الحل السياسي بين "حرد" الإئتلاف المعارض و"ضربة" المعلم

الحل السياسي بين "حرد" الإئتلاف المعارض و"ضربة" المعلم

تفتتح زيارة وزير الخارجية وليد المعلم إلى موسكو أسبوعا حاسما على صعيد إيجاد حل للأزمة السورية التي تقترب من إنهاء عامها الثاني. ومن المتوقع التوصل إلى تفاهمات روسية أمريكية لحل الأزمة بعدما تسارعت الجهود الدبلوماسية لتسوية الخلافات بين الطرفين، وصوغ حل سياسي على أساس إعلان جنيف في حزيران 2012.

ويعود المعلم في زيارة هي الثانية إلى موسكو في أقل من عام. وقبيل لقائه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال المعلم إن "الحكومة السورية مستعدة لاجراء حوار مع كل من يرغب في ذلك حتى مع من يحملون السلاح لأنها تعتقد أن الاصلاح لن يحدث عن طريق اراقة الدماء ولكن فقط عن طريق الحوار".

ورغم أن تصريحات المعلم تكرار لماقاله علي حيدر وزير الدولة لشؤون المصالحة آخر الأسبوع الماضي، إلا أن أهميتها تكمن في أنها تصدر عن وزير في الدائرة الأقرب لصنع القرار، وأُطلقت في موسكو قبل يوم من لقاء روسي - أمريكي لحل الأزمة.

وفي الزيارة الأولى في نيسان 2012 أعلن المعلم موافقة حكومة بلاده على خطة المبعوث الدولي والأممي السابق كوفي عنان ذات البنود الستة لحل الأزمة.

ولا تقل هذه الزيارة أهمية عن سابقتها خصوصا أنها تأتي بعد زيارة وفد رفيع من وزراء الخارجية العرب برئاسة الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي كان الوضع السوري أهم ملفاتها.

ومما يزيد من أهمية الزيارة أن الوزير لافروف سوف يطير إلى برلين للقاء وزير الخارجية الأمريكي الجديد جون كيري الذي استهل جولة أوروبية وشرق أوسطية تتصدرها الأزمة السورية.

كما أن المعلم سوف ينتقل إلى طهران حليفة دمشق الرئيسية في المنطقة لبحث أفق أي حل سياسي للأزمة، وفي العاصمة الكازاخية ألما-آتا تعقد غدا جولة حاسمة في الملف النووي الإيراني في إطار مفاوضات(5+1) ومعلوم أن إيران طالبت منذ أيام بإدراج الأزمتين السورية والبحرينية في المفاوضات.

الحراك الدبلوماسي الروسي لن يقتصر على لقاءات مع الجانب الحكومي السوري. ففي الأيام المقبلة سيزور موسكو مناف طلاس، إضافة إلى وفد من هيئة التنسيق الوطني برئاسة هيثم مناع، وكان مقررا زيارة وفد الإئتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة لكنه علق اتصالاته الخارجية احتجاجا على استخدام صواريخ سكود للمناطق الشمالية.

منذ لقاءات دبلن وجنيف الأولى في بداية كانون الأول 2012، واللقاء بين المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي ونائبي وزيري الخارجية السوري والأمريكي في جنيف بدأت تتضح معالم توافق دولي لحل الأزمة سياسيا، حسبما رأى الكاتب "سامر الياس".

التوافق جاء على ما يبدو نتيجة عدد من العوامل يمكن إجمالها فيما يلي: أولا- اقتناع الأطراف بأن الحسم العسكري غير ممكن لأي من طرفي الصراع. ثانيا- تخوف واشنطن من صعود نفوذ التيارات الجهادية في سورية وخصوصا جبهة النصرة.

ثالثا- العقيدة الأمريكية الجديدة في السياسة الخارجية التي كشف عنها خطاب الرئيس أوباما والمتضمنة انهاء عقد الحروب، والالتفات إلى معالجة قضايا الاقتصاد المتعثر، والانسحاب التدريجي من منطقة الشرق الأوسط نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وعزز اختيار معتدلين في وزارتي الخارجية والدفاع القناعة بأن واشنطن مقدمة على تغيرات جذرية في علاقاتها الخارجية، ودورها العالمي.

