الملف الأسود لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية .. بقلم: محمد احمد الروسان
أذكر أنّه وقبل ثلاث سنوات ونصف من الآن، أني قد اشتبكت في البحث المضني والتحليل عن مضمون إعلام ( بمعنى إخبار) ويندي هلتون( المسؤولة في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية)، عن الأشراف على كشف الوثائق التي تعتبر أسرار دفاعية، وليس لدي معلومة إن كانت ما زالت على رأس عملها، بإخبار وإعلام القاضي الفدرالي في نيويورك الفن هيلرشتانين, بأنّها ترفض السماح بنشر سلسلة وثائق، يتعارض مع قرار قضائي فدرالي - صدر يلزمها بهذا الأمر.
فرفض C.I.A نشر وثائق جديدة تتضمن معلومات مفصلة عن برامج الاستجواب واعتقال مشتبه بهم، بممارستهم لما يسمى بالإرهاب الأممي بالخارج بحجة لا تسمن ولا تغني من جوع وعلى شاكلة: تمس الأمن القومي في شكل جديّ، فهذا يتعارض مع قرارات القضاء الأمريكي الفدرالي, ويعتبر جريمة فدرالية وحسب منطوق التشريعات الأمريكية الفدرالية المتعلقة بهذا الخصوص القضائي .
السجون السريّة لوكالة الاستخبارات الأمريكية C.I.A حقيقة موجودة منذ أحداث أيلول 2001 م وحتّى هذه اللحظة, وقد اعترفت إدارتي الرئيس السابق بوش الابن بوجودها، و بعد أن تم فضحها عبر وسائل الميديا العالمية بمساعدة حثيثة و واضحة من جناح محدد من داخل أروقة C.I.A سائه السلوك السيء والمنبوذ المتبع في مخابراته, سلوك غير قانوني وغير إنساني وغير أخلاقي وغير حضاري، سلوك دموي سادي.
إنّ تفاعلات قضية توقف طائرات استخدمتها C.I.A ، حيث نقلت سجناء إلى سجون سريّة في عدة بلدان متفرقة من العالم ومنها عربية، واعتقال من تشتبه بتورطهم في ما تطلق عليه واشنطن( الحرب المقدّسة على الإرهاب) بصورة غير شرعية، وإخضاعهم لعمليات تعذيب والتي لا يعلم بوجودها إلاّ القلّة من المسؤولين الأمريكيين إلى جانب الرئيس ومدير المخابرات ومستشار الأمن القومي, وبضع من كبار مسؤولي الأستخبارات في الدول المضيفة التي أطلق عليها البيت الأبيض ذاته و C.I.A نفسها, و وزارة العدل الأمريكية, فضلاً عن الكونغرس الأمريكي مسمى " المواقع السوداء ".
وتضم هذه السجون السريّة وما زالت حتّى يومنا هذا، وفي عهد إدارة اوباما 1 وإدارة اوباما 2, العديد من السجناء وخاصةً من كبار قادة القاعدة وأخواتها وبناتها، وعمّاتها وخالاتها، وعشّاقها وغيرهم, ويتضمن التحقيق مع السجناء عدد من التكتيكات، وتطبق على مراحل تبدأ بتكتيكات بسيطة وتصل إلى إغراق السجين تحت الماء, ومن جذب المعتقل من ملابسه بقوّة للفت انتباهه, والضرب على البطن والكلى والوقوف لساعات، مع العمل على إفقاد الرجل لرجولته واغتصابه, كذلك الوقوف في زنزانة باردة مع إغراقه بالماء البارد, وتكرار انتهاك عرضه واغتصابه جنسيّاً لمرات متتالية لتدمير نفسيته، ونقرأ بين الفينة والأخرى في صحف عالمية مشهورة سواءً داخل أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا أو اسبانيا وايطاليا, عن كشف لفضائح جديدة ارتكبتها وترتكبها C.I.A . هذا وقد تولت كل من الجارديان والأندبندنت البريطانيتان ومعهما الواشنطن بوست, نشر غسيل C.I.A الأسود والوسخ على حبال الميديا العالمية.
لقد تسربت معلومات من داخل أروقة C.I.A ونشرتها الواشنطن بوست وغيرها من الصحف الأمريكية الجادّة, أنّه تم تطبيق برنامج فونيكس PHONIX مع سجناء ومعتقلي السجون السريّة خارج وداخل الولايات المتحدة الأمريكية, وهو برنامج للتعذيب والقتل بموافقة الدولة من حقبة حرب فيتنام, وقد طبق على أعضاء الفيتكونج VIETCONG ( أعضاء جبهة تحرير فيتنام )، كما قامت الوكالة بتعيين مجموعة من المقاولين من خارجها, والذين قاموا بتطبيق نظام من التقنيات وصفها مستشار خاص لمجتمع الأستخبارات العالمية, بأنّها أشبه ما يكون بطريقة " البرتقالة الآلية " وقد كان هؤلاء خبراء نفسانيين عسكريين حيث خلفيتهم تتركز في تدريب جنود القوّات الخاصة, وقد عرف البرنامج باسم SERE وهو اختصار لعبارة البقاء, المراوغة, المقاومة, والهروب، Escape SURVIVAL , EVASION , RESISTANCE وقد أنشئ هذا البرنامج في نهاية الحرب الكورية, ويخضع المتدربين إلى محاكاة التعذيب, بما في ذلك تقليد التخويف بالإغراق في الماء, والحرمان من النوم والعزلة, وتعرضيهم لدرجات حرارة عالية جداً ومنخفضة جداً, والاحتجاز في الأماكن الضيقة, والإزعاج الشديد باستخدام الأصوات العالية, كذلك الإذلال الديني والجنسي, هذا وقد تم تصميم برنامج في الأماكن الضيقة, والإزعاج الشديد باستخدام الأصوات العالية, كذلك الإذلال الديني والجنسي, هذا وقد تم تصميم برنامج SERE خصيصاً لمقاومة أنظمة التعذيب, ولكن أفراد وكوادر C.I.A استخدموا خبراتهم في مساعدة المستجوبين، على إساءة معاملة المعتقلين في السجون السرية في أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وباقي دول العالم، ولقد قال مسؤول أوروبي مطلع على هذا البرنامج وحيثياته : - " لقد كانوا متغطرسين للغاية, ومؤيدين للتعذيب, لقد أرادوا إضعاف المعتقلين, ويحتاج الأمر إلى عالم نفساني لفهم هذه التجربة الخطيرة على البشر ".
