دام برس :
يقول ابن خلدون في مقدمته : "إذن هكذا يشل حب الشهرة حركة المجتمع الإيجابية ليحولها إلى شكليات ومظاهر، ومسرحيات يخادع بها بعضهم بعضا، فالشهرة حين تصير غاية في ذاتها فمعنى ذلك تفشي الكذب والنفاق والخديعة والتصنع، وغياب القيم الحقيقية"
الكثير من بني البشر يبدأ مشوار كفاحه ونضاله بنوايا حسنه وصادقة باتجاه الدفاع عن مبادئ وثوابت يؤمن بها كالدفاع عن وطنه أو دينه أو حتى عمله أو علمه ول
كن ما أن يصبح علماً في هذا المجال يشار له بالبنان حتى تتحول نواياه الباطنية إلى حب الظهور والشهرة وتتوق نفسه إلى أن يكون هو حديث المجالس ومحط اهتمام الناس وقد يستطيع الكثير من هؤلاء الحفاظ (ظاهراً) على ما بدأ طريقه به من مبادئ ومثل ونتائج كانت سبباً لشهرته وظهوره، ولكن في واقع الأمر وفي قرارة نفسه يصبح المحفز الأكبر هو سعيه لهذه الشهرة التي قد تفتك به وبمن حوله غير آبه بكل ما أو من يحطمه في سبيل ذلك ناسياً أو متناسياً السبب الرئيسي الذي كان وراء شهرته هذه.
ولعل مسرح الأحداث في سوريا اظهر الكثير من النجوم في سماء العمل الوطني بما تحمله هذه السماء من معان راقية وما تستحقه سورية نفسها من تضحية ونضال، فمن يعشق دينه ويؤمن به حق إيمان لابد له وان يدافع عن سورية محط كل الأديان، ومن يعشق الأرض ويحامي عن العرض أيضاً لابد له أن يدافع عن سورية.
لكن مهلاً لأسف البعض أخذه الحال إلى مسار غير ذي مسار ومآرب غير تلك التي كانت شمعة تضيء دربه في بداية طريق التصدي والنضال والكفاح لأجل سورية لكي يصبح لأجل نفسه ونفسه فقط من حيث يشعر أو لا يشعر وإذا ما واجهه أحد بما وصل إليه من حال الاغترار بالدنيا والسعي خلف بريقها يسرد لك حفنة من التضحيات التي قدمها في درب كفاحه ولا أحد منا ينكر أن كل من تصدى للدفاع عن الغالية سورية تكبد مخاسر من نوع ما ومخاطر لكن الأصل في الأمر هو النية .. أهي خالصة لله .. أم تحولت مع الوقت والمكان إلى شيء آخر فرضه جو جديد وبيئة مختلفة وشخوص لم نعتد التعامل معهم ؟؟؟
الكثير من الأسماء التي لم يكن لها وجود على الساحة سواء سياسياً أو إعلاميا أو عسكرياً أو في أي مجال آخر على مستوى الفعاليات الشبابية مثلاً أو المنتديات الثقافية أو أو أو وفي خلال أشهر من الأزمة السورية أصبحت لامعة ولكن قليل جداً من استطاع أن لا يجعل هذا اللمعان والبريق يسيطر على مشاعره.
فالسوريين بطبعهم طيبون ويعشقون كل من يعمل لأجل عزة ومنعة سورية، لذا تراهم يلتفون حوله ويرفعونه على الأكف ويضعونه في أحداق عيونهم وهذا أمر طبيعي ، لكن الغير طبيعي التحولات التي تحصل لدى الطرف الآخر أي (المعشوق) إذ من خصائص الشهرة أنها تدع المرء إلى المغامرة دعّا، وتسوقه إلى تبرير كل وسيلة وأي وسيلة سوقا، لكي لا يفقد هذا الحب والاهتمام وهنا مكمن الخطر ، فقد رأينا الكثير من المشاهير يلجأوون في وقت من الأوقات إلى الانتحار عندما يشعرون أنهم فقدوا بريقهم وأنه بدأ يحل محلهم آخرون على الساحة كالفنانين المشاهير مثالاً
لذا ومن باب التناصح فعلى كل إنسان فاعل عامل على الساحة السورية أن يراقب نفسه الإمارة بالسوء جيداً ويراجع ضميره مراراً وتكراراً ونحاول في كل مره ننجرف فيها وراء الأضواء أن نحصر عملنا في طاعة الله والله فقط
قصة وعبرة على الهامش ...
ذات مره كنا أنا وزوجي في زيارة عالم دين جليل أكن له كل الاحترام والود وإذا بصورة ولده معلقة على الحائط وعليها شريط اسود فسألته عنه فقال لقد توفي وهو يحارب مع شباب حزب الله في الصفوف الأولى مع العدو فقلنا له يعني هو شهيد قال الله اعلم ،، فاستغرب زوجي من كلامه قال له كيف الله اعلم وقد استشهد وهو يحارب الأعداء مع حزب الله فرد قائلاَ: يا بني قد يكون ابني في لحظة ما أخذته الدنيا وكان إقدامه لنيل إعجاب الناس فحبط عمله لهذا أقول العلم عند الله فهو الوحيد الذي يعلم ما كان في صدر ابني عند ما وافته المنية ونسأل الله أن يكون مع الشهداء الأبرار ...
اعتقد إن كلام الشيخ الجليل هذا يستحق منا التوقف عنده كثيراً والتأمل فيه ملياً
فقد يخيل إلينا أن فلانا استشهد كالعالم الذي يبذل نفسه في إيصال العلم للآخرين أو كالجندي الذي يحارب في الميدان أو كالذي يموت قاضياً عمره في بذل ماله للفقراء والمساكين والمحتاجين ولكن في النهاية يحبط عمل الواحد منهم بسبب طلب شهرة بين الناس وحب للظهور الذي يقسم الظهور
أرجو الله أن لا نكون ممن يسعون للظهور والشهرة وان نقدم ما نستطيعه بنفس التفاني والدافع الذي بدأنا به ولأجله مشوارنا هذا وأن يكون حب الله والوطن هو الدافع الوحيد لدينا ، والتواضع غلافاً لهذا الدافع.
كتب المقال رفيق وجمانه لطف