رابعا- تزايد المؤشرات لقرب انتقال شرارة الأحداث إلى الجيران بعد الزيادة الهائلة في أعداد اللاجئين، واندلاع اشتباكات في طرابلس، وأخيرا انزلاق حزب الله اللبناني في الأزمة بشكل مباشر بعد أنباء عن مقتل قياديين فيه، والأحداث المتسارعة على الحدود اللبنانية السورية في منطقتي الهرمل- القصير، ووادي خالد.

خامسا- سيطرة المعارضة المسلحة على مناطق واسعة والتخوف "الإسرائيلي" من وقوع الأسلحة الكيمائية والبيولوجية في "الأيادي الخاطئة"، أو سيطرة المعارضة على أسلحة صاروخية، أو نقلها إلى حزب الله.

وهنا لا بد من الإشارة إلى دخول "إسرائيل" مباشرة على خط الأزمة بتجديد الجدار في الحدود السورية، ونصب منظومات "القبة الحديدية" بعد استهداف منطقة جمرايا، والتخوف من حرب واسعة مع النظام السوري لـ "إنقاذ نفسه وتغيير قواعد الصراع" أو دخول حزب الله على خط ضرب "إسرائيل" لخلط الأوراق حسبما يرى محللون "إسرائيليون".

ويقول الكاتب "إذا صحت بعض التسريبات عن وثيقة للسياسة الخارجية الأمريكية تم تبنيها مؤخرا فإنها تشي بأن واشنطن وموسكو تخوضان في تفاصيل نهائية لـ "وضع أسس مقاربة موحدة نحو الازمة السورية التي تشكل مفتاح ازمات الشرق الأوسط، لصلتها بملف الارهاب وملف العلاقة مع ايران وملف السلام والأمن بين العرب وإسرائيل".

وتتضمن المقاربة بين وزيري الخارجية كيري ولافروف حول سوريا أن "تشكل أولوية الحرب على الارهاب وصناعة الاستقرار عنوان التفاهم، ومن ضمنهما افضلية منح الديقراطية فرص النمو والازدهار دون المساس بوحدة سوريا وكيانات المنطقة، أوتعريضها لخطر الحروب الاهلية وتمكين الارهاب من التجذر فيها".

وبناء عليه فإن موسكو وواشنطن سوف تدعمان "الحوار غير المشروط بين حكومة الرئيس الأسد ومعارضيه، ومتفقتان على أن أولوية الدولة السورية الجديدة يجب ان تكون الانتقال السلس لإدارة المؤسسات ووحدتها ووحدة سورية واستقرارها، لدولة مدنية تعتمد صناديق الاقتراع وتكون شريكا في الحرب على الإرهاب".

ولعل الأهم هو حل عقدة الأسد في المفاوضات فيبدو أن الأمريكيين باتوا أكثر اقتناعا بربط مصير الأسد "بانتخابات 2014 وحقه بالترشح لولاية جديدة وترك الصناديق تقول كلمتها" في مقابل التشديد على "ضرورة وضع ضمانات لتكون الانتخابات شفافة ونزيهة".

ومن المنتظر أن يعرض الوزير لافروف هذه التفاهمات أو أي تعديلات عليها في لقائه مع الوزير المعلم في لقائه مع كيري غدا في برلين من أجل البدء في جهود "وقف العنف ووقف تمدد الارهاب ولذلك الحاحهما على اطلاق الحوار بين السوريين قبل حلول الربيع.

في محددات الحل الثمانية التي حددها الإئتلاف المعارض في اجتماعه الأخير يتضح أنه مصرّ في البند الثاني على "تنحية بشار الأسد والقيادة الأمنية – العسكرية المسؤولة عن القرارات التي أوصلت حال البلاد إلى ما هي عليه الآن واعتبارهم خارج إطار هذه العملية السياسية وليسوا جزءا من أي حل سياسي في سوريا، ولابد من محاسبتهم على ما اقترفوه من جرائم".

وهذا يقطع الطريق على موافقة الإئتلاف على التفاهمات التي يمكن أن تبقي الأسد حتى نهاية فترته الرئاسية. وشدد في أحد البنود على أن "الهيئة العامة للائتلاف هي الجهة الوحيدة المخولة بطرح أية مبادرة سياسية باسم الائتلاف" ما يغلق الباب على أي مبادرة جديدة قد يطلقها الشيخ معاذ الخطيب كتلك التي أثارت جدلا واسعا في صفوف المعارضة. كما طالب الإئتلاف بضمانات دولية، وقرار ملزم من مجلس الأمن.

