سعودية وعشقي سوريا مراقبة عامة
عدد المساهمات : 29420 تاريخ التسجيل : 17/05/2012
| موضوع: في سوريا كل شيء ارتفع إلا ضغط الدمّ وزئير الأسد - بلال فوراني الثلاثاء فبراير 05, 2013 3:32 am | |
| في سوريا كل شيء ارتفع إلا ضغط الدمّ وزئير الأسد - بلال فوراني
لقد ارتفع كل شيء في سوريا , ارتفع منسوب الخيانة , وارتفع سقف العمالة , وارتفع عدد الشهداء والقتلى , وارتفعت الاسعار وارتفعت الصلوات و الاصوات لكن لم يرتفع ضغط الدم السوري طوال سنتين وهذا إما لأننا لم يعد فينا دمّ أصلا إما لأننا استهلكنا كميات وافرة من الدم السوري تنفع لإغراق الشوارع وارواء الطرقات , وبالتالي ارتفاعه في منظومة الرفعّ الانساني لم يعد وارداً على جدول أعمال مجلس السمنّ ولا هيئة الامم المنتحرة , وربما هذا هو السبب الذي دعا اعلامنا السوري المذهلّ الى حقنّ الناس بمهدئاتٍ اعلامية تسبب انخفاضاً حاداً في درجةِ الاستيعاب , وتبوّلاً لا ارادياً في فكر المحلليين السياسيين وانسداداً في مجاري الفهم عند عامة الشعب , واسهالاً حاداً في تنجيم أنصاف الكتّاب بين الثقافة والسخافة .
اليوم ارتفعت أسماءٌ في سماء الاعلام كما ترتفع أسماء الشهداء الى سماء رب العالمين , وما بين اسمٍ يُسجلّ في الاعلام وآخر يُمحى من السجل المدني صارت الاسماء لا تعني شيئاً سوى أرقامٍ نكررها ونعيدها وأعدادٍ نرصدها ونحصيها , فالأسماء لم تعد تهم ما دام القدس صار اسمها اورشليم , والمقاوم صار اسمه عميل , و الخائن صار اسمه ناشط سياسي , والقذر صار الناس يدعونه بالخطيب , والمُرابي في سوق المصالح صار اسمه الحريري , والقاتل والجزّار صار اسمه جعجعّ , والحرباء صار اسمها جنبلاط , والمنشق عن شرفه صار عفيفاً , والبائع لوطنه صار شريفاً , والمتآمر على شعبه صار وزيراً .
اليوم يسجل لنا التاريخ أكبر هزّة لم يتحملها مقياس ريختر في ضمير العرب جعلتنا أبطالاً هزليين في ملحمةٍ رخيصةٍ اسمها الربيع العربي وتركتنا عراةً حفاةً أمام أولاد العمّ سام ليسرقوا مجدنا وتاريخنا وقبور أجدادنا ليبنوا بها ضريح الامة العربية .
اليوم صار نباحُ الكلابِ شعراً وغناء , وبولُ البعيرِ شفاءً و دواء , ونكاحُ الطفلةِ ستراً وجهاد , ودعارةُ الدينِ فقهاً واجتهاد , والنأيُ بالنفسِ ليس حقارةً , والطعنُ في الظهرِ صار شطارةً , وقتلُ الابرياءِ خسائرٌ هامشية , وتفجيرُ الممتلكاتِ ضروراتٌ أمنية , والانتحار شهادة , والتكفير عبادة , والحوار مع القتلة سياسة , والجلوس مع المجرمين ونّاسة , والشرفُ وجهةُ نظرٍ بكل وقاحة والوطنُ فندقٌ للترفيه والسياحة , والموتُ قضاء وقدر , والحياة لمن انتصر .
اليوم صار المثقفُ العربي في وطننا يتلون بألوان قوس قزح ويستعير من كل لونٍ موقف, صار يختبئ خلف ستار الميزان المصلحيّ كي يرى في أي كفةٍ سترجح الاحداث حتى يبدأ بالتصفيق والنعيق , والنهيق. اليوم انتعشت كل مخابر التحليل لدينا في الوطن وصار عندنا فائض من المحللين السياسيين الذين لم يحللوا في حياتهم عينة بول , وحصلنا على كمية لا تحصى من الوجوه التي لم نكن نعرفها يوما فصرنا نعرفها بحكم وطنيتها التي للأسف تبين أنها تذكرة عبورها الى مجلس الشعب , و صار عندنا نهر يشبه نهر المسيسيبي إلا أن كل راكبيه من جماعة كفّريه واشتميه وسبيّ , و صار عندنا رجال دولةٍ أشبَه بالبومّ ولست أتحدث عن بومات غادة السمان الرائعة بل عن أشخاصٍ صاروا بحكم المعارضة وزراءً في الدولة ومنذ اليوم الذي وضعوا فيه أقدامهم في هذه الحكومة لم نعد نرى الخير في وجوههم , فالمازوت الذي قالوا أنه سيتوفر بعد شهرين توفى الى رحمة خطاباتهم على اذاعة الشام, والخبز الذي قالوا أنهم سيحلّون أزمته صاروا فيه هم الأزمة فانحلتّ أوساطنا و"لم يحلوا عن ربنا" ولم يزالون بكل وقاحة يرسمون تلك الابتسامة الرخيصة على وجوههم التي لن نرى منها سوى النحسّ طالما أن بيوتهم دافئة والمازوت متوفر فيها والغاز لا ينقطع عن مطابخهم والخبز يطعمونه للعصافير على نوافذ قصورهم.
