نظام الفوترة... (3) :مضر جلال خيربك

نظام الفوترة... (3)

مضر جلال خيربك

ذكرنا في الجزء الأول من هذا المادة أن الأوضاع الأمنية في سوريا ساهمت بشكل كبير بارتفاع الأسعار، وأن الحكومة لم تجد حلول مفيدة وحقيقية لتخفيف وطأة الأزمة، كما أوردنا فيه 3 مقترحات لإجراءات تفصيلية قدمها أصحاب الخبرة بمجال الفوترة، إلا أن الحكومة لم تعر أي اهتمام لتلك المقترحات.

وفي هذا الجزء نستكمل عرض المقترحات الإجرائية التي طرحها أصحاب الشأن والخبرة، الأمر الذي قد يسهم نوعاً ما بلفت نظر المعنيين بهذا الشأن لاتخاذ إجراءات وتدابير وقائية وعاجلة، في محاولة جدية لإيقاف ارتفاع أسعار المواد ولا سيما الغذائية منها.

ولبيان أهمية نظام الفوترة بالتزامن مع إلغاء قرارا وزارة المالية المشار إليه في الجزء الأول، أوردنا في الجزء الثاني مثالاً عملياً يبين مدى الخسائر التي تلحق بخزينة الدولة، وضياع أدوات المراقبة الفعالة للأسعار، ونعيد العملية في هذا الجزء الثالث والأخير:

بفرض أن تاجراً استورد كمية 5000 طن من حب الفاصولياء بقيمة 500 مليون ليرة سورية، فإن هذا التاجر سيقوم بدفع مبلغ 5 مليون ل.س سلفة ضريبة دخل لدى الأمانة الجمركية، أي بمعدل 1%، علماً أن السلفة الضريبية تتراوح بين 1% و 4% حسب البند الجمركي، وهي 1% لكافة المواد الغذائية.

وبفرض أن كلفة الطن الواحد على المستورد هي 100000 + 5000 رسوم + 5000 م.نقل وتخليص + 1000 ل.س سلفة ضريبة دخل = 111000 كلفة الطن الواحد، أي أن المستورد يضيف مبلغ السلفة على الكلفة، وعندما تعتبر وزارة المالية السلفة المسددة لدى الأمانات الجمركية ضريبة نهائية فهذا يعني عملياً إعفاء التاجر من ضريبة الدخل.

نتابع العملية:

فالمستورد سيبيع الكمية لتاجر جملة أو أكثر، وبفرض أنه باعها لتاجر جملة بسعر 125000 ل.س للطن الواحد، فستبلغ أرباح المستورد كما يلي:

125000 – 11000 = 14000 ل.س ربح الطن الواحد × 5000 طن = 70000000 ل.س، وضريبة هذا المبلغ بحدود 18 مليون ليرة سورية.

والأدهى من ذلك أن وزارة المالية وبموجب قراراها سيء الذكر غير قادرة على سؤال المستورد لمن باع بضاعته وبكم باعها، وتكون العملية قد انتهت عند هذا الحد بموجب أحكام القرار، وانقطعت حلقات الوساطة التجارية.

نتابع العملية:

بفرض أن تاجر الجملة باع الكمية لخمس تجار نصف جملة وبسعر مبيع 135000 صافي بعد تنزيل المصاريف (نقل + م. مختلفة) 135000 – 125000 = 10000 ل.س × 5000 = 50 مليون ليرة سورية تبلغ ضريبتها حوالي 16 مليون ل.س، ويعتبر هذا المبلغ فاقد ضريبي كامل.

وعند قيام كل تاجر جملة ببيع الكمية لتجار المفرق، بفرض أن عددهم 50 تاجر مفرق لكل تاجر نصف جملة، وبفرض أن سعر البيع كان بـ 146000 ل.س صافي للطن الواحد، بعد تنزيل المصاريف 146000 – 135000 = 11000 ربح صافي لكل طن × 1000 طن = 11000000 ل.س، تبلغ ضريبة هذا الربح 3 مليون ل.س × 5 تجار = 15 مليون ل.س، ويعتبر هذا المبلغ فاقد ضريبي كامل، ولن تتوفر لدى الدوائر المالية أية معلومات عن هؤلاء التجار إطلاقاً.

