هل من يالطا سورية جديدة ؟ - غالب قنديل

هل من يالطا سورية جديدة ؟

هل من يالطا سورية جديدة ؟
14/02/5

غالب قنديل
يميل العديد من الكتاب والمحللين لاستعارة تعبيرات من مراحل سابقة لتوصيف الواقع الراهن في العلاقات الدولية وهو أمر بديهي يعكس ميل العقل التحليلي التبسيطي للمقارنة والاستنباط .
رغم وجوه التشابه ثمة فوارق شاسعة بين المرحلة الراهنة من الصراع العالمي والمرحلة التي أعقبت الحرب الكونية الثانية وأدت إلى تقاسم النفوذ وفقا لما عرف باتفاقية يالطا التي كرست خطوط النفوذ والصراع بين معسكري الغرب بقيادة الولايات المتحدة والمعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفيتي .
أولا من المبكر في المراحل الانتقالية كالتي نجتازها راهنا التسرع في استخلاص قوانين الصراع التي تؤسس لحقبة زمنية غير قصيرة من العلاقات والتناقضات على الصعيد الدولي فالمؤشرات المتوافرة تدلل على أن عملية الانتقال إلى وضع دولي جديد ما تزال في بدايتها بعد سقوط الهيمنة الأحادية للإمبراطورية الأميركية التي تسيدت المعادلات الدولية لأكثر من ربع قرن مضى .
الدراسة العلمية لمسار الأحداث وتوازناتها هي الطريق لرسم معالم الحقبة الجديدة وطابعها العام وخصوصياتها وإذا كان في ظاهر التحولات أن الصراع العالمي يتبلور بين قطبين في الوضع الانتقالي الراهن كما جرى في يالطا وإن كانت كل من روسيا والولايات المتحدة تظهر على رأس حلف عالمي إلا ان كثيرا من الفوارق عن التجربة السابقة تفرض ذاتها على أي بحث علمي وتاريخي أولها وأهمها هي ان خطوط التماس التي رسمت خرائط النفوذ بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية كانت واضحة ومحددة وهي بالذات خطوط انتشار الجيش الأحمر السوفيتي وجيوش الغرب بقيادة الولايات المتحدة في الجهة المقابلة وهذا لاينطبق على خطوط الاشتباك والصراع المتداخلة راهنا ويكفي إلقاء نظرة على الأوضاع في العديد من الجمهوريات السوفيتية السابقة التي تغلغل فيها النفوذ الأميركي والأطلسي وتسعى روسيا لاستردادها إلى دوائر نفوذها وهو ما ينطبق أيضا على دول أوروبا الشرقية السلافية والأرثوذكسية التي جرى ضمها إلى الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي بينما تعتبرها موسكو مناطق نفوذ تقليدية يعود ارتباطها بروسيا إلى زمن القيصرية.
ثانيا إن أزمات متفجرة في العلاقات الروسية الأميركية كسوريا وأوكرانيا والدرع الصاروخي الأوروبي وكرة النار الكامنة في جورجيا وفي عدد من الجمهوريات الآسيوية التي كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي وامتدت إليها في السنوات الماضية يد الولايات المتحدة وشركاتها النفطية هي مؤشر على صراع نفوذ في قلب الصحن الروسي لم يحسم بعد .
شكل مؤتمر الأمن في ميونيخ دليلا صارخا على ان الاتصالات الروسية الأميركية لم تصل إلى درجة تكريس صيغة واضحة لتقاسم النفوذ الدولي فقد أظهرت الولايات المتحدة درجة عالية من الاستفزاز والعنجهية في جميع خطوط الصراع المتشابكة والمتداخلة ولم تتبدى ملامح تدل على تفاهمات منجزة في العديد من القضايا الخلافية خصوصا موضوعي الدرع الصاروخي والأزمة الأوكرانية.
يقينا إن الاتصالات الروسية الأميركية ما تزال عند نقطة تثبيت مبدأ وحيد هو عدم السماح بتحول أي صراع إقليمي أو محلي إلى مواجهة عسكرية شاملة وبالتالي العودة إلى المساكنة داخل مجلس الأمن الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة واستخدامها كأداة لمنع اندلاع مواجهات كبرى ولاحتواء تدهور النزاعات والحروب عبر التسويات الممكنة.
هذا التفاهم قاد عمليا إلى تراجع إدارة اوباما عن قرار العدوان على سوريا وأدى لسحب الأسطول الأميركي من شرق المتوسط وهو ما أدى كذلك إلى توقيع اتفاق النووي الإيراني وبعدما ظهر بقوة ثبات سوريا وإيران والمقاومة واستعداد روسيا لدعم حلفائها حال تصميم الولايات المتحدة على تنفيذ تهديداتها وهو ما دفع جون كيري للقول في وجه الاعتراضين السعودي والإسرائيلي إن بديل تسويتي الكيماوي السوري والنووي الإيراني كان حربا شاملة في الشرق الأوسط ليست الولايات المتحدة جاهزة لها أو قادرة على حمل تبعاتها .
ثالثا المرحلة التي تتبلور ملامحها في العالم تتسم بتعددية قطبية ما تزال في طريق التكون ولا يمكن اختزالها حصريا بالثنائية الأميركية الروسية وسوف يتحتم على الولايات المتحدة مراقبة التمايزات داخل المجموعة الأوروبية خلال الفترة المقبلة في حال استطاعت روسيا فرض نواة مشروعها الأوراسي الذي يستهوي ألمانيا القوة الاوروبية الصاعدة كما سيكون عليها متابعة الصعود الصيني المتسارع بعدما قررت بيجينغ تعجيل خططها الطموحة عسكريا واقتصاديا وتأهبها لمنازلة الإمبراطورية الأميركية في كل من أفريقيا والباسيفيك بينما يتوقع أن تحجز إيران مقعدا بين الأقطاب بقوتها الاقتصادية والعسكرية الفاعلة في منطقة حساسة ومهمة للاقتصاد العالمي في حين تبرهن الأحداث أكثر فأكثر على فشل مراهنة هنري كيسنجر على تفكيك منظمة شانغهاي ومحاصرة مجموعة البريكس بل إن المسار الواقعي استراتيجيا معاكس تماما لتوقعاته .
الولايات المتحدة المثقلة بهزائمها وأزمتها الاقتصادية الخانقة تسابق الزمن لحماية ما يمكن الاحتفاظ به من مواقع النفوذ المتحولة والمحاصرة بينما تعمل روسيا مع شركائها بعيدا عن الصخب ، لتثبيت المعادلات الجديدة .
المرحلة الانتقالية ستمتد لفترة زمنية غير قليلة وهي تنطوي على احتمالات نشوب نزاعات داخلية وإقليمية في العديد من مناطق الصراع العالمي على النفوذ وهو صراع يتجه ليكون على شكل حرب باردة جديدة متداخلة الجبهات ويصعب التنبؤ المسبق بما سوف تسفر عنه من معادلات لكن الأكيد ان يالطا هي المثال الأبعد عن صورة الواقع الدولي الجديد .
الشرق الجديد

» مرحلة جديدة في مصر : غالب قنديل
» أوهام جديدة تسقط من حلب... غالب قنديل
» يدعمون القاعدة في سورية ...غالب قنديل
» سورية و الإرهاب التكفيري - غالب قنديل
» الدولة اليهودية و سورية – غالب قنديل