أين أصبحت تركيا بعد عشر سنوات من حكم حزب العدالة؟

أين أصبحت تركيا بعد عشر سنوات من حكم حزب العدالة؟
2012-11-05 05:58:30

أطفأت حكومة حزب العدالة والتنمية شمعتها العاشرة على مشهد مختلف تمام الاختلاف عما كان قبل عشر سنوات؛ "الديمقراطية المتقدمة" سقطت في الشوارع تحت وطأة خراطيم المياه وقنابل الغاز المسيل للدموع؛ النموذج الأردوغاني لـ"الإسلام المعتدل" سقط في أحياء حمص وحلب، وربما الأجدر أن نقول أنه "انسحب تكتيكياً"؛ "الانفتاح الديمقراطي" على الأكراد دكته المدفعية التركية بمعونة طائرات التجسس الأمريكية؛ "تصفير المشاكل مع دول الجوار" بات أشبه بالنكتة بعد مشروع الدرع الصاروخية...
في العيد العاشر لحكومة "أردوغان" يداوي بسطاء الناس جروحهم ببقايا أمل، ينظرون بأسى إلى من تفاخر يوماً بـ"حاكمية الله".. أيكون الناتو هو الله!؟
قبل عشر سنوات تحمس الكثيرون للحزب الصاعد المكون من شبان لم تلوثهم السياسة ممن قاد تيار التجديد ضمن حزب الراحل "نجم الدين أربكان". اعتقد الناس أن هذا الحزب سينظف كل وسخ السياسة التقليدية في تركيا. آمنوا بنزاهة الشبان التجديديين! وأجابهم السفير الأمريكي "أديلمان" عبر وثيقة ويكيليكس عن وجود حسابات سرية لـ"أردوغان" تبلغ قيمتها أكثر من سبعة مليارات دولار. وصنفته مجلة فوربس ضمن قائمة أغنى رجال السياسة في العالم. وزادت الطين بلة فضائح الفساد التي طالت جمعيات إسلامية مقربة من الحزب الحاكم، وآخرها هو الألف قضية التي رفعها أتراك مغتربون ضد شركة إسلامية جمعت أموالهم بمزاعم تأسيس شركات مساهمة، وهو ما لم يتم.
قبل عشر سنوات كان "أردوغان" قد وجد الحل السحري للملائمة بين الشريعة الإسلامية والعلمانية، وأسماه "الديمقراطية المحافظة". وجرى تسويق هذا النموذج "المعجزة" في البلدان العربية، التي سعت التنظيمات المحلية للإخوان المسلمين فيها إلى استلهام هذه التجربة. وعلمنا فيما بعد أن الملائمة بين الشريعة الإسلامية والعلمانية تمت عبر نفيهما كليهما: هل في الشريعة الإسلامية أن يوالي مسلم عدو الله الناتوي ويبني له قواعد ودرعاً صاروخية للهجوم على إخوانه في الدول المجاورة؟ هل اتبع "أردوغان" سنة النبي محمد (ص) عندما غير قوانين الأحوال المدنية بما يوافق رغبات الاتحاد الأوربي، فأباح الزنا، ولم يحل قضية المحجبات الممنوعات حتى الآن من دخول المدارس؟ أو هل تسمح العلمانية لرئيس وزراء بمهاجمة كل الأقليات المذهبية والطائفية والعرقية؟ هل في العلمانية أن يتدخل في عقائد مذهبية لا تخصه؟
قبل عشر سنوات تم الإعلان عن "الديمقراطة المتقدمة" التي ستنقل الشعب إلى ربوع غير موجودة حتى في أوربا، ستكنس آثار الحكومات السابقة، وسينعم الأتراك بمزايا تحسدهم عليها الأمم. بعد عشر سنوات أصبحت الأخبار اليومية لا تخلو من مظاهرة أو صدام مع الشرطة أو مداهمات أو محاكمات أو اضرابات. ولو أن في إيران مثلاً عشر هذه الأحداث لصورت لنا وسائل الإعلام أن النظام الإيراني على وشك السقوط بسبب السخط الشعبي. في زمن "الديمقراطية المتقدمة" قضى شاب وفتاة ثمانية عشر شهراً في السجن لأنهما رفعا، خلال مؤتمر حضره "أردوغان"، لافتة تطالب بجعل التعليم مجانياً.. في زمن "الديمقراطية المتقدمة" أفحم وزير الداخلية "ادريس نعيم شاهين" من تساءل عن أثر الغاز المسيل للدموع على الصحة، حيث رد عليه قائلاً: «غازنا المسيل للدموع طبيعي مائة بالمائة»