وتكشف الوثيقة الأمريكية السابقة، في حال صحت، جوانب مهمة لأسباب احتجاج الإئتلاف، ومواقفه الأخيرة. فقد أعلن الإئتلاف السوري المعارض تعليق مشاركته في مؤتمر "أصدقاء سوريا" في روما نهاية الشهر الحالي، وكذلك عدم تلبية دعوتين لزيارة موسكو وواشنطن "احتجاجا على الموقف الدولي المخزي" بعد قصف مدينة حلب بصواريخ سكود.

ولكن من الضروري البحث عن أسباب أخرى لـ "حرد الإئتلاف"، وإصراره لدى قبول الحل السياسي على "الالتزام باستمرار دعم الثوار على الارض بما يحقق تعديل ميزان القوى على الارض". وكذلك العمل على الحصول على الدعم اللازم من "أصدقائنا وأشقائنا للحل السياسي وفق المحددات المذكورة أعلاه".

ويقول الكاتب "يجب ألا نسقط إعلان الإئتلاف في بيان مستقل أنه في صدد تشكيل حكومة مؤقتة في الثاني من آذار المقبل".

ويبدو أن الإئتلاف، الذي يشكل مظلة للمعارضة السورية بديلة عن المجلس الوطني، ضاق ذرعا بالمواقف الرمادية، وقرر فتح حرب سياسية مع جميع الأطراف بدون استثناء، وبدأ في إعادة ترتيب أولوياته في حال تم التوافق الدولي على بقاء الأسد، وإجراء فرز واضح للأطراف الراغبة في مواصلة دعمه ماديا وعسكريا في حال تشكيل الحكومة، ومعرفة موقفها من التوافق الدولي.

وقد يرى البعض في احتجاج الإئتلاف محاولة لابتزاز الدول الداعمة له، فيما يرى آخرون أنه قرار شجاع، لأنه قرر المراهنة على الشعب السوري في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وأماكن اللجوء.

لكن الواضح أن "الحرد" لن يكون مفيدا في المراحل الحساسة، خصوصا أن كثيرا من المراقبين يعتقدون أن الأسبوع الحالي وما يليه سوف يشكل تحولا مفصليا في تاريخ الأزمة السورية، سواء لجهة إدارتها بطريقة مختلفة، أو التحول إلى حل الأزمة بعدما اتضح تقارب المواقف من قبل اللاعبين الأساسيين، واقتناعهم بضرورة الحل.

وأيا كان الموقف من الحكومة السورية فلابد من التأكيد على أن نظام الرئيس الأسد مازال متقنا لفنون المناورة السياسية، ويعتمد على قراءة المتغيرات الخارجية وتحليل مواقف الأصدقاء والحلفاء والأعداء وهو ما تبينه زيارة الوزير المعلم إلى موسكو والتي سوف يتبعها بزيارة طهران، على حد تعبير الكاتب.

وأخيرا فإن على الحكومة والمعارضة الاقتناع بأن أي حل للأزمة لن يحقق لأي من الطرفين كل ما يرغب به، وأن الأفضل الإلتفات بأسرع وقت إلى ضرورة المحافظة على ما تبقى من سوريا، وإعادة بناء مادمرته الحرب الطاحنة، وفتح صفحة جديدة في تاريخ سوريا تختلف عما كان طوال العقود الأربعة التي سبقت 15 آذار 2011.

ويختم الكاتب بالقول "على الطرفين الاقتناع بأن نهاية أي صراع هي طاولة المفاوضات، وعليهما الإسراع بذلك خصوصا أن البديل هو استمرار حرب طاحنة يتواصل فيها نزيف الدم السوري، وتدمير المدن والقرى، وضرب البنية المجتمعية، والقدرات العسكرية، وقد يصل إلى تقسيم البلاد وتحولها إلى ساحة لصراع الأطراف الإقليمية يصعب معها إعادة توحيدها دون مزيد من ويلات الحرب ونزيف الدماء".

» المعلم بعد الإدلاء بصوته: مسار الحل السياسي في سوريا يبدأ مع الانتخابات الرئاسية
» المعلم: ينبغي الضغط على تركيا وقطر و بإمكان واشنطن إذا أرادت الحل السياسي إيقاف سفك الدم
» المعلم: تسليح وتمويل ما يسمى “المعارضة المعتدلة” يؤدي إلى إطالة أمد الأزمة وتعطيل الحل السياسي
» الشيخ نعيم قاسم: الحل الوحيد المتاح في سوريا هو الحل السياسي
» هل بدأ الغرب بالتخلي عن الإئتلاف السوري المعارض