تحديات تجديد البعث ـ غالب قنديل

لأن سوريا مقبلة على زمن التعدد السياسي والمنافسة ولأن عهد التحصن بامتيازات دستورية وسياسية لحزب البعث قد طوي إلى غير رجعة تكتسب عملية تجديد هذا الحزب العريق اهمية كبيرة في تاريخ سوريا وفي إحياء دورها القومي ومن هنا ضرورة تحريك النقاش الفكري والسياسي حول محتوى التجديد ومضمون الهوية القومية التي يحملها الحزب وبرنامج التجدد الذي اتخذ عناوين إحياء فكرة حزب العمال والفلاحين والديمقراطية الشعبية وحيث يتبنى الرئيس بشار الأسد فكرة الدولة المقاومة منذ انطلاق العدوان الاستعماري على سوريا.

أولا الفرز النضالي داخل حزب جماهيري كبير تسلل إليه خلال عقود من حكمه لسوريا حشد من الانتهازيين والوصوليين صعب وشبه مستحيل في زمن الركود والهدوء و لكن في ظل الأحداث التي تعيشها سوريا منذ اكثر من عامين فقد بات الفرز طبيعيا و تلقائيا و يعرف البعثيون من صفوفهم من هم الذين خانوا وتآمروا ومن هم الذين هربوا من التحدي وسايروا أعداء الوطن بألف ذريعة ساقطة كما يعرفون جيدا من هم المناضلات والمناضلون الذين قاوموا بشجاعة وإقدام وحملوا الدم على الأكف و مضوا يدافعون عن وطنهم ببسالة تستحق الاحترام والعرفان من شعبهم ورفاقهم ويعرف السوريون من بين البعثيين الذين قادوا في مطارحهم مسيرة ثبات وصمود ومقاومة في وجه العدوان الاستعماري وجسدوا قيم حزبهم المنادي بوحدة الشعب وبالمقاومة وبالالتفاف حول القوات المسلحة، ويعرف السوريون من البعثيين من هم الذين قادوا مقاومة شعبية سياسية وعسكرية في ظروف صعبة وقاسية وتحملوا مع عائلاتهم التنكيل والإرهاب وقدموا الشهداء بكل اعتزاز في سبيل الوطن ،إن هذه القواعد البسيطة في الفرز النضالي داخل الحزب هي التي تنهض القيم النضالية القومية والوطنية وتقيم الميزان في تطهير الحزب وتقوية وتمتين صلابته النضالية.

ثانيا خلافا لما روج في مراحل سابقة تشتد الحاجة التاريخية للمشروع القومي النهضوي وتمثل المقاومة كاستراتيجيا قومية للتحرير والدفاع الوطني المحتوى الجديد والمعاصر للعقيدة القومية العربية في حصيلة التجربة التاريخية خلال العقود الثلاثة الأخيرة .

كذلك في الاختبار السوري الصعب والممتد منذ اكثر من عامين برهنت التجربة على الحاجة الماسة و الملحة لتكوين قوة شعبية للدفاع تكون رديفا للقوات المسلحة النظامية والعقائدية التي أثبتت الأحداث انها كنز سوريا الثمين المفترض حراسته برمش العين فلولا الثقافة القومية والوطنية ولولا حصانة الجيش العقائدي لما توافرت لسوريا فرص الخلاص والتصدي للحرب الكونية التي تتعرض لها وطالما الجولان تحت الاحتلال وطالما تستمرحالة التهديد الناتجة عن وجود الكيان الصهيوني ومعها خطر الاستهداف الاستعماري للوطن ستكون سوريا بحاجة مستمرة ودائمة لقوات شعبية تشكل أقنوما رئيسيا في منظومة الدفاع السورية وعلى البعثيين أن يكونوا نواتها الصلبة والاستشهادية وان يتقدموا الصفوف.

ثالثا مسألتان حاسمتان تطرحان في سياق بلورة الخطاب الفكري والثقافي لحزب البعث وهما موضوع هوية سوريا ودورها الإقليمي والدولي ونظامها الاقتصادي الاجتماعي، ولابد هنا من استيعاب دروس التجربة التي برهنت على ان التمسك بالهوية القومية وبدور سوريا القومي امر جوهري حاسم لابد وأن يشكل محتوى ثقافة البعث بغض النظر عن علاقات الدولة السورية وخطابها الدبلوماسي فقد برهنت الأحداث على وجود قوى سياسية و شعبية عربية وقفت بحزم إلى جانب سوريا والعديد منها لم تكن تربطه صلات فعلية بالدولة السورية او بالحزب الحاكم لكنها اتخذت مواقفها المشرفة رغم نكوص حزب البعث عن أي نشاط قومي حقيقي لعقود مضت وهي ترى في سوريا وفي الرئيس بشار الأسد بالذات زعامة مشروع نهضوي تحرري قوميا وهذا المحتوى المبني على دور سوريا الطليعي في مقاومة الهيمنة الاستعمارية وفي مجابهة الكيان الصهيوني لابد للحزب من تجسيده بدءا من التعبئة و التثقيف بالمقاومة سبيلا لتحرير جميع الأراضي العربية المحتلة واسترجاع كامل فلسطين وصولا لهجرة أدبيات التسوية السلمية التي لا شأن لحزب مناضل بها وهي من اختصاص الدبلوماسية الرسمية للدولة السورية وفقا للظروف والتوازنات ولابد من صياغة خيار سوريا المشرقي بهجرة اوهام الشراكة الممكنة مع اوروبا التي هيمنت على حسابات سوريا الدولية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي و تبين بالتجربة انها كانت تنطوي على مبالغة أتاحت للغرب في حالات عديدة اختراق المجتمع والدولة لتقويض الصمود السوري في غفلة الشراكات الافتراضية.

يتبع

» كتب ناصر قنديل: حزب البعث في سوريا
» الهزيمة المحتومة- غالب قنديل
» درس لبناني من غزة>>>غالب قنديل
» حرب غزة و آفاق النصر....غالب قنديل
» اختبارات ما بعد الاتفاق ...غالب قنديل