مؤشرات توحي بنهاية الازمة السورية "التوجه الدولي إلى (يالطا 2) .. بـقـلـم : عـمـار فـاضـل
لم يعد يخفى على أحد أن الملف السوري أصبح يشكّل محوراً اساسياً للصراع بين الدول العظمى ,والذي سيمكن المنتصر من تغيير خريطة النفوذ الاستراتيجي في العالم ,وبالتالي تشكيل محاور متعددة الأقطاب تعيد تقسيم العالم بما يذكرنا بـ(يالطا 1), لكن معطيات الفترة الحالية قد تغيّرت عمّا كانت عليه سابقاً كما أن أدوات الحرب تختلف إلى حد كبير عن الصراعات السابقة.
والآن بعد مرور حوالي السنتين على الأزمة السورية نستطيع أن نقول أن بوادر التوجه إلى يالطا 2 بدأت تلوح في الافق , إذ أنّه من المعروف أن جلوس اللاعبين الكبار إلى طاولة واحدة لايتم إلّا بعد ان يكون كل منهم قد جمع أكبر عدد من الأوراق التفاوضية ليطرحها على الخصم , وأمامنا الآن تندرج خمس ملفات أساسية سيكون (بعضها) حاضراً على طاولة التفاوض الامريكية الروسية وهي تشكّل مؤشرات لقرب الجلوس إلى يالطا2:
- الملف الأول : هو الدرع الصاروخي إذ كلّف هذا المشروع الولايات المتحدة الأمريكية مليارات الدولارات وسعت من خلاله إلى تطويق النفوذ الروسي وحماية نفسها من الصواريخ الايرانية وكان هدفها من احتلال افغانستان الوصول إلى أوزبكستان التي تشكّل ناتئة جغرافية وسط قارة أوراسيا ,الأمر الذي ردّت عليه كل من روسيا والصين بتشكيل منظمة دول شنغهاي "SCO" , وهو المؤشر الرئيسي الذي يوحي لنا بقرب تقديم تنازلات أمريكية للروس اذ يظهر جدل كبير في اوساط العسكريين الامريكيين حول جدوى نشر قواعد الدرع الصاروخي في رومانيا حيث أن جنرالات البنتاغون يشككون بمدى جدوى فعالية نشر هذه الصورايخ في ردع الصواريخ المنطلقة من إيران , وحسب تقديرهم يرون أن لتدمير الصواريخ يجب اسقاطها في المرحلة البدئية لانطلاقها من إيران , ونشر الدرع في رومانيا لا يحقّق ذلك.
- الملف الثاني : هو المشروع النووي الإيراني الذي يشكّل التهديد الأكبر للمصالح الامريكية كما يستهدف بشكل صريح الطفل المدلل لهم "اسرائيل".
- الملف الثالث : هو المشروع الذي يسمى بـ "Global Zero" الهادف إلى التخلي خطوةً بخطوة عن الاسلحة النووية في العالم , وسيكون من ضمن الموضوعات الرئيسية للرسالة السنوية التي يوجهها الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الكونغرس هو احتمال تقليص الترسانات النووية الاستراتيجية في الولايات المتحدة وفي العالم أجمع , وهذه المقترحات ستقدّم تحريراً إلى القيادة الروسية في أثناء الزيارة التي سيقوم بها "توم دونيلتون" مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي الشهر الحالي إلى موسكو , ويوجد حالياً في الولايات المتحد الأمريكية حوالي 1700 راس نووي قيد المناوبة القتالية ,ويتوقع أنّه بحلول عام 2018 سينخفض العدد ليصل إلى 1550 وذلك طبقاً لمعاهدة "ستارت3" الموقعة مع الطرف الروسي , ولكن المؤشر الذي يوحي برغبة تقديم التنازل الأمريكي هو اعتقاد المسؤولين في البيت الأبيض أنه باستطاعة كل من روسيا والاولايات المتحدة خفض ذلك العدد إلى مستوى 1000 رأس نووي , علماً أن أحد واضعي مشروع "Global Zero" هو وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل.
- الملف الرابع : ملف الغاز والنفط في البحر المتوسط والذي قدّرته هيئة المسح الجيولوجي الأمركية بحوالي 122 تريليون قدم مكعب من الغاز وحوالي 1.7 مليار برميل من النفط موزّعة على مياه الدول الاربعة :قبرص ,الكيان الاسرائيلي , لبنان , سوريا . وهو يشكّل محوراً هامّاً جداً للنقاش على الطاولة إذ أن ثبات النظام السوري حرم اوروبا من الغاز القطري عبر خط نابوكو والذي كان مقدراً له المرور في الاراضي السورية, مما يجعل اوربا تقع في قبضة روسيا الغازية رغم انّ اعينها ماتزال تتجه إلى حقول شرقي باكو وبحر قزوين ومنها إلى تركمنستان ثالث دولة في العالم بالغاز ,ولكن أذربيجان لاتملك إلّا 5 مليار متر مكعب والذي يشكّل سدس حاجة اوربا من الغاز.
الملف الخامس : وهو ملف السلام في الشرق الأوسط واستئناف المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية حيث تولي إدارة اوباما أهمية لهذا الملف , والذي يبدو ان اسرائيل ماتزال تحاول الالتفاف عليه من خلال استمرارها بسياسة بناء المستوطنات , ولكن الطرف الأمريكي يضغط بقوة على حكومة نتنياهو إذ انه من المتوقع ان يسمع نتنياهو رسالة قوية من اوباما لان يعرض انذاراً صاغه ثلاثة من وزراء الخارجية بأوربا وهم : وليم هيغ وزير الخارجية البريطاني , والالماني فسترفالا والفرنسي لوران فابيوس , ويتضمن أنّه اذا استمرت اسرائيل بسياساتها الاستيطانية في الاراضي المحتلّة فإن الاتحاد الاوربي سيفرض عليها عقوبات شديدة ومنها تغيير الاتفاقات بحيث تكون الامتيازات التي تأتي من الاتحاد تنطبق فقط على مناطق حدود 67 .
ويبقى كل ماسبق هو عبارة عن استقراء للواقع الحالي وهو يفضي إلى أننا على أعتاب صفقة تاريخية ما لم يتم حصول تغيّر مفاجئ "بجعة سوداء" يؤدي إلى عرقلتها , والذي سيكون سببه "إن حدث" الكيان الصهيوني.