منتدى عشاق سوريا الأسد
عزيزي الزائر .. أهلا وسهلا بك في منتداك
انت غير مسجل لدينا
يرجى التسجيل .. لإعلامك بكل ماهو جديد ولمشاركتك معنا بآرائك

تاريخ مدينة حلب Networ10
منتدى عشاق سوريا الأسد
عزيزي الزائر .. أهلا وسهلا بك في منتداك
انت غير مسجل لدينا
يرجى التسجيل .. لإعلامك بكل ماهو جديد ولمشاركتك معنا بآرائك

تاريخ مدينة حلب Networ10
منتدى عشاق سوريا الأسد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى عشاق سوريا الأسد

إلى كل محبي الدكتور بشار الاسد
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» فضيحة:(أمريكا منعت مشروعنا بعائد 350 مليار دولارسنوياً!لمحور قناة السويس الذي قدمناه لمبارك!وعـمر! والسيسي!)( نتحدى أن يكذبنا أحد!)
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالأحد أغسطس 09, 2015 7:15 pm من طرف النائب محمد فريد زكريا

» بتوجيه من الرئيس الأسد.. العماد أيوب يزور قواتنا العاملة في المسطومة ومحيطها بريف إدلب
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالإثنين أبريل 13, 2015 3:28 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» «مُجتهد» يكشف السيناريو القادم لـ«عاصفة الحزم» .. ماذا قال؟!
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالإثنين أبريل 13, 2015 3:25 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» هل الحرب على اليمن هي البداية لتنفيذ مشروع امريكا لتقسيم السعودية ؟؟
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالإثنين أبريل 13, 2015 3:20 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» جبهات حماه تشتعل..
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالإثنين أبريل 13, 2015 3:15 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» آل سعود من عزكم في ذل اليمن إلى ذلكم في عز اليمن
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالإثنين أبريل 13, 2015 3:13 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» آلية لضبط الأفواه!!
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالإثنين أبريل 13, 2015 3:03 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» "شمس" آل سعود بدأت بـ "المغيب"؟!!
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالإثنين أبريل 13, 2015 3:01 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» «الخبر برس» تنشر كواليس محاولة انتقام السعودية من الجزائر
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالإثنين أبريل 13, 2015 2:57 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» هل تجبر السعودية بوتين على الرضوخ في نهاية المطاف؟
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالإثنين أبريل 13, 2015 2:53 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» التدخل السعودي في اليمن وتدخل إيران وحزب الله في سورية
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالجمعة أبريل 10, 2015 4:29 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» مقالات المفكر العربي ناصر قنديل
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالجمعة أبريل 10, 2015 4:28 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» نبيه البرجي: السلطان و حصانه الخشبي
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالجمعة أبريل 10, 2015 4:22 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» بالتوازي مع الاتفاق الإطاري ادلب واليرموك بؤر إشغال .. والعين على دمشق
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالجمعة أبريل 10, 2015 4:20 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» صراع الرايات الإرهابية في مخيم اليرموك.. «داعش» تحاول التمدد الى أطراف دمشق
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالجمعة أبريل 10, 2015 4:08 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» السعودية حليفة «إسرائيل»
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالجمعة أبريل 10, 2015 4:06 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» تصدع تحالف العدوان على اليمن * الغزو البري بين الخوف والرفض!
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالجمعة أبريل 10, 2015 4:04 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» الإمام الخامنئي دام ظله: السعودية ستتلقى ضربة وسيمرغ أنفها بالتراب
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالجمعة أبريل 10, 2015 3:59 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» أمين سر تحالف القوى الفلسطينية: مخيم اليرموك ذاهب باتجاه عمل عسكري تشارك فيه القوات السورية والفصائل لطرد داعش
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالجمعة أبريل 10, 2015 3:58 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» تصريح مثير لأوباما.. هل أعطى الضوء الأخضر لشن «عدوان خليجي» على سوريا؟!
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالجمعة أبريل 10, 2015 3:56 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» انتهاء الجولة الثانية من لقاء «موسكو 2» بالتوافق على ورقة البند الأول فقط
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالجمعة أبريل 10, 2015 3:55 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» مفتي السعودية يخرج عن صمته ويرد على فتوى أكل لحم المرأة
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالجمعة أبريل 10, 2015 3:53 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» ما صحة «الفرمان» الموجه لرعايا الملك سلمان من اللبنانيين؟! (خضر عواركة)
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالجمعة أبريل 10, 2015 3:48 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» الخبر برس: سلاح الجو السوري يستهدف مقر «لواء براق الاسلام» بريف درعا ويقتل نائب «قائد» اللواء ومعه العشرات
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالجمعة أبريل 10, 2015 3:45 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

» قيادي تركي معارض يروي لـ«الخبر برس» قصة العلاقات الاسرائيلية مع المسلحين السوريين (الحلقة الثانية)
تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالجمعة أبريل 10, 2015 3:44 am من طرف سعودية وعشقي سوريا

المواضيع الأكثر نشاطاً
مقالات المفكر العربي ناصر قنديل
صباحيات ناصر قنديل سلسلة يومية
مقالات وتقارير لمراسل قناة العالم الاعلامي حسين مرتضا
مقالات بقلم الكاتبة : دينيز نجم
اخطر وأقوى الفيديوآت لثورة فبرآير [ البحرين ]
متجدد: تغطية أحداث يوم الأحد 24 مارس 2013
مرحبا بكم في منتدى عشاق سوريا الاسد
خبر عاجل:اكتشاف مجرة جديدة فيها نجم واحد اسمه بشار الأسد
الحزن يعم سوريا بعد وفاة ولي العهد السعودي !!
أنباء عن استهداف رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي بانفجار في آخر أوتوستراد المزة بالقرب من المؤسسة العامة للاتصالات

