هل يبدأ حلفاء دمشق باستنهاض حركات التحرر العربية والعالمية ؟ احمد زين الدين

هل يبدأ حلفاء دمشق باستنهاض حركات التحرر العربية والعالمية؟ ...أحمد زين الدين

يشبّه جنرال مصري متقاعد ما تمرّ به سورية الآن بما مرت به مصر إبان العدوان الثلاثي عام 1956؛ حينما هاجمتها بريطانيا التي كانت تُنازع من أجل البقاء كإمبراطورية عظمى، وفرنسا المأزومة المهزومة،
والكيان الصهيوني الذي كان مرّ على اغتصابه فلسطين ثماني سنوات بتواطؤ غربي - عربي قل نظيره في التاريخ، لكن يومها في ظل صمود مصر - عبد الناصر وإنذار الرئيس السوفياتي بولغانين دول العدوان، تدخلت الولايات المتحدة ورئيسها ايزنهاور لثلاثة أسباب:

أولها: إنهاء دور بريطانيا كقوة عظمى، وإعلام فرنسا أن دورها قد انتهى، وأن القوة الأميركية الصاعدة هي قائدة الاستعمار الجديد.

وثانيها: الخشية من أن ينفذ الدب الروسي تهديده، وبالتالي يتقدم إلى المنطقة ويصبح السيد العالمي الجديد.

وثالثها: الحرص على دور الكيان الصهيوني، وجعله قاعدته المتقدمة لحماية المشيخات وآبار النفط، التي بدأت الشركات الأميركية تستغلها بمفردها، ولحسابها.

الفارق هذه المرة، كما يقول الجنرال المصري الذي عاصر العدوان الثلاثي، أنه ليس هناك بولغانين ولا اتحاد سوفياتي، وإن كانت موسكو وبكين أظهرتا الكثير من الصلابة في الوقوف إلى جانب دمشق، بالإضافة طبعاً إلى القوة الآسيوية والإسلامية الصاعدة إيران، التي تجهر بدعمها وانحيازها إلى سورية.

ثمة حقيقة هنا يذكرها هذا المصري المخضرم، وهي أن الإمبريالية الأميركية، وسيطرة الوهابية على نجد والحجاز من خلال آل سعود، وفرض الهيمنة على الخليج بعد حروب صدام حسين العبثية على إيران والكويت، قد حرفوا الصراع، من خلال تشويه مبادئ الإسلام، وتشكيل فرق التكفير والتطرف، التي في ظلها كان الانحراف في أشكاله المختلفة التي يعددها على النحو الآتي:

- إخراج مصر من عملية الصراع العربي - "الإسرائيلي"، من خلال الانقلاب الذي قاده السادات عام 1971 على الناصرية، وتحالفه مع "الإخوان" وجماعات تكفيرية، وإعلانه قيام دولة "العلم والإيمان"، التي فرطت بانتصار أكتوبر 1973، ثم زيارة القدس المحتلة عام 1977 وتوقيعه اتفاقية كامب دايفيد عام 1979، التي أنهت دور مصر في عملية الصراع، وجعلتها حليفة لواشنطن وتل أبيب.

- تقدّم آل سعود في نجد والحجاز بمعتقداتهم الوهابية، في ظل طفرة نفطية هائلة، أمكن توظيف قسم ضئيل من عائداتها لنشر أفكارهم، حيث بدأت تطل الأفكار الظلامية والتكفيرية التي أخذت تكفّر كل من لا يعتقد بمفاهيمهم.. كما أخذت "المكرمات" السعودية تلقي بثقلها على نخب ومجموعات ثقافية وفكرية قومية ويسارية وجهادية، ووسط هذا الدفق كان الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، والذي ترافق مع مبادرة السلام السعودية مع "إسرائيل" في قمة فاس عام 1981، والتي تكرست في قمة دار البيضاء عام 1982.

- وجراء الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، انطلقت المقاومة اللبنانية التي شكلت حدثاً نوعياً في حياة الأمة، خصوصاً أنها حققت انتصارات باهرة في مجرى كفاحها، إلا أن المفارقة هنا كانت أيضاً في مبادرة السلام العربية التي طرحتها السعودية في قمة بيروت في آذار 2002، والتي كان من أهم إنجازاتها الغزو الأميركي للعراق في نيسان 2003، والذي تبين أنه حصل بتواطؤ عربي - وغربي فظيع، لتعتقد واشنطن بعدها أن المنطقة ــ لا بل العالم ــ أصبح ملعباً لها وحدها، فكانت شروط كولن باولن التي حملها للأسد، والتي قوبلت بالرفض وما يشبه الطرد للمسؤول الأميركي.

- بعدها كانت سلسلة التطورات؛ من اغتيال رفيق الحريري، إلى حرب تموز 2006، إلى الحرب على غزة في نهاية 2008 وبداية 2009.. كلها تبين فيها أن مركز قوتها وصمودها وانتصاراتها ينطلق من دمشق، فكانت الخطة الجهنمية باستهداف قلب العروبة النابض بمخطط وُضع منذ بدايات العام 2001 في دوائر البنتاغون الأميركي والـ"سي آي إيه".