اليوم ارتفعت أصوت التفجيرات من الجارة المفروضة علينا وارتفع معها صياح الدِيَكة علّهم يعرفون السر وراء الرسالة الغرامية التي ارسلتها اسرائيل الى عدوتها اللدودة سوريا , كما ارتفعت معها أيضاً وتيرة القلق بشكل غير مسبوق في الاوساط السياسية لتشعروا يا سادة وكأنكم في معركة شوارعية حدثت في حاراتكم : روسيا تطلب من سوريا أن تصلي على النبي وتخزي الشيطان وأن لا تتهورّ وتضبط النفسّ , وايران تخرج من النافذة كي تشهد على قلة أدب اسرائيل وعلى أنها كانت البادئة في هذا الشجار وأنها هي من القت الحجر على نافذة سوريا وكسرتها , هذا عدا عن رجالات الحارة الجالسين في مقهى النعاج العربية و الذين هبّوا منددين بهذا التصرف الارعن والطائش من حليفتهم في السرّ وعدوتهم في العلن . هذا و يظل أهل البيت هم آخر من يعلم بما حدث فعلا , وصاحب البيت صامتاً لا يتكلمّ , و لا يرفع صوته عالياً , ولا يطلق حنجرته لتصرفات صبيانية سيكون نتيجتها الشجار مع أهلها , ولا يعلن أنه سيحتفظ بحق الرد ولا يعلن أنه سيتنازل عن حق الرد أيضاً , و يظلّ صامتاً لا يرفع صوته ولا يزأر به , وهو الامر الذي يذكرني بقصص التاريخ الأندلسي الذي سلخوه من ذاكرتنا و بتلك الحادثة التي أرسل فيها ألفونسو رسالةً الى أمير المرابطين يوسف بن تاشفين قائلا له فيها : "اذن هي الحرب بيننا فما ردكّ ؟؟" ليجيبه يوسف اجابةً ما زال التاريخ يحفظها حتى يومنا هذا إذ رد عليه قائلاً : " الجواب ما تراه بعينك لا ما تسمعه بأذنك .؟؟ "
اليوم ارتفع منطاد الفساد تزامنا مع غاز الخيانة , فلم نعد نعرف من أين نتنفس اوكسجين الحرية. في السابق كان الفساد تحميه المناصب الامنية وفروع الامن السياسي وكراسي السلطة , أما اليوم صار الفساد على عينك يا تاجر" واللي مو عاجبه ينشقّ عن البلد", في نفس الوقت الذي صارت فيه الخيانة مجرد وجهة نظر , وبدأ التبجح بالعمالة والتشرفّ بالقذارة من الاخرين مهنة لكل من ليس عنده ذرة شرف و وظيفة مضمونة في الاعلام الصهيوعربي .
لكِ الله يا بلد .. كم تحملتي من طعن أبنائك ومن غدر جيرانكِ وشماتة اخوانك
لك الله يا بلد .. كم تحملتي فواتير الاصلاح التي دفعتها بدم شعبكِ باسم الحرية
لك الله يا بلد .. كيف نهش في لحمكِ كلاب كانت "تمصمصّ" العظام عند أقدامكِ
لك الله يا بلد .. كيف سرقوا منكِ الفرحة والضحكة والبسوكِ ثوب الحداد والسواد
لك الله يا بلد .. كم صبرتي على وجعكِ وسكبتي الملحّ على جرحكِ النافرّ
لك الله يا بلد وغير الله ليس لكِ ...؟؟
على حافة الوطن
ستظلّ سوريا كبيرة عصيّة عن التفسير
برغم الطعن والقتل والغدر والخيانة والتدمير
برغم الفساد والانحلال والسرقة والقرف و التعتير
ستظلّ كبيرة بياسمينها وعطر شوارعها وتاريخها الكبير
ستظلّ كبيرة بشعبها الجبار وقائدها المغوار وصمودها العجيب المثير
ستظلّ كما هي نبض العروبة وحصنّ الرجولة وآخر عنوان للشرف والضمير
بلال فوراني
بلال فوراني المدونة الشخصية http://pisces77.wordpress.com/ | |
|