين لجان الإضراب القاعدية التي تنتقل إلى الدوائر و المقرات الحكومية لتنفيذ الإضراب بحيث نرى اننا امام انخراط فئة اجتماعية واسعة الانتشار على امتداد لبنان في حركة المطالبة بالعدالة الاجتماعية مع ارتفاع معدلات التضخم و انعكاسها على القدرة الشرائية للفئات الاجتماعية المتوسطة و الدنيا من حيث معدلات الدخل .
بالكثير من اللامبالاة تواجه القوى السياسية ، ثورة الموظفين بمنطق صندوق الفرجة فتتحول المشاهد اليومية للتجمعات الحاشدة إلى خبر عادي و يصمم الرئيس نجيب ميقاتي على القول إنه يرفض البحث تحت الضغط مع ان لائحة المطالب بعد إقرار السلسلة صارت مجرد تدبير يتيم هو الإحالة إلى مجلس النواب الذي يعطل انعقاده تيار المستقبل لمنع إقرار قانون جديد للانتخاب و هذا التيار لم يكن ليفك المقاطعة الشاملة لأي اجتماع برلماني لولا الضغوط الغربية المعلنة التي ألزمته بالعودة .
ثالثا ثورة الموظفين هي دليل على المدى الذي بلغته المعاناة الناجمة عن مأزق النظام اللبناني اقتصاديا و اجتماعيا و في ظل عقم سياسي كبير من مظاهره تعطيل المؤسسات المهيأة لإنتاج المقترحات البناءة و الإيجابية و أبرزها في هذا المجال المجلس الاقتصادي الاجتماعي الذي كان تكوينه من الإصلاحات الهيكلية التي أدخلها اتفاق الطائف على تكوين النظام اللبناني و هو مجلس معطل منذ سنوات فلا يصار لتحريكه و كل المطلوب هو تشكيله مجددا وفقا لقانون إنشائه و اللافت ان الحكومات المتعاقبة في السنوات الأخيرة لم تقدم مبررا واحدا لذلك التعطيل و الأرجح انها لم تسأل ، و في التقصي عن دوافع التعطيل لا نجد غير حسابات المحاصصة السياسية في هذا الملف علما انه كان بمستطاع هذا المجلس ان يقترح السلسلة و مصادر تمويلها و يقوم بإرسالها جاهزة إلى مجلس الوزراء لتجد طريقها الطبيعي إلى الإقرار و الإحالة و هذا المجلس يمكن ان يكون المستشار الأول للدولة في وضع السياسات الاقتصادية و الاجتماعية و المالية و هو في بنيته إطار حوار دائم بين العمال و الموظفين و جميع أرباب العمل وبالتالي يمثل تفعيله و تنشيطه اداة مهمة في توفير الوقت و التوترات الاجتماعية و في إنضاج السياسات لكن أين للارتجال السياسي ان يعتمد المؤسسات و من دواعي التعجب عدم قيام حكومة الرئيس ميقاتي بخطوة عملية بعدما تعمدت الحكومات الحريرية تعطيل المجلس .
طالما يستمر التحرك بأساليبه غير التقليدية فقد بات تجاهله صعبا و بالتالي سوف ترسل السلسلة إلى ساحة النجمة و سوف تربط بإجراءات و تدابير التمويل لكن ما يجري من حراك في صفوف الموظفين و ما يتراكم من خبرة تنظيمية في صفوفهم و ما ينتشر من وعي جماعي عابر للطوائف و المناطق و الخنادق السياسية قد يكون مؤشرا جديدا و تحولا مهما في أبعاده الثقافية و السياسية إذا تم البناء عليه في الأشهر القادمة.

» لجريمة الأصلية إسمها ثورة ...ناصر قنديل
» أول ثورة عربية مكتملة في القرن الـ21 - ناصر قنديل
» درس لبناني من غزة>>>غالب قنديل
» حول الدور المصري...غالب قنديل
» من وهم الإسقاط إلى خطة الاستنزاف – غالب قنديل