الأسد ، أوباما ، من كان مفصولا عن الواقع ؟

الأسد ، أوباما ، من كان مفصولا عن الواقع ؟

]أحمد الحباسى تونس
بعد أكثر من عامين من المؤامرة على الشعب السوري ، و بعد أن ظهر للجميع أن تجمع اللئام ضد النظام السوري كانت غايته فقط التخلص من ضلع من أضلاع الحلف المقاوم في المنطقة لان أصدقاء سوريا لم يعرف عنهم مروءة و لا نصرة لحقوق الإنسان و لا مجرد مواقف مبدئية لصالح أي شعب في العالم ، و أن كل ما يحرك ساستهم و أساطيلهم و أعوان مخابراتهم هي مصالحهم الاستعمارية الأنانية الضيقة التي لا يمكن أن تكون أبدا في نفس القارب مع مصالح الشعوب في العالم ، هناك سؤال يطرح ، و هناك حقائق بدأت بالظهور ، و هناك تاريخ يكتب من جديد ، و هناك بالطبع و بالتأكيد ارتدادات مرعبة ستكون نتيجة لما حصل في سوريا لأنه من الغباء أن نتصور أن سوريا قبل العدوان و المؤامرة هي سوريا ما بعد جينيف 2 و أن العلاقات بين سوريا و أصدقاء سوريا ستكون سمنا على عسل.
رأس النظام ، هذا ما كان مطلوبا ، ما سخر من مال و إعلام و جواسيس و سلاح و جماعات إرهابية يؤكد أن المطلوب هو رأس النظام ، و بطرح النظام الخليجي مـــن كــل معادلات الربح و الخسارة لأنه نظام غبي عميل متآمر ، فمن المؤكد أن الولايات المتحدة و إسرائيل هما الطرفان المعنيان بما حصل في سوريا ، و الغاية من ذلك لا تحتاج إلى كثير من الفهم السياسي لنقول أن ما كان مطلوبا حيا أو ميتا هو رأس النظام ، إذا تعذر ذلك كما هو حاصل اليوم ، فمن الواجب العمل على تدمير الاقتصاد و القدرات العسكرية السورية بكل الوسائل أهمها الاستعانة بعملاء المخابرات الخليجية و التركية ، هذا ما يسمى بسياسة الخطوة خطوة الأمريكية التي تعلم أنها تتحرك في منطقة لها تضاريس وجدانية شعبية عربية معادية للوجود الأمريكي الصهيوني ، و لعله من العقلانية أن نعترف أن المؤامرة قد نجحت في جزء منها بأن أنهكت الاقتصاد السوري على الأقل و هو أمر مهم .
لعله من المهم لفت الانتباه إلى أسباب تركيز المؤامرة ضد سوريا على رأس النظام ، الجواب بسيط تماما ، لان الرئيس الأسد ، هو من يسطر السياسة السورية و هو من يسطر التحالف مع إيران و حزب الله ، و هو من يدير كل قواعد اللعبة السياسية في المنطقة و في لبنان بالتحديد و هي رقعة باتت مهمة للتخطيط الصهيوني الأمريكي في المنطقة ، و هو من يقدم نفسه لاعبا أساسيا و محاورا استراتيجيا للقيادة الروسية على اعتبار أن روسيا قد فقدت كل مواطئ القدم في المنطقة و هي مجبرة بالتعاون و الانخراط في “حلف المقاومة” ضد الهيمنة الأمريكية في المنطقة العربية الدافئة ، لذلك يمكن القول أن الرئيس الأسد برهانه على إرجاع القطب العالمي الثاني إلى منطقة الصراع قد دخل في رهان صعب كان بإمكانه لو لم يتحقق أن يصيب النظام السوري في مقتل خاصة و أن المؤامرة قد بنيت على عنصر عدم قدرة النظام على ربح هذا الرهان و على أن روسيا كما فقدت ليبيا ستفقد سوريا تحت الضغوط الأمريكية المشبوهة و عوامل الإغراء و الإغواء المالية الخليجية .
