الجدل في حضرة الشعب والأسد ... بقلم: محمد أحمد

الجدل في حضرة الشعب والأسد ... بقلم: محمد أحمد

بعيداً عن أسباب التفجر المباشرة للأزمة في سورية، والتي غير مجد اليوم البحث فيها الآن، نستطيع القول أن المجتمع السوري كان يتراكم لديه مبررات الوصول لحالة أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة .

ولسنا بحاجة إلى المزيد من التوضيح للقول بأن حالة الأزمة كانت تزداد حضوراً وبتناسب طردي، على خلفية زيادة تآكل حجم الطبقة الوسطى السورية، لصالح زيادة حجم الطبقات الأكثر فقراً، بل والمعدومة والمهمشة.

زيادة حجم الطبقات المعدومة والمهمشة على حساب الطبقة الوسطى، سببتها بشكل رئيسي الإنسحاب القسري المفتعل وغير المبرر للدولة من القطاعات الاقتصادية والخدمية وإن كان غير معلن، وبالتالي فقدان الشرائح الشعبية وبشكل تدريجي الأداة الضامنة لتامين احتياجاتهم الأساسية بكرامة .

تراجع الدور الاقتصادي والاجتماعي، التوجيهي أو المباشر، خططت له ونفذته تحالف كبار التجار مع كبار المسؤولين البيروقراطيين في الدولة وذلك عبر آليات من الفساد والإفساد.

التحالف السابق ضرب مرتكزات بناء دولة الشعب، إن بشكل قانوني وبما يتعارض مع الدستور آنذاك والذي كان يقول بإقتصاد إشتراكي، أو عبر الإلتفاف على قوانين البلاد وتفريغها لصالح كبار الناهبين.

تدريجيا كانت الشرائح الشعبية تفقد الأمان الاقتصادي والإجتماعي والسياسي، وصولاً إلى فقدانها الأمن بمفهومه الضيق، من خلال زيادة المساحات لقيم وأخلاقيات وسلوكيات الشرائح المتطرفة، ونقصد المعدومين وكبار الناهبين.

تفجرت الأزمة..

فماذا كانت النتيجة ؟

كبار الناهبين اعضاء التحالف المذكور، يستغلون ضحيتهم(شرائح المعدومين)، لتحقيق هدف واحد: القضاء نهائيا على مرتكزات دولة الشعب، وقطع الطريق أمام أي إصلاح أو تغيير حقيقي يعيد للشرائح الشعبية الواسعة درجة الامان التي تسبب هؤلاء أصلاً بعدم إفساح المجال لزيادتها، حيث انه بتحقيق ذلك تتوفر الارضية لزيادة مساحات حرية الرأي والتعبير البناءة الحقيقية، وهي أعظم وأخطر أداة على الفاسدين .

ولكن كيف يستغل كبار الناهبين شرائح المعدومين مرة أخرى ؟

إن ذلك يتطلب ثقافة تسلطية غيبية غاشمة بمضمونها، يلعبها وسيط بالضرورة غير نزيه وغير أخلاقي، مهمته منع الضحية من التفكير المنطقي والتقييم الواقعي للأحداث، يفعل ذلك اليوم في سورية الفاسدين والمنافقين وعديمي القيم من رجال الدين، ويعاونهم سماسرة السياسة الجدد الذي لا يهمهم سوى العمولة، ادوارا أو دولارات أو الإثنين معا .

.. هل يمكن ان يتحقق ذلك في سورية ؟

بعد كل هذه الأيام والأشهر من عمر الأزمة، نستطيع القول وبدرجة كبيرة من الثقة أن المجتمع السوري ما زال لديه من المناعة تكفي لمنع تحقيق تلك الكارثة.

ولكن..ما هي المقومات الداخلية التي يعتمدها السوريون في الإستمرار بالمواجهة ؟

الوعي الجمعي للسوريين المستند إلى قيم حضارية وثقافية تستند إلى تجارب وممارسات اقتصادية واجتماعية وسياسية سابقة وفي الوقت الحاضر.

فالسوريون ذاكرتهم ليست مثقوبة، فهم لم ينسوا قيم الانحطاط والتخلف والظلامية التي ترافقت مع الإستبداد العثماني القديم، فكيف لهم أن يسمحوا لـ "العثماني الجديد" بخداعهم.

