هل سيعلن أردوغان إنهاء النظام الجمهوري وعودة السلطنة؟

هل سيعلن أردوغان إنهاء النظام الجمهوري وعودة السلطنة؟
2013-02-16 05:23:45
في معرض انتقاده لمسلسل "القرن الرائع"، المعروف لدى المشاهدين العرب باسم "حريم السلطان"، وردت على لسان رئيس الوزراء التركي عبارة تقول: "نحن نذهب إلى كل مكان وصل إليه أجدادنا على ظهور الخيل". وفي مناسبة أخرى قال: "أنا سليل سلاطين بني عثمان". ونبعت انتقاداته للمسلسل من خلوه من الرموز والشعائر الدينية، هي فعلاً لم تكن موجودة في السراي العثماني آنذاك. لكن من الضروري اليوم اختراع تاريخ جديد للعثمانيين لإكساب "سليلهم" شرعية لدى الجمهور المسلم، داخل وخارج تركيا.
الحقيقة هي أن السلطان "سليمان القانوني" كان، وعلى عكس ما أظهره المسلسل، سفاحاً حقيقياً. قتل ابنه "مصطفى القانوني" كي يتيح الفرصة لابنه "سليم" من الجارية اليهودية "هورريم" بخلافته على العرش، وهو بدوره كان أكثر فظاعة من والده. ولهذا السبب تتبع القانوني أثر أحفاده وقتلهم حتى لا ينافسوا "سليم بن هورريم". وهو أيضاً سلم مقاليد قصره ليهود. لكن ذلك كله لا يهم "أردوغان"؛ تهمه الفتوحات، الغزوات، تزويقات القصور وبهرجة المدَّاحين.
لم تعد الدولة الحالية تتسع لأحلام طاغية اسطنبول، إنه يريدها أكثر خضوعاً، أكثر استسلاماً له. ولأجل هذا افتتح أحد أقتم عهود الجمهورية التركية منذ إنشائها. محاكمات شهدت أغرب الممارسات: أدلة مفبركة لدرجة الضجر. ولقد اعترفت الشرطة في مرات كثيرة أنها هي من وضعت الوثائق أو الأقراص المدمجة التي تمت بناءً عليها إدانة المتهمين. ورغم ذلك لم تفرج العدالة عن المتهمين، ولم تقاضي مفبركي الأدلة؛ شهادات لأشخاص مضطربين نفسياً وعقلياً أخذ بها، واقتيد العشرات إلى السجون بناءً على ما فيها من ترهات؛ صحافيون معتقلون عرض عليهم الخروج مقابل تقديم شهادات كاذبة ضد زملاء آخرين؛ شهود خفيون لم يعرف من هم، ولكن ها هي شهاداتهم تزج بآخرين وآخرين في السجون؛ أربعمائة عسكري في السجون و"أردوغان" شخصياً يعترف بأن المحاكمات غير صحيحة؛ أعلن عن شبكة تجسسية وكالعادة تم زج عشرات العسكريين في السجن بتهمة الانتماء إليها، وبعد عدة سنوات لم يعرفوا حتى الآن هوية الجهة التي يتهمون بالتجسس لحسابها؛ أحد الكتاب المعتقلين بتهمة الانتماء لتنظيم متهم بدوره بأنه يشكل الذراع المدينية لحزب العمال الكردستاني قال بعد خروجه من السجن: أحمد الله أنهم لم يغتالوني هناك؛ عميد كلية وأكاديمي بارز اعتقل بتهمة العمل على الانقلاب على الحكومة، ولم يفرج عنه رغم إصابته في السجن بمرض عضال، وهو يقول الآن: يبدو أنني لن أخرج من السجن حياً.
كل هذا لم يشبع غرور الطاغية: هيا ولتروني مزيداً من الانبطاح، مزيداً من الانتقام، مزيداً من القهر لمن لا يبايعني. هيا أريد رؤية الدم.
ويقرر الطاغية أن يتحول ببلده إلى النظام الرئاسي، فيصبح هو رئيس الجمهورية ورمز وحدة البلاد، ويحوز كل الصلاحيات والسلطات. وكلف لجنة باعداد مشروع دستور جديد. ورغم كل غرائب القضاء في عهده فهو لم يرتوي، بل قدم حزبه، حزب العدالة والتنمية، مشروعاً لنظام قضائي جديد، هاكم بعض أهم نقاطه:
– المحكمة الدستورية: ستتألف من سبعة عشر عضواً للنظر في دستورية القوانين والمراسيم الصادرة. يعين الرئيس منهم ثمانية أعضاء، ويعين المجلس، الذي يسيطر عليه حزب رئيس الجمهورية التسعة الآخرين.
– لفتح دعوى في المحكمة الدستورية طعناً في دستورية قانون ما سيتوجب اجتماع مائة وعشرة أعضاء من مجلس الشعب.