لقد تحدث الرئيس الأمريكي و كثير من أضلاع المؤامرة على أن الرئيس الأسد منفصل عن الواقع ، ظن البعض أن هذا التأكيد هو مجرد لغو ، لكن هؤلاء يريدون القول أن الأسد لا يدرك أن روسيا لن تقف مرة أخرى ضد الضغوط الأمريكية و أن لعبة المصالح الدولية ستجعلها تفقد مرة أخرى أيضا حليفا استراتيجيا هو الأخير في المنطقة العربية ، و بالتالي فان الرهان السوري الفاشل سيعطى المؤامرة دفعة كبيرة تجعل عملية إسقاط النظام مسألة وقت لا غير ، هنا يجب التأكيد أن الرئيس الأسد قد كان مصرا من البداية في كل تصريحاته على صلابة الموقف الروسي رغم أن “تاريخ” العلاقات الروسية مع العرب لم يكن مشرفا أو لنقل نزيها ، ثاني المواقف الغربية ما أعلن أن الرئيس السوري منفصل عن الواقع بحجة أن القيادات العسكرية لا تنقل إليه حقيقة الميدان و سيطرة الجماعات الإرهابية و تقدمها داخل الأراضي السورية ، هذا المنطق أيضا لم يكن مجرد لغو ، لان حجم التمويل و القدرات القتالية التي توفرت في سوريا قد كانت قادرة على إسقاط النظام على اعتبار أن القوة العسكرية السورية قد خاضت لأول مرة في تاريخها معركة مواجهة حرب العصابات و الشوارع و هي من أصعب و أعسر المعاركة الحربية ، لكن الرئيس الأسد قد كان مطلعا من البداية على صعوبة المعركة و ممسكا بتضاريسها السياسية و العسكرية ، و حتى و لئن حققت الجماعات الإرهابية انتصارات معينة في البداية زادت تفاؤل أعضاء المؤامرة قناعة بقرب انهيار النظام وصل بهم الأمر حد تحديد مواعيد متتالية له ، فان صمود الجيش السوري قد أعطى درسا قاسيا للصهيونية العالمية بأن التحديات تصنع المستحيل و أن انتصار معركة ” القصير” هو إعجاز عسكري بكل المقاييس العسكرية .
في وقت من الأوقات ، تصاعدت لهجة الخطاب الغربية الصهيونية ، الخليجية أيضا ، تجدد التركيز على ضرورة تنحى الرئيس الأسد فورا و دون شروط مسبقة ، و كان الجميع لا يقبلون بأقل من تغيير النظام ، و لم تنتبه هذه الأطراف إلا مؤخرا جدا بأن هذه المطالب قد أصبحت غير ذات موضوع بعد أن دخل حزب الله على خط النار سواء لحماية حليفه السوري أو حمايته من شرور تدخل فريق 14 آذار العميل للصهيونية و الخليج في الشأن السوري ، لذلك يقول المتابعون أن عقول المؤامرة هي التي كانت منفصلة عن واقع الأحداث أو لم تقرأ طبيعة القيادة السورية القراءة الصحيحة ، فمحور المقاومة لم يكن هشا و قابلا للكسر كما يظن عملاء الخليج ، و لم يكن قابلا للتطويع أو للهروب من أرض المعركة القذرة المفروضة عليه كما ظن ساسة الغرب و الصهيونية العالمية ، و إذا نظرنا للرقعة الخليجية فقد بات معلوما أن حالة العداء بين المشروع القطري و المشروع السعودي قد أدت إلى حالة من الانقسام حول مواصلة تسليح المعارضة أو الوقوف إلى جانب الائتلاف السوري .
رغم الغرور السعودي ، لا أحد في ” المعارضة” اليوم يستطيع الحديث بنفس نبرة التفاؤل السابقة ليعطى للنظام السعودي مبررا منطقيا لمواصلة الحرث في البحر بإسناد مؤامرة فشلت بالطول و العرض ، و لا أحد في الغرب يمكنــه إقــناع البقيــة بالطريقــة التي سيفوز بها ” الثوار” ، و قد حان الوقت اليوم ليعترف الرئيس أوباما و “زملائه” في المؤامرة أن كل الخيارات المختلفة ضد سوريا قد فشلت فشلا ذريعا ، أن “أصدقاء” سوريا هم من كانوا منفصلين عن تاريخ سوريا و عن حكمة قيادتها ، هذا ما فهمته المؤسسة العسكرية الصهيونية متأخرة جدا فى حرب تموز 2006 ضد حزب الله ، و هذا ما ستفهمه الامبريالية الصهيونية الغربية و لو بكثير من التأخير و الخسائر لعل أهمها أنها توجه اليوم القطب الثاني في العالم ، جمهورية روسيا الاتحادية بما يعنى أن عهد “سى السيد” الأمريكي في المنطقة العربية قد ذهب إلى غير رجعة.

» أوباما والكونغرس وإيران: التعايش مع الأمر الواقع
» أوباما ودي ميستورا ومراكز الأبحاث: تقسيم الأمر الواقع في سورية
» فيسك:الأسد يستدرج أوباما إلى شباكه
» مَن هو المنفصل عن الواقع؟ أهو الأسد؟ أم اوباما وهيغ؟...طارق ترشيشي"الجمهورية"
» كتب ناصر قنديل - أوباما بين الأسد وطالبان