مصر ومُرسي والكُرسي - بقلم: علي بن مسعود المعشني

مصر ومُرسي والكُرسي - بقلم: علي بن مسعود المعشني

قال المرشد العام السابق للأخوان المسلمون محمد مهدي عاكف ذات يوم في عام 2011م لإحدى القنوات – وهو موثق في المواقع -: أتمنى ألا يحكم الأخوان مصر، لأن في ذلك مخاطر ومصاعب كثيرة على مصر، وإستشهد بتجربة حماس في غزة عام 2006م وكيف تحولت إلى سجن كبير بعيد إنتخاب الشعب الفلسطيني لحركة حماس، وتجربة جبهة الإنقاذ في الجزائر قبلها ، ودلل على صدق تمنيه بكثرة المتربصين والأعداء للإسلاميين لمنعهم من الوصول إلى السلطة.
وقال القائد الأخواني عبد المنعم أبو الفتوح في قناة الجزيرة أثناء ما عُرف بثورة 25 يناير، - وكان حينها يزال قياديًا في الجماعة – (وكلامه موثق): "أتمنى أن يقود مصر في المرحلة الإنتقالية ولمدة عام مثلاً شخصية وطنية مثل اللواء عُمر سليمان أو الفريق أحمد شفيق أو المستشار هشام البسطويسي، تجرى بعدها إنتخابات تشريعية ورئاسية".
يتذكر المصريون اليوم جيدًا تلك التصريحات وما على شاكلتها الكثير من التصريحات التي تُبرهن بأن جماعة الأخوان تسعى أن تكون عقلانية في طرحها وطموحها، وأن تكون جزء لا يتجزأ من المشهد السياسي العام في مصر وجزء من الحل لا جزء من المشكلة .
يتذكر جميع المصريون – أو أغلبهم ربما – اليوم بأن خروجهم في ميدان التحرير يوم 25 يناير كان لمطلبين لا ثالث لهما، وهما إقالة وزير الداخلية اللواء حبيب العادلي وإلغاء مجلس الشعب وإعادة الإنتخابات.
تلكأ النظام حينها كثيرًا حتى إرتفعت المطالب إلى سقف رحيل النظام برمته، وهكذا كان.
وعاشت مصر مخاض وحسابات الغنائم بين مفجري الثورة والمتاجرين بها والخاسرون من جراءها. وفي النهاية وصل الأخوان الذين حذر المرشد العام من وصولهم إلى السلطة، ورفعوا شعار الدولة العميقة على شاكلة دولة أردوغان، وتسلحوا بالتطهير لكل شيء إلا الإتفاقيات الدولية، ما يعني ضمنًا وصراحة حماية كامب ديفيد، ومحاربة الفلول وتحقيق أهداف الثورة، ما يعني تمكين الأخوان والتموضع في مفاصل الدولة والمجتمع بما يؤمن وجودهم بل وديمومة تأثيرهم.
بلا شك إن أغلب المصريين ممن إختاروا مرسي رئيسًا، ليس حبًا به أو بجماعة الأخوان، بل كرهًا وكفرًا بنظام مبارك وهذا ما كان يفترض بالأخوان فهمه عميقًا وقبل الدولة العميقة.
وبلا شك إن المصريون حين خرجوا للميادين وكسروا حاجز الخوف لم يخرجوا ليخرجوا نظام مبارك من الباب ليعود إليهم عبر مرسي من النافذة، ولم يبذلوا كل هذه التضحيات، ليخرجوا من مرحلة إنتخاب التزوير، في آخر حلقات مسلسل نظام مبارك، ليعيدوا إنتاج مبارك آخر يتموضع بزعم التطهير وتحقيق أهداف الثورة وحمايتها، وبلا شك كذلك بأن المصريين لم يحلموا يومًا بأن يذهب الحزب الوطني بتاريخه وعناصره من الوجدان المصري، ليأتي الأخوان مع إختلاف الأداء ولتحقيق ذات الهدف.
ما كان يُفترض بالرئيس مرسي وجماعة الأخوان الإيمان به، بأن المصري اليوم ليس هو المصري قبل 25 يناير 2011م، فهي مرحلة شبيهة بقبل الميلاد وبعده، وبالتالي لا يُعقل أن يقبل شعب بحجم الشعب المصري وبلد بحجم مصر أن يعيد إنتاج الفشل، وأن يكون بين خيارين السيء والأسوأ والجدري والطاعون.
