إيران... وغباء السياسة الأمريكي بقلم/علي بن مسعود المعشني

إيران... وغباء السياسة الأمريكي بقلم/علي بن مسعود المعشني

يحتدم الصراع الغربي/الإيراني منذ عام وصول الثورة الإسلامية في إيران إلى سُدة الحكم عام 1979م وإلى يومنا هذا، وقد عرف تعرجات مختلفة وخطيرة في سياق الإستراتيجية الغربية لإسقاط الثورة أو إحداث خلل عميق في مشروعها وتحديدًا الشق المُتمثل في بوصلة القدس ونُصرة المقاومة ، وبالتالي زعزعة أمن الكيان الصهيوني الغاصب والإخلال بالإستراتيجية الغربية لحمايته ، وضمان تفرده وتسيده للمنطقة وبدون منازع .
لا شك أن الثورة الإسلامية في إيران أتت كالزلزال المُريع وغير المُرتقب للعالم قاطبة وللغرب على وجه الخصوص . وصدقت فيها المقولة"الأشياء الجميلة تأتي ببطئ ، أما العظيمة فتأتي فجأة" .ولاشك أن فاجعة الثورة للغرب كانت مُركبة ، حيث أتت بعد أن نفض الغرب يديه ووضع لمساته الأخيرة على المشروع الحُلم "كامب ديفيد" والذي خرجت بموجبه مصر من فضيلة الصراع إلى رذيلة "السلام". وبالتالي كان لابد أن تُشكل الثورة أعظم المُنغصات للغرب في القرن العشرين .
كانت الثورة عظيمة بلا شك في وقعها وصداها ، ولكنها لم تكن جميلة للكثير على الصُعد الإقليمية أو الدولية . والتي تكاتفت جهودها لا حقًا لوأد الثورة أو حرفها عن أهدافها المحلية والإقليمية.
فشلت جميع مراحل الإستراتيجية الغربية وحلفاءها في النيل من الثورة وأهدافها ، وتجاوزت الثورة أصعب المفاصل في فصولها والمُتمثلة في الحرب الطاحنة لثمانية أعوام مع العراق ، وأخطر الأعوام على الإطلاق في تلك الحرب كان عام 1982م ، العام الشامل لإستهداف أطياف المقاومة جملة واحدة حيث شُغلت الثورة الوليدة بتصعيد للحرب على جميع الجبهات مع تفوق عراقي واضح ، وتغلغل الكيان الصهيوني بداخل لبنان للقضاء على المُقاومة الفلسطينية ، وتكفل تنظيم الأخوان المسلمين ـ فرع سوريا ـ بزعزعة الجبهة الداخلية السورية لشغل النظام بنفسه ، وهو سيناريو شبيه جدًا بما يدور اليوم على أرض سوريا.
راهن الغرب أيضًا على تفاصيل مهمة في سياق الحرب الطاحنة للنيل من عقيدة الثورة كحاضن ومحور إرتكاز ، ولترجيح تيار أو إحداث خلخلة في نسيجها من الداخل ، فكان التفجير المروع لمقرالحكومة بطهران في أغسطس عام 1981م ، وراح ضحيته عدد كبير من رموز الثورة والحكومة والبرلمان وعلى رأسهم الرئيس محمد علي رجائي ورئيس الحكومة محمد جواد باهونار ورئيس البرلمان بهشتي ، ثم أتت فاجعة وفاة قائد الثورة ومرشدها آية الله الخُميني في 3 يونيو عام 1989م ، وعالجت القيادة الإيرانية الحالتان بصور تُعبرعن الصلابة والتماسك وقوة العقيدة ووضوح الهدف ، حيث تم تعيين البدلاء سريعًا بُعيد حادث التفجير ، وتم تعيين آية الله علي خامنئي كمُرشد أعلى وخليفة للخُميني خلال زمن قياسي وهو 24 ساعة . دون إغفال أو تجاوز الحصار الإقتصادي والعسكري المفروض على إيران خلال فترة الحرب بقصد الإخلال بالتوازن العسكري الإيراني لصالح العراق ، ورفع وتيرة السخط الشعبي .
في عام 2001م كان الإحتلال الأطلسي لأفغانستان يحمل في طياته الإلتفاف على إيران والتشويش على مجالها الحيوي في دول آسيا الوسطى ، وراهن الغرب قبلها على صنيعته طالبان بإقلاق راحة إيران وأن تكون شوكة في خاصرتها ، وقد دشنت طالبان عهدها في أفغانستان بالهحوم على السفارة الإيرانية بكابول وقتل جميع الدبلوماسيين العاملين فيها ذبحًا ، كرسالة واضحة لإيران بولادة عدو جديد لها ومن نوع خاص كذلك ، وللغرب أيضًا بولادة حليف جديد له وبنجابة التكليف ووضوح المهمة معًا .
