تفجير"الخميس الأسود" الذي قد يسجل في دوائر نفوس الإرهاب كـ"ابن حرام"!؟

تفجير"الخميس الأسود" الذي قد يسجل في دوائر نفوس الإرهاب كـ"ابن حرام"!؟

تفجير"الخميس الأسود" المزدوج في "شارع الثورة" الدمشقي الذي وقع قبيل ظهر اليوم ، وبخلاف العمليات الإرهابية جميعها التي نفذتها"جبهة النصرة" في دمشق وغيرها حتى الآن،هو"تفجير سياسي" بامتياز، قبل أن يكون حدثا أمنيا. وقد خطط له ـ سياسيا ـ كي يقع على تقاطع الطرق الدولية والإقليمية المؤدية إلى مفاوضات بين السلطة والمعارضة ، مثلما خطط له يكي يقع ـ تقنيا وأمنيا وعسكريا ـ على تقاطع الطرق أمام "فرع التحقيق" في شعبة الأمن السياسي(فرع الفيحاء) والسفارة الروسية. فقد كان لافتا أنه جاء قبل بضعة أيام من اجتماع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف و نظيره الأميركي جون كيري في برلين، المفترض أنه سيعيد التأكيد على "وثيقة جنيف" كخارطة طريق للحل في سوريا، واجتراح "أفكار عملية" لتنفيذها. كما أنه جاء بالتساوق مع مسار"الحل السلمي" الذي بدأ يشق طريقه، وإن بصعوبة. والأهم من هذا إنه جاء بعد الرفض القطري والتركي ، المعلن رسميا، لتفاوض"معارضيها" في "الائتلاف" و"المجلس" مع النظام . وبهذا تلاقى "أبو محمد الجولاني" ومشغلوه القطريون والأتراك من جهة ، مع "جميل حسن" من جهة أخرى، في تحالف موضوعي ضد "الحل السلمي"، مثلما كان يتلاقى رفعت الأسد من جهة و"عدنان سعد الدين" و"عدنان عقلة" من جهة أخرى مطلع الثمانينيات الماضية! فقد أصبح مؤكدا، على الأقل بالنسبة لنا ، أن جميل حسن (ومن معه من هواة "الحل العسكري"وأعضاء "التيار الاستئصالي" في السلطة) رفضوا بقوة وعناد إطلاق سراح عبد العزيز الخير هذا الأسبوع بعد أن كان وليد المعلم وعد نظيره الروسي بإطلاق سراحه للمشاركة في "حواريات" موسكو السلمية في 25 من الشهر الجاري! وهذا ما كان يفعله رفعت الأسد تماما في ذلك الزمن ، حين كان يعمد إلى تصعيد أمني في هذه المدينة أو تلك ، أو في هذا السجن أو ذاك (مجزرة سجن تدمر، وإعدام حسني عابو ، على سبيل المثال) كلما كانت المفاوضات بين الأخوان المسلمين و"تيار حافظ الأسد" في السلطة تقترب من إبرام اتفاق يجنب البلاد مزيدا من التصعيد الكارثي!

كان من الواضح أن التفجير المزدوج اليوم خطط له لينسف السفارة الروسية و"فرع التحقيق" في شعبة الأمن السياسي ، الواقع قبالتها مباشرة ولا يفصلها عنه سوى تقاطع طرق ، وليس مبنى "فرع حزب البعث" ، كما سرّب جهابذة السلطة وأغبياؤها إلى وسائل الإعلام ، ليس لشيء إلا لكي لا يتحدثوا عن وجود فرع أمني في المنطقة، وهو الفرع الذي يعرفه آلاف السوريين وتشهد عليه الآثار التي تركها على أبدانهم وفي أرواحهم خلال سنوات طويلة!

لا يحتاج الأمر إلى كبير عناء للبصم بأصابع اليدين، والرجلين أيضا، على إقرار بأن العمل من صنيع وتدبير "جبهة النصرة" وبناتها ، لاسيما "أحرار الشام". فالأسلوب هو أسلوبها ، والأدوات هي أدواتها. وما يضيف خاتما مصدّقا نهائيا على البصمات هو الإنتحاري الثالث الذي ضبط حيا قبيل تفجيره السيارة الثالثة المليئة بأربع أسطوانات تحمل أكثر من طنين من المتفجرات، بعد أن قذفه عصف التفجير المزدوج خارج سيارته وأفقده وعيه، فجرى اعتقاله بعد أن ظنه المسعفون أحد الجرحى الأبرياء وقبل أن يكتشفوا الحزام الناسف تحت ملابسه والاسطوانات المفخخة في سيارته.