كما يوجد فاقد آخر ناتج عن بيع تجار نصف الجملة إلى تجار المفرق المكلفين لدى الدوائر المالية تحت زمرة مكلفي الدخل المقطوع بضرائب سنوية هزيلة، إذ إن معدل الضريبة السنوي لهؤلاء المكلفين 7 آلاف ل.س؟!!...

وبكل بساطة نلاحظ الفاقد الضريبي هو 49 مليون ليرة سورية لصفقة 5000 طن من حب الفاصولياء تبلغ قيمتها 500 مليون ل.س، ومن خلال ذلك نستطيع أن نقدر الفاقد الضريبي على مستوى مستوردات القطر، فقط من المواد الغذائية الأساسية (السكر – الأرز – الشاي – البقوليات بأنواعها – الحليب ومشتقاته – المعلبات بأنواعها... إلخ).

وفي حال تفعيل نظام الفوترة سيضطر المستورد لإبراز صور فواتير البيع للدوائر المالية، متضمنة: اسم المشتري – الكمية – السعر الإفرادي – السعر الإجمالي – عنوان المشتري بالتفصيل).

وبالتالي فإن الفرق بين سعر الكلفة (سعر الشراء + المصاريف والرسوم المختلفة) – سعر المبيع = ربح إجمالي، وبعد تنزيل المصاريف الإدارية يتم الحصول على الربح الصافي الحقيقي للمكلف، وبعد حساب الضريبة يتم تنزيل سلفة ضريبة الدخل المسددة لدى الأمانات الجمركية من الضريبة المحسوبة.

عند هذه الخطوة تكون الدوائر المالية قد حصلت على الضريبة كاملة من المكلف، وحصلت على أسماء تجار الجملة الذين اشتروا البضاعة، وتتابعهم بنفس الأسلوب، وعليهم إبراز صور فواتير البيع لتجار نصف الجملة وهكذا...

ومن يمتنع عن إبراز الفواتير للدوائر المالية يعتبر متهرب ضريبياً، وتطبق عليه القوانين النافذة ( وهذا الأمر وارد في نص مشروع نظام الفوترة).

وهنا لا بد من التذكير بأن نظام الفوترة يتضمن شقين:

الأول: إبراز الفاتورة وهي مسؤولية التاجر تجاه الدوائر المالية، ومسؤولية تطبيقه ومتابعته تقع على عاتق وزارة المالية.

الثاني: تداول الفاتورة وهي مسؤولية تاجر المفرق تجاه وزارة الاقتصاد، وتقع مسؤولية تطبيقه ومتابعته على عاتق وزارة الاقتصاد (حماية المستهلك).

وعليه... لا يمكن للحكومة أن تراقب الأسعار بدون نظام فوترة، ويفضل إصدار مشروعه سريعاً خصوصاً وأننا ببداية عام جديد، فعندما يصبح سارياً سيعلم المستورد وتاجر الجملة ونصف الجملة...إلخ، بأنه سيكون ملزماً في الربع الأول من العام الجاري، بإبراز فواتير الشراء والبيع للدوائر المالية والجهات المختصة الأخرى.

إن تطبيق نظام الفوترة سيوفر إيرادات ضريبية كبيرة، بدون الحاجة لفرض ضرائب جديدة، وسيساهم بتخفيض أسعار مختلف السلع، وسيشكل قاعدة الانطلاق لنظام ضريبي عادل، لأن المكلفين بظل تطبيق نظام الفوترة سيجبرون على امتلاك واستخدام دفاتر قيود نظامية تعكس حقيقة نشاطهم، ما يساهم بالحد من حالات الابتزاز والفساد لدى الدوائر المالية.

والاعتقاد المشروع هنا هو أن القائمين على عمل المفاصل الرئيسية في وزارة المالية سيعمدون إلى المماطلة وسوق المبررات التي تعيق إصدار قانون الفوترة، إذ بصدوره سيتم القضاء على المصالح الشخصية والفساد بإدارة النظام الضريبي الذي تم تفصيله على قياسهم، لكن الأهم دائماً وأبداً هي مصلحة الوطن والمواطن وليس الأشخاص.

الجزء الأول الجزء الثاني

» نظام الفوترة... (1)..بقلم: مضر جلال خيربك
» الاعراب ...مضر جلال خيربك
» لبيك يا اسد....مضر جلال خيربك
» اوروبا الجديدة!!! مضر جلال خيربك
» لا حياة لمن تنادي - مضر جلال خيربك