ثم حمل عام 2003م إحتلال العراق وليس ببعيد عن هاجس المُحتل أقطاب المُقاومة – كالعادة - ورموزها إيران وسوريا كهدف لاحق.وفي عام 2008م حاول الغرب إدخال القوة الناعمة عبر الثورة المخملية والتي أعقبت فوز الرئيس نجاد بولاية رئاسية ثانية ، حيث أدخل مايقارب 700 ألف عنصر من الجاليات الإيرانية في المهجر ، ومن المؤهلين جيدًا لأدبيات ماعُرفت بالثورات المخملية عبر توظيف وسائط التواصل الإجتماعي ، ودخلوا جميعهم بحجة المشاركة في الإنتخابات وممارسة حقوقهم الدستورية ، وفشلت الثورة المخملية أيضًا في تحقيق أي من أهدافها ، وكما أفصحت مؤخرًا فرح ديبا أرملة الشاه الراحل ، بالتفصيل على موقعها الإلكتروني عن تلك الثورة والآمال التي عُلقت عليها لإحداث تصدعات في الثورة والنظام معًا .
الخُلاصة أن إيران الثورة زادها الصراع قوة وصلابة وثباتًا ، ومن خلالها محور المقاومة ، وبين الصراع كذلك غباء السياسة الأمريكية تجاه إيران لثلاثة عقود متتالية ، حيث توارثت الإدارات الأمريكية المُتعاقبة غباء مُعالجات ومواقف إدارة الرئيس جيمي كارتر في التعامل مع إيران ، وعلى الرغم من الإخفاقات المتكررة للسياسات الأمريكية تجاه إيران ، والنجاحات المتكررة لإيران في الإلتفاف على الأفخاخ الأمريكية وتسجيل النقاط عليها ، فإن أمريكا أعادت إنتاج الفشل مرارًا دون إتعاض ولاتزال.
المنطق يقول بأن من يفشل في تحقيق المراحل(أ،ب،ج) من إستراتيجيته ، لا يُمكن أن ينجح في المراحل(د، و،ه) لأن الإستراتيجية حلقات متصلة ومتكاملة ، بعكس خطط الطوارئ أو الخطط البديلة . كما أن التعامل مع إيران اليوم بحيويتها وتأثيرها وفاعليتها وقوتها وثقلها على أنها إيران الثورة الوليدة ، وإختزالها في ملف عقيم كدولة مارقة أوملف نووي دون النظر إلى المكونات والأدوات الأخرى لها ، يًعد أمرَا في غاية السوء والبلادة السياسة من قبل دولة بحجم أمريكا .
مُشكلة أمريكا أنها تتعامل مع الجميع في المنطقة على إعتقاد بأنها تقول للشئ كُن فيكون ، بينما إيران تعتقد بأن الله وحده من يقول للشئ كُن فيكون ، أما في السياسة فهناك قواعد ونظريات يعلمها الجميع ويحتكم إليها ، أما أمريكا فليست سوى أمة قد خلت من قبلها أمم سادت ثم بادت . إن من أعظم أسرار نجاح الثورة الإيرانية ومن أقوى أسوارها أيضًا أنها عرفت من هم معها ومن هم ليسوا ضدها ، وستلتقي إيران وأمريكا وفق نظرة كُن فيكون الأمريكية في حالة واحدة فقط وهي حين تتنازل الثورة الإيرانية عن جميع مبادئها و أهدافها وتتنكر لتضحيات جميع أبناءها ، وتُسفه بأحلام جميع المستضعفين في العالم ، حينها فقط نستطيع القول لأمريكا والغرب أدخلوا طهران آمنين ، أدخلوها دخول الفاتحين المُنتصرين .
لاشك إن من إعظم مُكتسبات الدولة الإيرانية في عهد الثورة وعصرها ، هي تمكن عقول أبناءها من بناء دولة لاتزول بزوال الرجال ، كما كان يحلم ويطمح الزعيم الجزائري الراحل هواري بومدين لبلاده الجزائر من بعده .

» مصر ومُرسي والكُرسي - بقلم: علي بن مسعود المعشني
» صراع المُقاومون والمُقاولون - بقلم/علي بن مسعود المعشني
» حزب الله يُفتت حزب الشيطان مُجددًا - بقلم/علي بن مسعود المعشني
» مصير المبادرة العربية بعد إنتصار الأسد - بقلم/علي بن مسعود المعشني
» رياضيات السياسة المذهلة .. الخط المستقيم بين باب توما وحلب .....بقلم نارام سرجون