السوريون لا يزالون مقتنعون بمأثرة يوسف العظمة، فهو الذي أعطى درساً في تحطيم التبرير للرضوخ، وأسس لثقافة المقاومة، فكان صالح العلي، وهنانو، والاطرش، والاشمر، وغيرهم الكثير ممن أسسوا جيل النضال بلا هوادة حتى جلاء الفرنسيين.

السوريون ذاكرتهم حية، ولم ينسوا بعد أحداث الخمسينات، والستينات، والسبعينات، والثمانينات، فأفعال الملوك والأمراء والرجعيات العربية التآمرية ما تزال حاضرة وأعمال الإخوان والمتشددين ما تزال مستنكرة عند الغالبية العظمى من السوريين وإلى هذه اللحظة، وكذلك أفعال الأصدقاء والأعداء من دول العالم مازالت في الذاكرة الاجتماعية والسياسية، وحرب تشرين ليس بالمثال الوحيد.

بالملموس ؟

الشعب السوري بغالبته، وبما يمثله من قوى مجتمعية، آماله وطموحاته وميوله تنصب بالاتجاه الصحيح في كيفية الإستفادة من التراكمات المجتمعية الكمية لإدراك تحول نوعي يحقق له خطوة إلى الأمام.

يمكن القول اليوم أن الموقف الملموس لغالبية السوريين منصب باتجاه تطوير مقومات الدولة الوطنية الجامعة، لأن تكون أكثر تشاركية وأكثر عدلا للجميع.

مواقف السوريين يعني تفويت الفرصة على قوى الظلام والتخلف والتقهقر في الداخل والخارج عبيد الطغم المالية المحلية واسيادهم في العالم ومحفلهم الرئيسي "الآيباك" مركز الصهيونية العالمية في أمريكا، بتحقيق حلمهم بالقضاء على مقومات الدولة.

بالملموس؛ السوريون لديهم الفرصة التاريخية لأن يكونوا المثال على تطور تحقق بإعتباره تغيير جذري يمس كافة الجوانب الداخلية والخارجية للمجتمع وفي مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

بتفصيل آخر؛ السوريون لم يخدعوا، بما حصل لبعض جيرانهم، بأن يكون التغيير لديهم مجرد تغيير سطحي للأشياء، أو أنه تغيير يسمح بتراجع تقهقري للمجتمع، رمزه اليوم الإسلاميون المتشددون.

أين الرئيس الأسد ؟

عندما يقرأ ويدرك الرئيس الأسد حركة الشرائح الشعبية الواسعة وإرادته الحرة وتطلعاته المشروعة نحو التغيير المطلوب، فهذا شرط لازم لأن يكون ممن سيذكرهم التاريخ كمثال على دور القائد في المنعطفات الحاسمة وسرعة إدراك التغيير.

وعندما يساهم الرئيس الأسد مع الشرائح الشعبية الواسعة بتحقيق طموحها بالتغيير المنشود، غير مكترث بمعوقات الفاسدين وأسيادهم في العالم، موجها وداعما وراسما المسار للقوى المجتمعية باتجاه التغيير الحقيقي، نحو سورية جديدة نموذج للدولة الوطنية في ظروف ما بعد العولمة، الدولة الجامعة التعددية التشاركية الاكثر عدلا الاكثر ضمانا لكرامة الوطن والمواطن، والأكثر انفتاحا على القيم الإنسانية، عند ذلك يكون قد حقق الرئيس الأسد الشرط الكافي لان يكون المثال على دور الفرد، دور القائد في التاريخ، وحكماً بشكل إيجابي.

» بين التابع و المتبوع ... بقلم : محمد أحمد
» لن تضبط الحدود في زمن التغيير ... بقلم : محمد أحمد
» المعارضة والسلطة في سورية -1- بقلم: محمد أحمد
» اسباب نجاح الابراهيمي مولدات الموجه الخضراء ...بقلم : محمد أحمد
» أوباما الأول والأسد الثاني .. وأوباما الثاني والأسد الثالث ...‎بقلم: نارام سرجون‎