سرطان التطرف ... وعظمة سوريا المسلوبة...بقلم : محمد محفوض

سرطان التطرف ... وعظمة سوريا المسلوبة

خاص "توب نيوز" - محمد محفوض

من يعيش في سوريا ويرى أصداء الأزمة السورية على الشارع السوري بات يدرك بأنه لم يعد هناك مكان في هذا الوطن لما يسمى " الوسط" مع التحفظ على هذا المصطلح ..

فالمواطن السوري إما أن يكون عميلاً إرهابياً مسلحاً أو أن يكون "شبيح – وقاتل"

تسميات بغيضة فرضت نفسها على واقع الحال في سوريا بعد مرور حوالي السنة ونصف السنة على أعتى حرب قد تكون شنت ضد هذا البلد عبر التاريخ والخيط الواصل بين كل هذه المسميات هو : التطرف

فإما أن تكون متطرفاً أو يتم مقاطعتك أو إقصائك أو حتى قتلك !!

لنغير قليلاً المنظار السوري ونضع المنظار العربي ونتأمل:

حالة من التطرف السياسي والديني خصوصاً تنتشر كالنار في الهشيم في أرجاء الوطن العربي فمن المسؤول؟

خارجياً:

خلال الثلاثين سنة الماضية عملت الولايات المتحدة و من خلفها حلفاؤها في هذا الشرق على تغذية النزعة التطرفية للمواطن العربي سالكة في سبيل ذلك طريقين : الحرب العسكرية – و الإعلامية

حيث بدأت الولايات المتحدة سلسلة من الحروب كان للدول الإسلامية النصيب الوافر منها لتنتهي عند أفغانستان والعراق فتكون المحطة الأخيرة في هذه ختام هذه المرحلة ( مرحلة العسكرة).

فكانت هذه المرحلة كافية لإعداد أجيال عربية شابة متطرفة تعمل تحت مفهوم "الجهاد" وتأهيل هذه الأجيال وتدريبها لدى تنظيمات إسلامية متطرفة تتلطى تحت مسمى الجهاد فكان أشهرها "القاعدة"

الحرب الإعلامية وهي المرحلة الثانية على طريق تطريف الفكر و الوعي العربي فأصبحت الآلة الإعلامية بمثابة جرس بافلوف الذي لا يلبث أن يرن في دولة ما حتى تتسابق إليها التنظيمات المتطرفة للقتال ونشر الفكر التطرفي فيها كما نرى الآن في كل من سوريا و ليبيا فمن حراك شعبي يطالب بمطالب ديمقراطية وإصلاحات سياسية إلى حرب طاحنة تسعى لإقامة دول و إمارات إسلامية تطرفية لا مكان فيها لأصحاب الآراء العلمانية و المتوازنة .

حادثة أخرى : الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم والذي كان بمثابة شرارة إعلامية أشعلت المسلمين تطرفاً في الوطن العربي وأدت لنتائج لا تعبر مطلقاً عن الإسلام من تخريب وحرق للأبنية والسفارات الأجنبية.

كل ذلك ترافق مع نقطة غاية في الأهمية وهي أمن اسرائيل: فجرس بافلوف الإعلامي مسموح له أن يرن في كل الدول العربية إلا "اسرائيل" والوعي التطرفي يجب أن يوجه باتجاه العرب وليس ذلك فقط بل وتحويل هذا الوعي عن " اسرائيل " بشكل كلي باتجاه الدولة الأكثر محورية في الشرق الأوسط وهي إيران فأضحت إيران العدو و "اسرائيل " هي الصديق !!

كل ذلك بفضل آلة الإعلام العربي والغربي التي راكمت خلال خمسة عشر عاماً من التطبيع مع اسرائيل مجموعة من المعطيات حولت بها المواطن العربي من صاحب فكر قومي يحارب اسرائيل لصاحب فكر تطرفي وهابي يحارب إيران ومن ورائها من محور المقاومة.

داخلياً:

عملت الأنظمة العربية خلال تلك الفترة على تكريس ثقافة التطرف والانحياز بشكل غير مباشر عبر مؤسسات هذه الأنظمة وإعلامها لنشهد انهيار كافة القيم والمبادئ الإنسانية التي فخر بها الإنسان العربي عبر تاريخه بالإضافة إلى تفشي الجهل والفقر والأمية وعدم محاربتها بالشكل الفعال الذي يتناسب مع مقاييس البيت والأسرة العربية.

الغاية هي واحدة : عدم إعطاء العقل العربي الفرصة لكي يتنفس من جديد ويعود للتفكير وسط ضخ إعلامي رهيب مهمته تغذية التطرف في العقول ضماناً لأمن اسرائيل.

بالعودة إلى سوريا:

كانت سوريا مختلفة عن باقي الدول العربية حيث وصل عقل المواطن السوري لمرحلة لا باس بها من التعقل و تحقيق الحد الأدنى من القبول الاجتماعي والديني للطرف الآخر والذي كان سيقود لقبول سياسي لو سارت الأمور على مايرام.

مرجعية الشام في الفكر الإسلامي كانت تدعو دوماً إلى التعايش و الإقدام على قبول الآخر بمحبة وهي ما لا يناسب حملة التطريف التي تكتسح المنطقة وللأسف بدأنا نرى نتائج هذه الحملة تتفشى كالمرض الذي أخذ يفتك بالجسد السوري فمن يدعم النظام ويسانده أصبح "شبيح " من "عصابات" النظام ومن ينتقد هذا النظام أصبح خائناً بحق " الثورة" ويجب تصفيته بثقافة إقصائية ستستمر لسنوات بعد استتباب الأمن ونهاية الأزمة

ختاماً

لنعي كلنا الخطر الذي نحن فيه فحتى لو كنا في أتون حرب فهذا لا يعني انعدام اللون الرمادي وأصحاب الآراء المتوازنة الذين لا ذنب لهم بما يجري والذين لوحقوا وأقصوا من قبل طرفي النزاع وإنها القوة بحد ذاتها أن نكون قادرين على ممارسة الحياة السياسية ونخلق موالاة وطنية ومعارضة وطنية في ظل حرب كونية تشن على وطننا .... هنا تكمن عظمة سوريا المسلوبة

» يللي بعدوو..!!! بقلم : محمد محفوض
» إضافة نوعية لعنصر المواجهة ...صنافير و تيران ...بقلم: محمد محفوض
» أردوغان... بطل الأوسكار في "المنفخة" خاص "توب نيوز" - محمد محفوض
» جمال عبد الناصر ... يزيده الغياب حضوراً ... ! محمد محفوض
» المالكي … والعودة الموفقة لبلاد الرافدين - محمد محفوض