– مجلس القضاء: سيتألف من اثنين وعشرين عضواً بينهم وزير العدل، الذي يعينه الرئيس، ومستشاره الذي يعينه الرئيس كذلك. ومن أصل أربعة عشر عضواً يعين الرئيس سبعةً، والمجلس الذي يهيمن عليه حزب الرئيس سبعةً آخرين.
– ستلغى محاكم النقض والاستئناف ويستعاض عنها بمحكمة التمييز التي يعين الرئيس ربع قضاتها مباشرة، ومجلس القضاء، الذي يهيمن عليه الرئيس كما رأينا أعلاه، سيعين الثلاثة أرباع الباقيين.
ما يريد "أردوغان" فعله هو اخضاع السلطة القضائية لهيمنته بشكل تام. وهو كان قد صرح بتاريخ 17 كانون الأول 2012 مهاجماً مبدأ فصل السلطات، حيث قال: "ما يطلق عليه اسم فصل السلطات يعترض دربنا دائماً وأبداً".
وفي مقابلة مع صحيفة "راديكال" قدم "برهان كوزو" رئيس اللجنة المكلفة بإعداد مسودة الدستور المثال التالي على ضرورة توحيد السلطات: "المحكمة الدستورية منعت تمليك الأراضي للأجانب في تركيا لأن الدول التي هم منها لا تعطي للأتراك حق التملك فيها، وعللت قرارها بمبدأ المعاملة بالمثل.. من هي حتى تدخل أنفها في مبدأ المعاملة بالمثل؟"
وعاد "أردوغان" بعد كل ما فعله القضاء من زج لمعارضيه في السجون، فهاجمه. والسبب هو أن الطاغية يريد أن يربح العسكر في حرب مستجدة بينه وبين رجل الدين "فتح الله غولن" رئيس الطريقة الدينية المعروفة بـ"النورانية"، والتي يمكن القول أنها الشريك الخفي لحزب العدالة والتنمية في الحكم.
هذا الخلاف بين "أردوغان" و"غولن" كشف الكثير من المستور، فخرج مثلاً إلى الضوء من جديد الحاخام اليهودي "تونجاي غوناي" الشاهد المضطرب الذي بدأت بشهاداته قضية تنظيم "أرغنكون" المتهم بمحاولة الإطاحة بالحكومة. وهو بالأصل مسلم، ومن بيئة محافظة، ودرس في الكتاتيب، ثم هاد فيما بعد. وعرف بميوله الجنسية الشاذة.
تسببت شهادات "غوناي" المضطربة بادخال عشرات الأبرياء السجون، وكلمة واحدة منه أو إشارة دمرت حيوات الكثيرين. واستمر كل فترة بالظهور على الشاشات من خارج البلاد، فيورط عدداً أكبر من الناس بالسجن والتحقيق. ولكنه منذ حوالي أسبوع عاد فظهر على الشاشة يعلن أن شهادته غير صالحة، وزعم أنها أخذت منه تحت التعذيب، وأن كل من سيق إلى السجن بناءً على أقواله هو بريء. وأضاف: "أرغنكون هي خطة، وقد انتهت. ويجب أن يفرج عن كل المعتقلين بمقتضاها". وختم بالقول: "البحث عن العدالة في تركيا هو كالبحث عن عذراء في دار للدعارة"
الصحافية "روحات مينغي" علقت على مقابلته الأخيرة في زاويتها، في صحيفة "وطن"، بعنوان "من عذب الحاخام؟" فقالت: "هذا كثير، هذا كثير حتى في بلد مثل تركيا معتاد على رؤية ومعايشة أدنأ الممارسات المنافية للقانون، وأكثرها خبلاً". وأضافت: "هذه الفضيحة، ضخامة التعسف اللاحق بالعدالة تثير الرعب لدرجة أنه يمكن وصفها بـ"الجريمة". ما حل بالمجتمع وبالناس الذي زج بهم في السجون واعتدي على حريتهم ليس مجرد "منافاة للحقوق". إنها مجزرة ضد حقوق الإنسان. إنها عملية رجعية لا يمكن رؤيتها إلا في النظم قمعية، عملية لا ديمقراطية، لا إنسانية، تزيل كل العدالة من الوجود"
تركيا تعود القهقرى نحو العثمانية. قد يكون الاسم مختلفاً، فقد تبقى تسمية الجمهورية، لكننا نعرف المحتوى.

» متظاهرون في بنغازي للمطالبة بالحكم الذاتي وعودة النظام الفدرالي
» حزب "الشعب الجمهوري" التركي: حكومة أردوغان مسؤولة عن تأزيم الوضع في سوريا
» التخبط التركي : من وهم السلطنة الى فضيحة الوالي
» كتبت غدي فرنسيس: معتقلة.... بين ايدي جنود السلطنة التركية
» السلطان العثماني" بين تسخين الجبهة السورية وانهيار السلطنة