كيف تكون الثورة بحراً للدماء؟

كيف تكون الثورة بحراً للدماء؟ ...د. سلوى خليل الأمين
هي حلب الشهباء، قلعة الإباء والشموخ، موطن القصائد والهوى العذري، ومجمرة البخور المتحرك في فضاءات الإيمان، قلعة الصمود والنضال الوطني والقومي، وكوكب السماوات العلى،
المتحركة على مدارات العروبة الفواحة الضوع والمعطرة بعبير الثبات على الحق، المستمدة من تاريخها العريق نهضات الشموخ والإباء، ولهفة الماء إلى رأس النبع "دمشق الشام"، مهد الحضارات التي لوحت الزمان والعصور بشدائد فوارسها الواقفين أبدا على حد الكرامات، التي لا تهاب نوائب الدهر، ولا تكسرها الأعاصير مهما اشتد أوارها وارتفع.‏

من محراب جامعة حلب، من أبوابها المشرعة للعلم والتنوير، من قدسية مساراتها الايلة إلى استنهاض الطوالع الشبابية ، من حفيف صحائفها المدرجة على طقوس المسافات، ومن حاراتها الغاضبة من ثورة غاشمة حبكت خيوط المؤامرات على أبنائها في ليلة غفلة همجية ، فاجأتنا شراسة الإعصار التفجيري الملتحف رؤى أولئك الذين نصبوا أنفسهم عتاة الحرية، الحرية المزعومة التي انطلقت شراراتها من فوهات عقولهم المتحجرة، قتلا وذبحا للأنفس البشرية التي حرم الله قتلها،وتدميرا لبلد بني بالحكمة والصبر، والكفاح الطويل الذي أرسى الأمن والآمان في ربوع الوطن السوري، إنطلاقا من قدسية أعوام أنعمت على الشعب ببهجة السكينة، وهدوء البال، وإشراقات النهارات المتآلفة مع لحاظ الأماسي المغردة فوق التلال، والضفاف، والشاطئ المتوسطي المغسول بنثار الموج المتمايل زهوا فوق الرمال السمر .‏

عرفنا سورية منذ انطلاقة الحركة التصحيحية الأولى ورشة عمل وحركة بناء تطويرية مستمرة وناشطة للبشر والحجر، فالإنماء لا يقتصر على العاصمة فقط، بل امتد طولا وعرضا ليشمل المدن والبلدات والأرياف ، حيث الوقت من ذهب ،والكل معني بنهضة الوطن واستنهاضه، والمواطن السوري عاشق لوطنه ، متيم بأرضه ولحاظ العشيات وألحانها الأصيلة، لهذا كان طلب العلم فردوسه، بل كتابه المقدس الذي يؤوب إليه في كل اللحظات وعبر كل الظروف، وما اكتظاظ جامعة حلب بطلابها في ذلك اليوم المشؤوم إلا دليلا واضحا على قدرة المواطن السوري على اجتياز الازمات مهما طالت ومهما اشتد النفير.‏

ترى هل كان طلاب جامعة حلب يدرون أن يد الإجرام ستنتهك الحرم الجامعي العابق بالقراءات التي تنور الوطن وتستنهض عافيته المتماهية مع كل المحطات؟ وهل تنطلق الثورة على بحار من الدماء؟ وهل من أهداف الثورة قتل الطلاب على مقاعدهم الدراسية؟ هل هذه هي مبادئ الديموقراطية والحرية التي تغلف ثورتهم الشنيعة؟ هل التفجيرات المهلكة والقتل المتعمد للطلاب على مقاعدهم الدراسية هي هدفهم المنشود لبناء سورية الحديثة؟ أين لجان حقوق الإنسان في أميركا وأوروبا وتركيا وقطر وغيرها من الدول التي تدعي حمايتها الإنسانية للشعب السوري، تستنكر وتشجب هذا الفعل الإجرامي بحق الطــــــلاب والنــازحين الأبرياء‏

