حرب اطلسية على دمشق وحرب نووية على واشنطن محمد أحمد

حرب اطلسية على دمشق وحرب نووية على واشنطن
محمد أحمد
31-3-2013

في شهر شباط من العام الجاري اعلن بوتين "السياسة الخارجية المحدثة" لروسيا، وجوهرها ان موسكو ستكون لاعباً عالميا فاعلا في القضايا الدولية والمعقدة منها على وجه الخصوص، ولن تتهرب من دورها العالمي في اية مهمة كانت، وانها ستعمل في اطار المجتمع الدولي على البحث وايجاد الحلول للمشاكل بعيدا عن كليشيهات "الأبيض والأسود".

علينا ان نعلم ان الولايات المتحدة هي من يقصدها بوتين بكليشيهات "الابيض والاسود"، فهي التي من نصبت نفسها مقررا يصنف الدول والمنظمات بين محوري الخير والشر وفقا لمصالحها خلال العشرين سنة الماضية .

كانت موسكو أول محطة لرئيس الصين الجديد، حيث أعلن "جين بينغ " في نهاية زيارته، ان نجاحا فاق كل التوقعات المتفائلة في مجال التعاون والعمل الاستراتيجي، قد حققه مع بوتين، وفي كافة المجالات.

توجه بعدها الرئيسان الى قمة "بريكس" في جنوب افريقيا، وهما يحملان القوة الكافية ليس لتأكيد إعلان نهاية القطبية الأمريكية فحسب، بل والبدء بإفهام واشنطن ميدانيا ان مجموعة دول "بريكس" لا يناسبها كما بقية دول العالم التحكم الامريكي، وان إعادة تنظيم العالم بات أمرا واقعا .

ملفات التماس، والتضاد، بين الموقف الامريكي من جهة، وموقف روسيا والصين وحلفائهما من جهة أخرى، منتشرة على قارات العالم أجمع، لكنها مترابطة ومتناغمة وتؤثر وتتأثر ببعضها بدرجة عالية، وان أي تغيير في احد الملفات مرهون بحزمة الملفات جميعا، اما ملف الأزمة السورية وملف النووي الإيراني فليسا بآخر الملفات، فهناك مثلا ملف شبه الجزيرة الكورية المنقسمة بين شمال معادي للهيمنة الامريكية وجنوب مسلوب الإرادة تجاه رغبات واشنطن.

في عام 1953 انتهت ثلاث سنوات من الحرب بين كوريا الشمالية التي كانت تدعمها روسيا والصين، وكوريا الجنوبية التي تدعمها الولايات المتحدة واليابان، بهدنة طويلة انهاها قبل يومين زعيم كوريا الشمالية الجديد، كيم جونغ اون، وأعلن أنه حان الوقت لتصفية الحسابات مع الإمبرياليين الأمريكيين الذين نفذوا مناورات عسكرية مع كوريا الجنوبية اعتبرها الزعيم الفتي "أون"، انها تهدد بلاده وكرامتها الوطنية وعليه يجب اعلان الحرب.

اعلن كيم جونغ اون، الاستعداد التام للدخول في حرب نووية مع واشنطن، وانه سيستهدف قواعدها العسكرية في جزر هاواي وغزام وفي كوريا الجنوبية.

اعلنت روسيا موقفها على لسان لافروف، بأنها تحذر من سياسة عرض العضلات هناك، وهو يقصد الولايات المتحدة، وان تكثيف النشاط العسكري يثير قلق موسكو.

الولايات المتحدة الامريكية اعلنت بدورها انها تأخذ التهديدات الكورية مأخذ الجد، وبالتالي فإنها ستقوم بما يطمأن حلفاءها سواء الكوريين الجنوبيين أو اليابانيين.

وبالتالي اطراف الصراع والمواقف والاصطفافات ما عادت مخبأة، بل هي أكثر وضوحا وأكثر تعبيرا وأكثر جدية وصرامة، وبات شبح الحرب النووية يخيم على العالم الآن اكثر من أي وقت مضى.
من الواضح ان التمادي الامريكي في المراوغة والمناورة مع روسيا والصين وحلفائهما في قضايا الشرق الاوسط وتحديدا في ملف الأزمة السورية، دفع بهما الى توجيه تهديد مباشر لواشنطن بضربة نووية قاسية من كوريا الشمالية، ليخططا بذلك لتحقيق عدة اهداف، من بينها:
فتح ملف كوريا الشمالية؛ حيث تعاني من عزلة دولية فرضتها عليها واشنطن وحلفائها، فبيونغ يانغ بقيت صامدة في زمن القطب الامريكي الذي ساد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتحولت لدولة نووية في ظل حصار عالمي خانق، أما وقد تغيرت مراكز القوى العالمية لصالح حلفائها التاريخيين وضد عدوتها التاريخية الولايات المتحدة، فإنها ستنتقل لمرحلة فك العزلة الدولية بإركاع واشنطن بالتنسيق مع روسيا والصين، عبر التهديد بالضربة النووية.