وكما العادة ، سارعت قوى المعارضة اليمينية ـ الإسلامية البترودولارية إلى اتهام مخابرات النظام بالوقوف وراء الجريمة. وتكشف التعليقات الصادرة عن بعض "رموز" هذه المعارضة ، بمن فيهم المثقفون و"المفكرون" الكبار بينهم كياسين الحاج صالح ("وزير إعلام الثورة" و"حكيمها" كما يجري تصويره من قبل صبيان الثورة الوهابية)، عمق درك التفاهة والابتذال الذي انحطوا في قعره ، ومدى الانحطاط الأخلاقي الذي تهافتوا إليه، و السلوك "مادون ـ الحماري" الذي بات يطبع طريقة تفكيرهم. فهم ـ وبخلاف أي حمار يغير طريقه غريزيا بعيدا عن الحفرة التي وقع فيها سابقا ـ لم يستفيدوا من الدروس السابقة التي لقنتهم إياها "جبهة النصرة" منذ الإعلان عن ولادتها رسميا مطلع العام الماضي. فبعد كل تفجير إرهابي كانت تقوم به ، كان يسارع هؤلاء ليلصقوه بالسلطة وأجهزتها، معتمدين على إرثها الدموي والإرهابي في سوريا ولبنان وغيرهما. لكن "الجبهة"، التي أصبحت ذراعهم العسكرية الأساسية ، وشبه الوحيدة في فعاليتها، كانت تسارع إلى البصق في وجوههم وخوزقتهم ببيان تتبنى فيه فعلها الإجرامي. ولعل أبلغ درس لقنتهم إياه هو تفجير "معامل الدفاع" في مدينة السلمية الشهر الماضي. فقد سارع جميعهم، وعلى رأسهم "مساطيل عصفورية رياض الترك"، الذي أصبح واجبا وطنيا وإنسانيا الحجر الصحي عليهم جميعا، إلى اتهام السلطة بالوقوف وراءه بدعوى أنها "تريد إثارة فتنة مذهبية بين أهل السلمية(الإسماعيليين) والسنة"، كما كتبوا وقالوا جميعهم، وإن بعبارات مختلفة الصياغة. ولم يتأخر خازوق "النصرة" سوى خمسة أيام في اختراق حلوقهم قبل مؤخراتهم!

منذ أن دشنت "جبهة النصرة" سيرتها الجهادية بتفجير قسم الشرطة في حي الميدان(كانون الأول / ديسمبر 2011) وحتى الآن، والتي سجلت فيها سبع عمليات انتحارية في دمشق وحدها (بما فيها تفجير اليوم)، لم تتردد في الإعلان عن هذه التفجيرات وتبنهيا، وإن تأخرت أحيانا بعض الوقت لأسباب تكتيكية أو لوجستية. وهي ـ بخلاف عادتها ـ لم تتأخر في ذلك حتى بالنسبة لتفجير"السلمية" الذي كان الأكثر "حساسية" و"إحراجا" بمعايير جناحيها السياسيين المتمثلين في "المجلس" و"الائتلاف"! وحتى التفجير الوحيد الذي لم تتبنه في بيان رسمي ، وهو الذي نفذته قبالة "فرع فلسطين" في حي "القزازين" في آذار / مارس من العام الماضي، نشرت "دراسة عسكرية" عنه على موقعها الرسمي أشادت فيها بالعملية وبينت "الأهمية الاستراتيجية للفرع وللتفجير في مسار الجهاد ضد نظام الطغيان النصيري"، بحسب تعبير الدراسة.