الذين قتلوا غدرا في جامعة حلب؟ ثم هل من يريد أن يحمي شعبا يقتل الطلاب في جامعاتهم ومدارسهم بأيد باردة وقلوب جافة، أليس هؤلاء الأبناء هم جيل المستقبل البناء؟ ثم هل يقتل الجيش النظامي أبناءه؟ كيف؟ وكيف لأي مراقب متابع، لما يجري على الساحة السورية من تدمير مبرمج لهيكلية الوطن بناسه ومؤسساته المستمر منذ عامين، الاقتناع بطروحات القوى الاستكبارية العالمية التي ضربت بالقوانين الدولية عرض الحائط توصلا إلى إسقاط دولة هي عضو مؤسس في جامعة الدول العربية وفي منظمة الأمم المتحدة التي تنص قوانينها على عدم انتهاك سيادة الدول والتدخل في شؤونها الداخلية، وهذا ما صرح به مؤخرا السيد علي أكبر ولايتي الأمين العام لمجمع الصحوة الإسلامية في طهران حين قال:.. إن سلطة أي دولة على أراضيها هو أمر عرف منذ القرن السابع عشر في أوروبا، مؤكدا على أن أي حكومة في أي دولة وأي عمل لإيصال هذه الحكومة يتم داخليا وهذا حق للشعب وهذا أيضا ما أوضحه الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير حين أكد على أن الشعب السوري وحده صاحب القرار في تقرير مصير بلده. بينما نجد في الطرف الآخر المتآمرين على سورية يربطون الحل في سورية بتنحية الرئيس بشار الأسد، وهنا المهزلة الكبرى، لأن العداء الشخصي الذي يحمله بعض الحكام العرب المرتهنين للسياسة الأميركية والداخلين في معاهدات صداقة مع إسرائيل، هي التي دفعتهم وتدفعهم إلى استمرار دعم الإرهابيين بالمال والسلاح، وذلك من أجل إسقاط مواقف الرئيس بشار الأسد النابعة من التاريخ المشرف لسورية الداعمة للمقاومة ضد العدو الإسرائيلي، والمتمسكة بعدم إسقاط حق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى أرضه والعاملة على تمتين أواصر تحالفاتها العالمية مع روسيا والصين وإيران من أجل إزاحة كابوس الهيمنة الاحادية الكونية التي استولت بقوتها الطاغية الباغية على حق تقرير المصير للشعوب قاطبة، وما الغطاء القائم حاليا للتدخل الفرنسي ضد مالي سوى تكملة للسيناريو المتفق عليه من قبل الامبريالية العالمية من أجل تقاسم ثروات العالم العربي، وتدمير كيانية دوله وسيادتها وإذلال الشعوب بالعمل على إفقارها.‏

هذا ما دعا بسورية، العالمة بالنوايا وخفايا الأمور ومؤامراتها المركبة، منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، إلى اتباع سياسة حفظ التوازنات الدولية والعربية في منطقة الشرق الأوسط بعيدا عن التدخل في السياسة السورية التي تدعم المقاومة ضد اسرائيل، وتصر على عدم إسقاط قضية الصراع العربي الإسرائيلي من الروزنامة القومية والوطنية، والتي حرص الرئيس بشار الأسد على اتباع أسلوبها ومضامينها حرصا على سورية من الاختراق المبيت، لهذا داعب تركيا، وحضن قطر، وعالج القضية اللبنانية ومتفرعاتها مع العاهل السعودي الملك عبدالله بكل الاحترام لسيادة الوطن والشعب، وعمد منذ توليه الرئاسة إلى سحب الجيش السوري من العاصمة بيروت على أمل إرجاع كل الوحدات السورية الموجودة في لبنان إلى ثكناتها حرصا على سيادة لبنان، وأثبت الفعل بالعمل حين قام بزيارة رسمية إلى لبنان عبر البروتوكول والمراسم الرسمية بين البلدين، إلى أن حان تنفيذ فصول المؤامرة التي نسجت بليلة مدبرة سلفا باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما تبع ذلك من تداعيات أثرت على العلاقة بين السعودية والسورية، التي حرصت عليها سورية كل الحرص انطلاقا من مبدأ اعتمادها على سياسة الوفاق والتوافق العربي الذي يشكل القوة الرادعة لانهزام إسرائيل.‏

الحكاية مستوطنة في ذاكرتنا التي لا تباع في سوق النخاسة، فالكل يعلم أن سورية التاريخ والعروبة هي القوة المساندة للصمود والحافظة لمبادئ القومية العربية من الاضمحلال . لهذا لن تسفح ثورة الدماء في جامعة حلب وفوق الأرض السورية، التي رسموها بعقولهم المتحجرة وقلوبهم الخالية من الرحمة والإيمان بالله، وضمائرهم المغبرة بالسواد، القيم والمبادئ التي فطم عليها أشراف الأمة العربية، ولن تهزم سورية المؤمنة بأنها قلب العروبة الذي سيبقى نابضا بالحياة مهما استعرت نيرانهم الحاقدة، وإن غدا لناظره قريب.‏

» كيف تكون الثورة بحراً للدماء؟ .
» 40 الماني في القبضة السورية لتهريبهم السلاح بحراً إلى جانب 300 مرتزق أجنبي
» الشيخ الراحل محمد سعيد رمضان البوطي ...الثورة على الثورة
» ما معنى ان تكون “معارض شيعي”؟
» إيران: الأسد خط أحمر... وتركيا تلعب بالنار أردوغان لدولة «داعش» ما بين النهرين... مقابل خطوط الغاز هل أخلى ريفي المولوي ومجموعته من التبانة... براً أم بحراً؟