... فهل واشنطن مستعدة للدخول في هذه الحرب ؟
علينا ان ندرك ان واشنطن لو كانت مستعدة لتحمل عواقب الحرب التقليدية لتدخلت عسكريا في سوريا لفرض خياراتها وما يناسبها من تغيير، فكيف بها والأمر يتعلق بحرب نووية تهدد ليس خسارتها أحد مراكز النفوذ في العالم، بل خسارة وجودها كقوة عالمية مرة واحدة مثلما حدث لليابانيين في الحرب العالمية الثانية.

إذا؛ كيف ستتطور احداث الصراع العالمي؟ .. وماذا بشأن الملف السوري ؟
سابقا ذكرنا، ونعود لنؤكد مرة أخرى، ان القوى العالمية المنقسمة بين الرغبة الأمريكية بالبقاء كقطب مقرر في الاحداث العالمية، وبين القوى العالمية الناهضة التي باتت دول "بريكس" تمثلها بشكل واضح، تعيش مرحلة من توازن القوى النسبي، وبالتالي فإن التفاوض سيبقى سيدا للمواقف بخواتيمها الآن، وإن حروبا كبيرة ومباشرة بين القوى العالمية لن تقع الآن، وانه إذا ما اضطرت قوة عالمية ان توجه ضربة لغيرها من القوى العالمية، تلجأ في مثل هذه الحالات إلى الوكلاء، وبالمناسبة كانت الحرب بين الكوريتين أولى الحروب بالوكالة بين القوى العالمية العظمى عام 1950.

اذا؛ يبدو ان الفتى الكوري التقط اللحظة التاريخية لتوازن القوى، وعرف كيف يقتحم المشهد العالمي من اوسع أبوابه، وهو بمفهوم البيئة الاستراتيجية العالمية، لديه الآن الإمكانية، والرغبة، والاستعداد، لاستخدام ما يمتلكه من صواريخ استراتيجية نووية كنقطة قوة، للاستثمار في فرصة تاريخية سانحة الآن، لرفع الحصار والعزلة والعقوبات الأممية عن بلاده، فأمريكا ضعيفة وتزداد تهالكا في قواها مقابل تعزيز في زيادة قوة حلفاء كوريا الشمالية الدوليين وقصدنا روسيا والصين.

ومنه، عندما تراوغ واشنطن في الملف السوري، بعد أن اعترفت بفشل مخططها الاساسي، وقبلت بالذهاب الى التفاوض، وعندما تريد انهاك الطرف الآخر في الفترة التي تسبق طاولة التفاوض، فتشعل الحرائق على انواعها لكسب المزيد من الأوراق، تحركت موسكو وبكين عبر كوريا الشمالية، وليعلن زعيمها الشاب ان امريكا باتت محل استهداف صواريخه الاستراتيجية وليس حلفائها الإقليميين فقط.

ان الازمة المالية والاقتصادية العالمية تفتح جبهة كوريا الشمالية من جديد، وان الحرب الاطلسية على سورية، والتي يديرها وكلاء واشنطن الاقليميين، تعادل الآن تحرك روسي صيني رادع بلغ حده الاقصى ويهدد واشنطن مباشرة عبر بيونغ يانغ.

ان واشنطن المدركة لتوازنات القوى العالمية، لن تتورط على الاغلب في حرب مع كوريا الشمالية التي بات الامر بالنسبة لها فرصة لا تعوض لاسترجاع الحقوق، وبالتالي ستتراجع واشنطن عن المواجهة وستلجأ الى موسكو وبكين للتفاوض على حزمة ملفات مترابطة متناغمة مؤثرة ومتأثرة بمجمل قضايا الصراع العالمي الآن، وملفات سورية وايران من أهمها...

واشنطن وحلفائها نحو الخسارة مجددا ... والفتى اون يكسب ويضيف ربحا آخر لروسيا والصين حلفاء سورية ..

» هل تنتحر دمشق بالكيميائي ؟ محمد أحمد
» هل تشبه دمشق كابول 1992 ...محمد أحمد
» بين التابع و المتبوع ... بقلم : محمد أحمد
» بروبغندا المليار ونصف :محمد أحمد
» من يحمي سورية الوطن ؟ .. محمد أحمد