قبل عشر سنوات أعلنت الحكومة عن عزمها تغيير سياساتها اتجاه الأكراد، وأكدت جديتها باقرار حل سلمي وعادل لقضيتهم المزمنة. وبسبب هذه الوعود ربحت الكثير من الأصوات الانتخابية كردية وتركية. وفعلاً أعلن "أردوغان" عن خطة "الانفتاح الديمقراطي" وبدأ باجراء محادثات سلام مع حزب العمال الكردستاني. ولكنه فجأة أغلق هذا الملف، وبدأ بتطبيق النهج الأمريكي في أفغانستان والعراق لحل المشكلة عبر المزيد من المجازر والدمار، وبعد ثمانين عاماً من انفتاح الجرح ها هو حاكم آخر يمارس جنونه على لحم الأكراد. كان الأمريكيون يشيرون عليه وهو يقصف، حتى قتل أربعة وثلاثين شاباً وفتى يهربون السكر والسكائر من شمال العراق. وكشفت مجلة "النيوزويك" عن أن الأمريكيين هم من قدم المعلومات الاستخباراتية التي أدت لقتلهم.
قبل عشر سنوات أخذت الحكومة على عاتقها تحسين العلاقات مع سورية، ومع العرب عموماً، بعد عشرات السنوات من سياسات التوجه غرباً التي انتهجتها الحكومات السابقة. ووصف "أردوغان" الرئيس السوري بعبارة "أخي بشار الأسد"، وتم تنظيم جلسة مشتركة لمجلس وزراء البلدين في سابقة فريدة. . بعد عشر سنوات هناك وضع غريب؛ فلا هو يتجرأ على دخول الحرب ضد سورية إن لم يحصل على ضمانات من الناتو بمساعدته عسكرياً حتى ينجد إخوانه الجدد بعدما أنهكتهم "الانسحابات التكتيكية"، ولا هو يستطيع العودة إلى فترة العلاقات الحسنة فيخسر كل المكاسب المالية التي حصل عليها أو الموعود بها، ويخسر مكانة "القائد الإقليمي" التي يتشدق بها.
قبل عشر سنوات أعلنت الحكومة عن نيتها كشف كل جرائم الحكومات السابقة، ومحاربة التنظيمات السرية المتغلغلة في المؤسسات الحكومية، وأعلنت عن سلسلة محاكمات في هذا الإطار؛ أرغنكون المطرقة، 12 أيلول، 28 شباط ... الخ. أما الآن فقد أصبحت هذه المحاكمات وسيلة انتقامية، فكل من يتجاوز حدوداً معينة يلفق له ملف ما، ويلحق بإحدى هذه القضايا. وعدد كبير من الصحافيين المعارضين نظمت لهم ملفات، وفبركت لهم أدلة واهية، واقتيدوا إلى السجون حيث يحاكمون بتهمة "الانتماء إلى تنظيم ارهابي"
قبل عشر سنوات بدأت الحكومة بمهاجمة "اسرائيل" على خلفية مجازرها، وخاصة أثناء عدوان غزة، وفي مؤتمر "دافوس" توج "أردوغان" انتقاداته بالانسحاب من الجلسة التي جمعته مع "رابين" في المشهد المشهور. بعد عشر سنوات بلغ حجم تجارته مع كيان الاحتلال 4.5 مليار دولار، واليوم يمر الحجاج الأتراك بالأراضي الفلسطينية المحتلة أثناء ذهابهم إلى مكة المكرمة. بالنسبة لي شخصياً، ولا ألزم أحداً بوجهة نظري، فإن عبور الأراضي التي يحتلها الصهاينة للذهاب إلى الحج هو أشبه بالتوضؤ بمياه الصرف الصحي.

» الأمن التركي يقمع مظاهرة احتجاجية على محاكمة متهمين بمحاولة تنظيم انقلاب ضد حزب العدالة والتنمية....إسرائيل تزود تركيا بمنظومات عسكرية الكت
» شعبية "داعش" تزداد في تركيا على حساب حكومة "العدالة والتنمية"
» انهيار شعبية "العدالة والتنمية" في تركيا.. ومستقبل أردوغان على المحك
» فيصل المقداد : سورية لن تقبل بأي إملاءات .. وحكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا مجموعة من الكاذبين والدجالين
» جوزيف أبو فاضل: هل أصبحت عملية إسقاط النظام في سوريا أولوية قبل تحرير القدس؟ والمناوشات العسكرية بين تركيا وسوريا لم تبدأ لتتوقف