كما يتم إيقاف المعتقل بهذه السجون داخل قفص يسمى " صندوق الكلب " وهو صغير جداً، بعد ذلك يتم استخدام التعرية لإظهار قوّة الآسر أو لأضعاف المعتقل، وتمزيق ثياب المعتقل بجر الثياب على أن يكون من أعلى إلى أسفل حتّى لا يفقد المعتقل التوازن, كذلك الضرب المبرح على الكتف والمعدة وتغطية الرأس وجر الجسد بشدّة والتعليق على الجدار وسلسلة من الأوضاع المتعبة ومنها وضعية تسمى " أعبد الآلهة " GODS WORSHIP " .
وبالرغم من وعود الرئيس الأمريكي باراك أوباما 1 وأوباما 2, فان حالة ومشكلة سجن غوانتانامو لا تزال تدور في حلقة مفرغة ومفزعة ولا يوجد تحسن ولا تغيرات ملموسة في حياة السجناء نحو الأحسن والأفضل, كذلك حالة ومشكلة سجن باغرام في أفغانستان وقد وصف بسجن غوانتانامو الثاني، من قبل الكثير من منظمات حقوق الإنسان حيث يتشابه مع سجن غوانتانامو في ظروف الاعتقال العشوائية, هذا وقد أدان اتحاد الحريات المدنية الأمريكية AMERICAN CIVIL LIEBERTIES UNION نتيجة تقرير روبرت جيتس رئيس اللجنة التي شكلها أوباما لدراسة ظروف الاحتجاز للمعتقلين وقت إدارته الأولى، و وصفتها بأنّها غير حقيقية ومزورة, بل وصفت التقرير نفسه بالمهزلة, وأكد الإتحاد الأمريكي المدني, بأنّه من غير المعقول تصديق مثل هذه الأقوال الخرقاء, فكيف استطاعت اللجنة تقييم زهاء سبع سنوات ونصف كاملة من ظروف الاعتقال في غوانتانامو في خلال سبعة عشر يوماً فقط لا غير ! .
كما انتقدت الكثير من مؤسسات المجتمع المدني الأمريكي والعالمي, تصرفات وسلوك أفراد الجيش الأمريكي في سجن باغرام في أفغانستان المحتلة, حيث لا يزال يقبع فيه سجناء دون محاكمة أو توجيه تهم لهم, ولم يقابلوا أي محام منذ فتح السجن, وعدد السجناء فيه يتجاوز 900 سجين بعد أن تم نقل بعض السجناء من سجون سريّة تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية, وغالبية سجنائه من حركة طالبان الأفغانية, وفيه سجناء أطفال وقصّر من كلا الجنسين ونساءً, وظروف سجن باغرام في غاية السوء حيث الرطوبة العالية, ولا توجد آماكن للنوم ولا طعام صحي .
الولايات المتحدة الأمريكية تراودها فكرة في غاية الخطورة, وهي من الأفكار المبدعة والخلاّقة للصندوق الأسود للسياسة الأمريكية في الحقبة الأوبامية ليون بانيتا والروبرت جيتس وقد يستمر به وزير الدفاع الأمريكي الجديد, وتتمثل هذه الفكرة : في إغلاق غوانتانامو ونقل كافة السجناء والمعتقلين إلى سجن باغرام الحصين والذي يقع في قلب أكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان المحتلة, بالإضافة إلى نقل سجناء آخرين من سجون سريّة أخرى إليه, عندّها سوف يزداد الأمر سوءً على سوء, مع عدم وجود أي فرصة لأي سجين من الحصول على خدمات قانونية من منظمات حقوق الإنسان والمدافعين عن حقوق الإنسان من المحاميين, كما أنّ إدارة أوباما الحالية كسابقتها لا تزال تتجاهل طلبات إغلاق هذا المعسكر سجن باغرام أو تغير ظروف الاعتقال العشوائية، بحجة أنّ الحرب المقدّسة على ما يسمى بالإرهاب الأممي لا تزال قائمة ودائرة.
لقد طالب المفوض السامي للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة مراراً وتكراراً, بإجراء تحقيقات أممية خاصة حول السجون السريّة الأمريكية التابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية في أفغانستان وغيرها من الدول.
محمد احمد الروسان*
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*