لم يكن عدم تبنيها تفجير "فرع فلسطين" في بيان رسمي دون سبب أو أسباب. فقد كان ضحاياه جميعا، باستثناء أربعة جرحى من حراس بوابته الرئيسية، ولسبب تقني بحت يتعلق بتحصين الفرع وبعد مبناه عن السور الخارجي ، من المدنيين الأبرياء والنساء والأطفال عابري السبيل وهم في طريقهم إلى أعمالهم ومدارسهم صباحا. وحتى الضابط الوحيد الذي استشهد في التفجير، ولسوء طالعهم، استشهد مع ابنه المهندس الشاب ، إذ كانا في طريقهما إلى عمل خاص. أي أن الضابط كان خارج عمله. وزاد في طينهم بلة أن قسما كبيرا من الشهداء المدنيين كانوا ـ بمحض المصادفة التي فرضها وجود حي "مسيحي" قريب ـ من أبناء الطائفة المسيحية (بمن فيهم الضابط المذكور وابنه). وهو ما أظهر التفجير الإرهابي كما لوأنه " تفجير طائفي بامتياز" يستهدف "النصارى" لا "النصيريين"!! يضاف إلى ذلك ، ولعله السبب الأهم في عدم تبني العملية في بيان رسمي، هو أن "النصرة" كانت محدودة العدد جدا آنذاك ، ومحدودة الانتشار جغرافيا (ريف دمشق فقط). وهذا ما تسبب بانقطاع الصلة بين المنفذين الميدانيين و "قيادتهم الإعلامية" عندما نجحت أجهزة أمن السلطة في مداهمة أوكارهم في "الغوطة الشرقية" (المليحة ويلدا) واعتقال جميع كوادرهم الذين ساهموا لوجستيا في التحضير للعملية. وقد استفادت في ذلك من الكاميرات التي وجدت على بعض المباني العامة والخاصة ، الواقعة على مسار تحرك سياراتهم المفخخة من "المليحة" وحتى ساحة الجريمة، والتي سجلت عمليتهم في مختلف مراحلها تقريبا، وساعدت ـ بالتالي ـ على الوصول إلى المخططين.

تفجير"الخميس الأسود" اليوم من المرجح أن يكون مصيره كمصير تفجير "القزازين" المذكور لجهة عدم تبنيه رسميا من قبل "النصرة". فالعملية تعتبر فاشلة أمنيا بالمعايير "التقنية" و"اللوجستية" كلها من حيث تحقيق الأهداف التي وضعها المخططون لها ، إذا ما وضعنا جانبا بضعة العسكريين الذين استشهدوا نتيجة وجودهم على حاجز للتفتيش في الشارع المذكور. يضاف إلى ذلك، وكما أسرّ لنا مساء اليوم ديبلوماسي بريطاني وثيق الصلة بـعدد من قيادات"الائتلاف"، هو أن قيادتي "الائتلاف" و"المجلس الوطني" سارعتا إلى الطلب من الحكومتين القطرية والتركية التدخل لدى "جبهة النصرة" لمنعها من تبني التفجير، لأن من شأن ذلك أن يسدد ضربة سياسية وإعلامية تقصم ظهريهما. ولعل الوعد الذي تلقاه"الائتلاف" و"المجلس" من الحكومتين المذكورتين بالتدخل، هو ما شجع "الائتلاف" على إصدار بيان يدين فيه الجريمة ، وشجع عددا من شخوصه وشخوص "المجلس" على المسارعة إلى اتهام السلطة ـ بلغة قوية وجازمة وواثقة من نفسها ـ بالوقف وراءه، رغم أن هذه "الثقة" قد تكون من النوع الغبي "مادون ـ الحماري"الذي عودونا عليه!

لهذا كله، وإذا لم تتغلب "النصرة" على "كبريائها الجهادي" و تتنازل عن "حقوق الملكية الفكرية" وتعتبر كل من استشهدوا "شبيحة نصيريين أسديين" ، قد يسجل تفجير"الخميس الأسود" في سجلات نفوس الإرهاب كـ"ابن حرام"! لكن الانتحاري الذي جرى اعتقاله ، والذي لم يعلم "المجلسيون" و"الائتلافيون" بأمره إلا بعد أن أطلقوا اتهاماتهم ، أي بعد أن سبق السيف العذل، سيقلب الطاولة على رؤوسهم جميعا!

» في سياق سياسة تخريب الوعي.. دوائر غربية تلمع صورة الإرهاب في سورية وتمنحه شهادة حسن سلوك
» مرسي حرام عليك اللحية والله حرام - بقلم: عبد الستار حسين
» "السيناريو الأسود" الذي تخشى أمريكا وحلفاؤها أن يتحقق في سوريا
» لقاء للصانداي تايمز مع الارهاربي الذي فشل في تفجير سيارته في نفق الثورة بدمشق
» احباط تفجير سيارة مفخخة بدمشق ، والمعارضة تعلن مقتل 28 جنديا بادلب ..اخبار الميدان الخميس 1/تشرين ثاني