من أنتج ثقافة الضباع؟

من أنتج ثقافة الضباع؟

12 ديسمبر 2014

نبيه البرجي

على شاشة الـMBC حلقة من البرنامج الساخر «احلى ما طاش» الذي يبدو انه حل محل برنامج «طاش ما طاش». عائلة فقيرة الحال مؤلفة من رجلين واربع نساء يرتدين النقاب، وهن مجللات بالسواد دون ان يظهر منهن اي شيء يوحي بكونهن مخلوقات بشرية…
العائلة تستقل سيارة جيب هرمة تعكس وضعها المادي و الاجتماعي، وعلى سطح السيارة اشياء واشياء لنعرف انها تبغي التنزه على الشاطىء..
الرجلان يفترشان الارض على مسافة من النسوة، اللواتي تم «وضعهن» في ظل السيارة كي لا يتلصص عليهن احد(اي معتوه يمكن ان يتلصص في هذه الحال؟).
احد الرجلين يكتشف ان ثمة اشخاصا على بعد نحو مائتي متر، فيتم نقل النسوة الى الجهة الثانية من السيارة ليتبين ان هناك اشخاصا على بعد مماثل تقريبا.
مشكلة وينبغي حلها. يحاول الرجلان تغيير وضع السيارة دون طائل لان ثمة رجالاً يبدون في الافق، او في عرض البحر، او على سطح المريخ، فلا يجدان سبيلاً سوى اعادة النسوة الى السيارة حيث قبعن لساعات، وهن يتنزهن على مقاعدهن، فيما كان الرجلان يتمتعان بالنسيم العليل…
هذه حالة من ملايين الحالات، بل ان المشهد احد التجليات الكبرى لتلك الثقافة الدينية الشائعة الآن، فهل ثمة من يسأل من اين اتى ذلك الرجل الذي يدعى اسامة بن لادن، او من اين اتى ابو بكر البغدادي وبين الرجلين ابو مصعب الزرقاوي، فيما احد رجال الدين يعتبر القمر ذكراً ويحرّم على المرآة رؤيته او السير في ليلة مقمرة. البحر ذكر ايضا. حتى الآن لم تصدر الفتوى التي ترى في الهواء رجلا ايضا لكي يتم منع النساء من التنفس.
تريدون واقعة اخرى. اخذنا من صحيفة في دولة عربية كبرى هذا الخبر: رجل يخاطب شيخا بالقول «انا اعمل في رقابة المطبوعات، واحيانا اقرأ رواية فيها حديث عن امرأة سافرت من دون محرم، فهل انا آثم و ينبغي علي ترك العمل؟».
الشيخ يرد «عليك ان تتصل بكاتب الرواية، وتغيير الجملة الى امرأة ومعها محرم، او يضيف «آثمة وتلعنها الملائكة». واذا لم يستجب فعليك ان تستقيل لان اجرك حرام من هذا العمل المخالف للشرع».
الواقعة مأخوذة من الواقع لا من الشاشة، ودون ان يأبه احد بتساؤل محمد اركون: لماذا يفترض بنا ان نقرأ النص بعيني الذئب او بعيني المهرج؟ اي رجل يكون حين تكون المرأة عاهة بشرية. ايضا عاهة ايديولوجية…
هل ترانا نعتب على الفيلسوف الفرنسي (اليهودي) آلان فينكلكروت الذي لا نستسيغ افكاره بأي حال بالرغم من اسلوبه الشيق، في قوله «حين ترى مخلوقات العصر الحجري ذلك الطراز من الناس لا بد ان تصاب بالذهول لان ثمة من سبقها الى هذا الكون».
في مقالة اخرى وصفنا فينكلكروت بـ«مجتمعات الف ليلة وليلة»، اما التكنولوجيا عندنا «فتقتصر على ساقي شهرزاد».
ولكن بعدما اطلعنا على تقرير مجلس الشيوخ الاميركي حول اصناف التعذيب التي مارستها وكالة الاستخبارات المركزية بحق سجناء غوانتنامو، نتساوى في ثقافة (ما قبل) العصر الحجري مع السادة (سادتنا) الاميركيين، كما لو ان الولايات المتحدة بحمايتها الدول الاوليغارشية، والقبلية، والمغلقة، ليست مسؤولة عن انتاج ذلك النوع من المجانين الذين هم، بشكل او بآخر، ضحايا تلك الصفقة بين القياصرة وشيوخ القبائل…
نستعيد هذا القول للكاتب الاميركي الفذ جون شتاينبك، صاحب «عناقيد الغضب» «هؤلاء الذي منعوا الله من ان يحل في قلوبنا كما هو الله». داخل الامبراطورية كما داخل القبيلة، وهنا الموازاة بين منطق السوق ومنطق البداوة، ثمة «من يلعب ضد الله»، كما كتب شتاينبك ايضا…
أليست هذه حال الاسرائيليين؟ هل كان زياد ابو عين يحمل بندقية ام ساطورا حين قتلوه خنقا، واختناقا؟ لمن يعرف الرجل يقول ان سلاحه الوحيد هو القلب، القلب الفلسطيني الذي يتقن لغة الوردة ولغة اللقلاق. القلب الذي قال محمود درويش انه يصل الى… اقاصي الهديل.
كلنا تحت مظلة التوراة. مثلما سحقت بنصوصها، بل باسنانها، الانجيل، ها هي تسحق القرآن. جون كيري هو الذي تحدث عن حلف مقدس بين العرب و اسرائيل لمواجهة «داعش» كما لو انه لا يدري ما هي الظروف التي انتجت هذا التنظيم البربري، وهي جاهزة لانتاج ما هو اكثر بربري منه اذا لم يكن هناك العقل الكبير، والوعي الكبير، الذي يعيد هيكلة المجتمعات التي هي في منزلة بين المنزلتين (الاغنام او الغنائم).حاولوا تفكيك بعض الانظمة لتدركوا على اي مستنقع نطفو بعباءاتنا المرصعة…
بعيدا عن اي مقاربة لاهوتية للمسألة، لنتوقف عند اولئك المفكرين المسيحيين الذين لاحظوا الفارق الشاسع بين اهوال التوراة ورهافة الانجيل. حتى ان باروخ سبينوزا، الفيلسوف اليهودي الشهير، لاحظ كيف ان السكاكين لا تزال تعمل في جسد السيد المسيح….
نسأل: من انتج ثقافة الضباع؟ عودوا الى خطبة الوداع لدوايت ايزنهاور الذي حذر من الكونسورتيوم المالي-الصناعي، حتى بشقه الايديولوجي، ثم تأملوا في احوالنا كبراميل بشرية تتدحرج على ارصفة وول ستريت وروتردام. لا تنسوا، من فضلكم، لاس فيغاس ومشتقاتها…
الديار

» النمر يدخل وكر الضباع.. بعد مورك العين على ريف إدلب الجنوبي
» الاندبندنت: هل بامكان مليارات قطر ان تصنع ثقافة لها؟
» شركة «دولة قطر» وتسويق ثقافة «داعش»!
» المفتي حسون يحذر من انتشار ثقافة " مفتاح الجنة " في البيوت و المساجد
» مركز البحرين لحقوق الإنسان يحمل ملك البحرين مسؤولية انتشار ثقافة الإفلات من العقاب