فرويد و«شيعة 14 آذار»

فرويد و«شيعة 14 آذار»

السبت , 16 شباط 2013 -

لا بدّ من اللجوء إلى سيغموند فرويد، عالم النفس النمساوي الشهير، لتحليل الظاهرة التي تتكرر سنوياً مرتين: مرة في ذكرى الرابع عشر من شباط، ومرة ثانية في ذكرى الرابع عشر من آذار. الظاهرة ليست طبعاً إحياء الذكريين، ولا ظهور الوجوه نفسها على الشاشات لتلقي خطباً رنانة بجماهير تتضاءل سنة بعد سنة. الظاهرة هي في إصرار قوى الرابع عشر من آذار على أن يعتلي المنبر في كل عام، وفي المناسبتين على السواء، وجه شيعي جديد، يلقي كلمة هدفها تكرار فكرة واحدة يحاول «ثوار الأرز» منذ انطلاقتهم أن يقنعوا أنفسهم والآخرين بها: الشيعة أيضاً معنا. في لحظة الولادة الأولى لهذه القوى، كان مفهوماً هذا الميل إلى تأطير حالة شيعية، تجعل من الحركة «الاستقلالية» آنذاك حالة وطنية تراعي التمثيل الطائفي وتشبه اللبنان الذي حاولت التماهي معه. فرويد لديه نظرية في هذا الخصوص. إذا افترضنا أن قوى الرابع عشر من آذار، في لحظة ولادتها، بمثابة طفل، فلا بدّ أنها، بحسب فرويد، ستتصرف بدافع الغريزة. والغريزة اللبنانية تدفع دائماً إلى الـ«ستة وستة مكرر». وبالتالي فمن الطبيعي أن تدفع الغريزة هذه القوى إلى البحث عن الفولكلور بتجلياته الطائفية اللبنانية. لكن فرويد يرى أن الغريزة لا تلبث أن تدخل في تناقض مع متطلبات الحياة الاجتماعية، وهي في حالة قوى الرابع عشر من آذار تدخل في تناقض مع الواقع السياسي، والحقيقة الواضحة وضوح الشمس، أن الشيعة يقفون خارج مشروع «ثورة الأرز». وسرعان ما تبيّن أن أفرقاء آخرين يقفون خارج هذا المشروع وضده، وهذا حقهم المشروع.

لم تقتنع قوى الرابع عشر من آذار بهذه الحقيقة. ظلّت تتصرف بالغريزة نفسها، من دون استخدام العقل، هذا إذا سلّمنا بوجود عقل يسيّر هذه القوى ويضع لها الخطط للمستقبل. في السنوات التي تلت الذكرى الأولى، كان منظّمو المهرجانات يتعمّدون تخصيص كلمة لشخصية شيعية، بالكاد تمثّل نفسها شيعياً، وفي الغالب تكره شيعيتها، لتعتلي المنبر وتتحدث باسم الشيعة، وتهاجم الشيعة! نوع من الفصام الذي يعرّفه فرويد بأنه «مرض عقلي يتميز يتشويشات ذهنية حادة مقترنةً بانفصال عن العالم الخارجي وتفكك العالم الداخلي». وهي الحالة التي تعاني منها قوى الرابع عشر من آذار مجتمعة. فلا هي تبدو على دراية بما يحدث في العالم الخارجي، وهي بلا شكّ تعاني من تفكك عالمها الداخلي.

لكن هذه القوى تصرّ سنوياً على إعطاء مساحة لشيعي كي يعبّر عن نفسه، ويتحدث باسم الشيعة أجمعين، ويقارع بشيعيته كل الشيعة الآخرين، وفي مقدمهم «حزب الله» الذي، برأي قوى الرابع عشر من آذار، يسيطر على القرار الشيعي ويغسل أدمغة الشيعة وينقلهم بحالة التنويم المغناطيسي إلى حيث يريد، متحكماً في مصائرهم من دون أن يكون لهم حول ولا قوة. تعتقد 14 آذار بذلك تماماً، ويصعب إقناعها بغير ذلك. يصعب إقناعها بأن الشيعة الذين ارتضوا أن يمشوا وراء «حزب الله» قرروا ذلك بملء إرادتهم، تماماً كما قرر عدد من الشيعة المعارضين لـ«حزب الله» أن يكونوا إكسسوارات لمهرجانات قوى 14 آذار، وتماماً كما قرر بعض الشيعة أن يكونوا في حركة أمل أو في الحزب الشيوعي أو في الحزب القومي، وتماماً كما يقرر عدد ممن يولدون شيعة ألا يكونوا شيعة في السلوك والثقافة والملبس والسياسة والفكر. كل هؤلاء أحرار في خياراتهم، بما في ذلك الشيعة الذين ننتقد سلوكهم الفولكلوري، وارتضاءهم أن يكونوا حبة كرز فوق قالب الحلوى المهشّم، الذي يدعى قوى 14 آذار.

لكن لا بدّ من البحث عميقاً في الحالة التي يحاول سعد الحريري، زعيم هذه القوى، أن يعبّر عنها. لماذا يصرّ على اختيار شخصيات شيعية، تربط نفسها غالباً بـ«التنوير» أو بـ«الحرية»، ليحاول أن يثبت لنا أنه زعيم عابر للطوائف؟ كيف يقتنع هؤلاء الشيعة «الأحرار» و«المتنورون» بأنهم كذلك، ما دامو مستلبين بالكامل لصالح ما تريده «أناهم العليا» الشيخ سعد، الذي يخطب فيهم من قبلة التنوير والحرية، العاصمة السعودية الرياض؟

غالب الظن أن المسألة نفسية، وأن حلّها لا يكون إلا بأسلوب «التداعي الحر» الذي ابتكره فرويد. أن يطلق «المريض» العنان لأفكاره لتسترسل من دون أي قيد أو شرط، ومن دون إخفاء أي تفاصيل مهما بدت تافهة أو مؤلمة أو معيبة… حتى ولو كانت تحالفاً رباعياً انتخابياً!

» 14 آذار 2012: سنة الهزائم
» بدعة أو طائفة أو شيعة الناصريين
» عن شيعة لبنان وسورية ....جذع جعفري في سنديانة السُنة
» ناصر قنديل:14 و8 آذار في دول المنطقة
» فجر الثامن من آذار... مضر جلال خيربك