وما كان يُفترض بالرئيس مرسي وجماعته التيقن منه بأن الرئيس لم يفز سوى بـ52% أي بفارق بسيط لا يُذكر وليس بأغلبية مطلقة، وبالتالي أن يكون توافقيًا في كل شيء إلى حد كبير حفاظًا على لحمة مصر ومشاعر المصريين وتطلعاتهم نحو مستقبل وغد أفضل بعد عقود الإنفتاح والخصخصة والسمسرة التي باعت مصر وشعبها بالتقسيط المريح للأسف الشديد.
حلم المصريون في عهد مرسي بدستور توافقي وبحكومة وطنية توافقية كذلك ليس فيها أكثرية وأقلية أو فائز وخاسر بل فيها جميع مكونات القُطر المصري، حتى يصبح الفائز الوحيد هو مصر وشعبها، ومن خلالهم الأمة العربية التي إنتظرت هذه اللحظة بفارغ الصبر والخاسر الوحيد هم أعداء مصر والأمة العربية.
المصريون في عهد مرسي ليسوا بحاجة إلى ديمقراطية مبارك (قُل ما تشاء وأنا أفعل ما أريد)، وليسوا بحاجة إلى نظام يحرس أمن الكيان الصهيوني بزعم إحترام الإتفاقيات والمواثيق الدولية، وليسوا بحاجة بلا شك إلى من يتاجر بتاريخ مصر وموقعها ودورها لتشغيل عمالة هنا أو وديعة بنكية أو قرض مُذل من ثالث، كما أنهم ليسوا بحاجة لمن يتذاكى عليهم ويؤجل آمالهم وبُرحلها ويُعمق جراحهم بزعم التطهير وبناء الدولة العميقة، مصر والمصريين خيار إستراتيجي وعملة صعبة مطلوبون من الجميع بضعفهم وقوتهم وبفقرهم وغناهم وبجهلهم وعلمهم فمصر يطلب الجميع ودها ورضاها، ومصر من تصنع الرجال وليسوا الرجال من يصنعونها عبقرية المكان ومنطق الجغرافيا وحكم التاريخ أن تكون مصر هبة العروبة والإسلام.
للأسف مصر اليوم ليست مصر التي من أجلها خرج المصريون إلى الميادين، وليست مصر التي تسمر العرب والمسلمون بحواسهم خلف وسائل الإعلام يومًا بيوم ليروا ولادتها الجديدة ، ليست مصر هي التي تتفرج على سوريا العروبة وهي تحترق في مؤامرة دولية لتصب عليها النار وتكون طرفًا في فتنتها، وليست مصر من يمنع السفن الحاملة للمازوت من بلاد "الأعاجم" على شعب سوريا ليعمق جراحه ومعاناته بزعم محاصرة النظام وإسقاطه.ليست مصر الأزهر من تركب موجة الفتنة الطائفية البغيضة بالدعوة لإحياء "الجبهة السُنية الكبرى" ليست مصر الأخوان من تسعى لإلغاء مقاومة حماس الذراع الجهادي لهم وعربون مصداقيتهم تجاه فلسطين إرضاء لصفقة تمكين الأخوان وتمكين دولة الإسلام!! لا شك إن صدمتنا بالأخوان أعظم أثرًا من صدمتنا بما آلت إليه أوضاع مصر اليوم والغد.
وبلا شك بأن هذه الصدمة داخل تيار جماعة الأخوان نفسه أشد وطأة من المتعاطفين أو المتابعين، وهو صراع ستتضح معالمه ونتائجه العميقة بين تياري التأصيل والمسارعة في الجماعة إلى حد القطيعة والشرخ العميق بل والوداع الأبدي.
وهو ما يتضح في الخطاب المزدوج والفعل المتضاد والفصام الحاد بين أدبيات الجماعة وإفعالها وأقوالها اليوم والتي صدمت قيادات وكوادر بداخلها بقوة أكثر من غيرهم ، وهذا ما عبر عنه القيادي الأخواني الكبير (والمستقيل من الجماعة بعُيد ترشحها للرئاسة) د.كمال الهلباوي بقوله : "لو كان حسن البنا بيننا لكان معنا في ميدان التحرير ، ولو رأى ترشح الأخوان للرئاسة لتبرأ منهم !! " فسبحان مغير الأخوان ، وأحسن الله لمصر وللمصريين عزاءهم والأمة من خلالهم إلى حين.

» صراع المُقاومون والمُقاولون - بقلم/علي بن مسعود المعشني
» حزب الله يُفتت حزب الشيطان مُجددًا - بقلم/علي بن مسعود المعشني
» إيران... وغباء السياسة الأمريكي بقلم/علي بن مسعود المعشني
» مصير المبادرة العربية بعد إنتصار الأسد - بقلم/علي بن مسعود المعشني
» آلهة تبحث عن الغفران / 3 - بقلم "بقلم: نارام سرجون"