وكما يؤكد هذا الجنرال المصري المخضرم، فإن كل المنطقة العربية المرشحة لأكثر من سايكس – بيكو جديد، لاسيما أن التورط الأميركي - الغربي - التركي - الخليجي في الحرب العالمية على سورية بلغ مداه، وبدأ يستنفد قدراته وهوامشه المتاحة، وأفرز الحراك الدولي حول سورية وضدها طوال 18 شهراً واقعاً جديداً، وهو أن سورية بصمودها أسقطت كل ما يجري فيها وحولها من مؤامرات، ما يعني أن ثمة مرحلة جديدة بدأت قد تكتنفها الكثير من المواجهات، وأن الغرب الذي اندفع بضخ المسلحين بدأ بمراجعة حساباته، حيث تشير المعلومات إلى أن اللقاء الأميركي - التركي في أنقرة تخلله بحث معمق في كيفية الحد من انتقال النار السورية إلى دول الجوار السوري، خصوصاً أن تركيا هي من أول الدول المرشحة لانتقال العدوى.

ثمة حقيقة هنا أجمع عليها خبراء ومتابعون للتطورات السورية، وهي أن دمشق أدركت تماماً النوايا الخبيثة للغرب والتركي ومشيختيْ قطر والسعودية، بإشعال حروب واسعة ومنتقلة في مختلف الأرجاء السورية، فكانت مسألة توريد القاعدة وكافة الأصوليات إلى سورية، واستخدامها بعمليات مركبة عبر أتون نار يشعل الجميع، ويؤدي إلى ضرب المكون السوري، وهذا ما أشارت إليه وسائل إعلام فرنسية، عبر تصدير أكثر من عشرة آلاف مقاتل من القاعدة من جنسيات عربية وآسيوية وغربية وأفريقية، حتى أن مسؤولاً كبيراً في حلف الأطلسي أبلغ هيثم المناع بتصدير أكثر من 1600 مقاتل من القاعدة من أشرس المقاتلين للتخريب والقتال في سورية، لكن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر، إذ تمكنت القيادة السورية من مواجهة المشروع الجهنمي، وأفشلت مشروع تفتيت سورية، كما أفشلت نقطة الانهيار التي أرادوها في تفجير دمشق، والتي اعتُبرت نقطة للارتكاز لانطلاق المشروع الغربي – التركي – الخليجي، فكانت معركة دمشق وريفها التي يمكن القول إنها حُسمت في سرعة قياسية لم تتجاوز الـ48 ساعة، وإن ظلت لبعض الوقت بؤر التوتر هنا وهناك.

ثم كانت معركة حلب وريفها بسبب تداخلها التاريخي مع الجوار التركي، والتي تشهد الآن معاركها النهائية بتحقيق انتصارات نوعية للقوات المسلحة السورية، ويجمع الخبراء والاستراتيجيون على أن الأسد فوّت على الحلف الجهنمي فرصة ضرب حلب وفصلها عن ريفها، وإيجاد منطقة عازلة كانت تريدها تركيا.

ثمة حقيقة أخيرة هنا، وهي أن سورية تتقدم في المواجهة والانتصار، وهنا قد تشكل المبادرة الإيرانية بشأن حل الأزمة السورية فرصة نادرة لخروج واشنطن وتركيا من المآزق، بعد أن أخذوا يتأكدون أن مشروعهم سقط، وبالتالي فهم يبحثون عمن ينزلهم عن شجرة أعمالهم السيئة، وكما صار معروفاً، فإن المبادرة الإيرانية ترتكز على ضرورة الحوار، وأن الرئيس الأسد خارج أي بحث، مع قابلية البحث عبر حل سياسي من خلال حكومة وحدة وطنية أو مؤتمر وطني، أو انتخابات تشريعية جديدة.

بأي حال، الحرب على سورية لم تنته بعد، لكنها حتماً آيلة إلى السقوط، ويتأكد ذلك من خلال سعي الدول المتورطة في الحرب على سورية إلى ترميم معنويات العصابات المسلحة وسلسلة الشائعات والأكاذيب التي أصبحت مكشوفة ومفضوحة، كما أشار روبرت فيسك الذي فضح تركيبة العصابات المسلحة وإجرامها، ومدى عزلتها عن الشعب السوري، مبيناً كم أن الجيش السوري محتضَن من الناس، ولا يرون الخلاص إلا من خلاله.
سورية الان - الثبات

» حلفاء دمشق قرّروا القتال انطلاقاً من الساحة السوريّة فماذا عن حلفاء
» مهمة أنان تبلغ "الشيخوخة " المبركة ..خطة جديدة لتخريب سورية ...احمد زين الدين
» هل ينهض حلفاء سورية لبدء الهجوم المضاد؟ ..أحمد زين الدين
» سورية تصنع مستقبل النظام العالمي الجديد - احمد زين الدين
» عرب وغرب وأتراك اهتزت عروشهم بانتصارات سورية...احمد زين الدين