مخاوف من تصعيد خطير يسبق "جنيف 2" ...طارق ترشيشي

مخاوف من تصعيد خطير يسبق "جنيف 2" ...طارق ترشيشي

في الأيام الفاصلة عن موعد انعقاد مؤتمر «جنيف ـ 2» وفي الأيام التي تليه ستزدحم المشاهد السياسية والعسكرية بتطوّرات في منتهى الأهمّية، سواءٌ في مجال التصعيد العسكري الميداني مع سوريا، أو في مجال إعادة التحالفات السياسية الإقليمية والدولية.

في الميدان، يتسابق النظام السوري مع معارضيه المسلّحين والجهات الداعمة لهم إلى تصعيد يحاول كلّ طرف تحقيق مكاسب تمكّنه من تحسين موقعه التفاوضي في "جنيف ـ 2"، بل إنّ كلّ فريق يحاول توجيه رسائل إلى أكثر من طرف محلّي وعربي ودولي.

وبعض المراقبين يعتقدون أنّ قصف الطيران الحربي السوري بعضَ أحياء حلب التي يسيطر عليها المسلّحون ليس عملاً عسكريّاً مباشراً ضدّ هؤلاء المسلّحين فحسب، بل هو رسالة سياسية لهم ولمن يقف وراءَهم مفادُها أنّ أنقرة قد بدأت رحلة التراجع عن مواقفها السابقة من الأزمة السورية، وأنّ وعودها للمعارضين المسلّحين بالتصدّي للطيران الحربي السوري قد تبخّرت أمام الحقائق السياسية الجديدة في المنطقة.

والأمر نفسه ينطبق على المعارك الدائرة في دير الزور، فبعدما أوحت المعارضة أنّ المدينة الواقعة في الشمال الشرقي السوري قد باتت تحت سيطرتها، فوجئ المتابعون للشأن السوري باستمرار احتدام المعارك داخل هذه المدينة، بين أحياء يسيطر عليها الجيش السوري وأخرى يسيطر عليها المسلّحون المعارضون، لا بل إنّ الجيش السوري بات يتقدّم لاستعادة السيطرة على بعض حقول النفط والغاز في تلك المنطقة.

وما يقال على الصعيد الميداني كثير وكثير، لكن بات واضحاً أنّ النظام قد نجح في تصوير معركته ضد المسلّحين بأنّها واحدة من أبرز جبهات مكافحة الإرهاب وأهمّها، الى درجةٍ بات ممكناً فيها لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التأكيد في وضوح أنّ مؤتمر "جنيف ـ 2" سيركّز على سُبل مكافحة الإرهاب، بما يعني أنّه سيعطي هذا الأمر الأولوية على كلّ القضايا المتعلقة بالمرحلة الانتقالية. وهذا ما كشفه مسؤول في الائتلاف المعارض حين تحدّث عن تسريبات غربية تتحدّث عن بقاء الرئيس بشّار الأسد الى ما بعد سنة 2014. في وقت لم يعد الحديث عن تنحّيه وارداً في خطابات الجهات الغربية والإقليمية، وحتى العربية المناهضة للنظام السوري.

من جهة أخرى فإنّ الأنظار كلّها شاخصة الآن إلى المملكة العربية السعودية، حيث تحمل الأنباء الواردة منها أنّها تبحث في مجموعة مقترحات حول سُبل التعاطي مع الملفّين السوري والايراني، وذلك في ضوء توتّر العلاقات بينها وبين واشنطن التي تجاهلت المواقف والمصالح السعودية في ما اتّفقت عليه مع موسكو، وكذلك في ضوء التطوّرات التي نجمت من الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية، وقبله الاتفاق على تفكيك ترسانة السلاح الكيماوي السوري، وما تلاه من انفتاح بين واشنطن وطهران، ثم إبداء الأخيرة استعدادها للانفتاح على دول الخليج العربي وفي مقدّمها السعودية، الأمر الذي لم يلقَ أيّ ردّ بعد.

وفي خِضمّ هذه التطوّرات عاد موضوع تأليف حكومة لبنانية جديدة تتمكّن من مواجهة التطوّرات الإقليمية والإشراف على إنجاز الاستحقاق الرئاسي، إلى المربّع الأوّل، إذ سقط مشروع حكومة 9+9+6 الذي اقترحته قوى 8 آذار، لأنّ قوى 14 آذار رفضته مقترِحةً حكومةً لا تضمّ حزبيّين، في وقت تجدّدت الاحداث الامنية مستهدفةً الجيش اللبناني بغيةَ إسقاطه كمؤسّسة كانت ولا تزال الضامنة للسلم الأهلي والمانعة إدخال البلاد في الفوضى والفتن.

ولكنّ فريقاً من السياسيّين كان ولا يزال يراهن على حصول تقارب سعودي ـ إيراني في لحظة ما قد ينعكس إيجاباً على لبنان ويدفع الأطراف السياسية الى الاتّفاق على حكومة جامعة، علماً أنّه ليس مستبعداً احتمال تأليف المعنيّين حكومةً تكون بمثابة تشكيلة 9+9+6 مموّهة قبل 25 آذار المقبل موعد دخول لبنان في مهلة الستّين يوماً الدستورية لانتخاب رئيس جمهورية جديد، بحيث تضمّ أسماءً قد لا يرفضها الفريقان المتنازعان، خصوصاً أنّ عمرها ينتهي بمجرّد إنجاز الاستحقاق الرئاسي.

لكن قد تكون دون هذه الخطوة محاذير، إذ قد لا تستطيع حكومة كهذه المثول امام مجلس النواب لنيل ثقته، خصوصاً إذا دعا رئيس المجلس نبيه برّي الى جلسة لإنتخاب رئيس الجمهورية في بداية مهلة الستّين يوماً، حيث يتحوّل المجلس عندها هيئةً ناخبة ولا يستطيع التشريع في هذه الحال. وكذلك وفي حال مثولها امام المجلس وعدم نيلِها الثقة فإنّه سيتعيّن إجراء مشاورات تكليف وتأليف جديدة، ما يُبقي البلاد في فراغ حكومي قد يضاف إليه فراغ رئاسيّ إذا لم يُتّفق على رئيس جديد يتولّى مقاليد الرئاسة في 26 أيّار المقبل.

وبغضّ النظر عن دقّة هذه التحليلات أو صوابيتها، فمن الواضح أنّ لبنان مثل سوريا، قد يشهد في الأسابيع المقبلة تصعيداً أمنيّاً خطيراً لا يمكن مواجهته إلّا عبر دعمٍ كامل للجيش والقوى الأمنية وحكومة جامعة تنقل الخلافات من الميدان إلى قاعات الحوار واجتماعات مجلس الوزراء.
الجمهورية

» الله يضع سرّه في أضعف خَلقه! ......طارق ترشيشي
» إغتيال الوزير أبو عين تصعيد إحتلالي خطير يفتح الأبواب لتفجير الأوضاع وإشتعالها
» تحوّل متوقّع في الموقف الغربي من الأزمة السورية؟ ...طارق ترشيشي
» مَن هو المنفصل عن الواقع؟ أهو الأسد؟ أم اوباما وهيغ؟...طارق ترشيشي"الجمهورية"
» تصعيد يسبق التسوية أم يمهّد لحرب سوريّة أعنف؟