 

 تاريخ مدينة حلب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الياس
مراقب عام
مراقب عام
الياس


ذكر
الحمل عدد المساهمات : 6669
تاريخ الميلاد : 07/04/1964
تاريخ التسجيل : 15/09/2012
العمر : 60
العمل/الترفيه : دكتور في تاريخ ومقارنة الأديان
المزاج : متفائل بنعمة الله

تاريخ مدينة حلب Empty
مُساهمةموضوع: تاريخ مدينة حلب   تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالسبت نوفمبر 24, 2012 8:22 am

تاريخ مدينة حلب

لقد شغلت أصول المواقع التاريخية فكر الأجيال الأخيرة وانصب اهتمامها في البحث عن حكايات وتفاصيل تتعلق بها. هذا وبينما نعتمد في العصور الحديثة على أدوات أركيولوجية علمية، كان المؤرخون القدماء يميلون إلى البحث عن الروايات الشفاهية والأساطير التي لم يطلها النسيان، وهو الأمر الذي قام به المؤرخون الحلبيون من العصور الوسطى وقد وصلوا في بعض الأحيان إلى نتائج مدهشة.
تهدف الفقرات الآتية إلى تقديم موجز تاريخي وجغرافي عن حلب، وقد اعتمدت في ذلك سواء على الأخبار التاريخية أو الحقائق المادية المستنبطة من الجغرافيا الحضرية والأركيولوجية.
أصول المدينة
يذكر ابن الشحنة(1) وهو قاضي قضاة حلب في أواسط القرن الخامس عشر في تاريخه عن حلب (الدر المنتخب) حوالي اثنا عشر أسطورة تتعلق كلها بأصول المدينة. تشير أولى هذه الأساطير إلى اسم المدينة في ارتباط مع سيدنا إبراهيم الخليل:
(من مهاجر إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقد أقام بها مدة طويلة بعد هجرته حران ثم بيت المقدس. وحلب بها غنمه حتى قيل: إنها سميت حلب بفعله، وكان وروده إليها قبل أن تبنى، وكانت إقامته بتلها الذي صار قلعته وقيل: إنه كان يتردد من بيت المقدس إليه وله الآن مقام بأعلى القلعة وهو جامعها الآن)(2).
لا نستفيد طبعا من هذا الخبر سوى أن حلب كانت تعتبر قديمة جداً لكن ابن الشحنة يؤكد على ذلك فيقول:
(ولما ملك بلقورس الموصل وقصبتها يومئذ نينوس وكان المتولي يومئذ على خطة قنسرين حلب ابن المهر بني الحاب بن المكنف من العمالقة فاختط مدينة حلب وسميت به)(3).
تتعلق الأسطورة الواردة في هذه الفقرة بخط المدينة وليس باسمها أو تشيدها. حسب علمي فإن هذه الفقرة هي الوحيدة في أعمال العصور الوسطى العربية التي قد تشير إلى تصميم سلوقي للمدينة. يستمر ابن الشحنة في قوله:
(إن في السنة الأولى من تاريخ الإسكندر ملك سلوقوس الذي يقال له نيكاتور على سوريا وبابل بنى سلوقية وافاميا والرها وحلب واللاذقية. قال: ووجدت في بعض الكتب أن جميع عدد السنين منذ خلق الله ـ عز وجل ـ آدم ـ عليه السلام ـ إلى أول سنة من عدد اليونانيين وتعرف بسنين الإسكندر خمسة ألاف ومئتان وإحدى وعشرين سنة وهذا يدل على أن سلوقس بنى حلب مرة ثانية وكانت خربت بعد بناء بلوكوش فجدد بناءها سلوقوس. فإن مابين المدتين ما يزيد على ألف ومائتي سنة)(4).
إذا تركنا الحساب جانبا فإنه من الواضح أن ابن الشحنة كان مطلعا على أمرين: أن سلوقس أسس من حلب جزءا فقط. وأن حلب كانت موجودة لأكثر من 1200 عام قبل سلوقوس حوالي1500 قبل الميلاد، وهذا يقودنا إلى ما يصطلح عليه بالفترة السورية الوسطى (1000 - 500 ق.ب) حسب تصنيف علماء الآثار لكن حلب كانت قد وردت 1000 سنة قبل ذلك في أرشيفات إبلا EBLA الواقعة على بعد 55 كيلومتر جنوب غربها وكانت آنذاك حديثة العهد بالتأسيس. حسب هذه الوثائق فإن ملوك إبلا Ebla أعادوا بناء هيكل الإله حدا في حلب وقدموا له قرابين(5).
حوالي 1930 ق.م كان جريم ليم ـ Jarim ـ lim ملكا على حلب وكان يبسط نفوذه على مملكة تمتد من المتوسطي حتى دجلة. وقد وجدت أنقاض تعود إلى هذه الفترة في هيكل إله الرعد الذي اكتشفت مؤخرا في قلعة حلب ولكن أيضا تحت الجامع الكبير حيث ربما كان يوجد معبد ثان لإله الرعد وقرب الباب الشمالي الغربي للمدينة القديمة، باب الفرج(6) كانت فترة نفوذ الحثيين (القرن الثالث عشر ق.م) مرحلة أخرى هامة من تاريخ حلب خلال الألفية الثانية قبل الميلاد. لا زالت نقيشة من هذه الفترة توجد على الحائط الجنوبي لمسجد القيقان بحي العقبة شمال شرق باب أنطاكية وهو الباب الغربي للمدينة القديمة(7) تشير إلى رفع معبد.
تمت إعادة بناء المعبد الموجود على القلعة لآخر مرة عند نهاية القرن العاشر ق.م وفي القرن الثامن ق.م كان إله حلب يعتبر أحد آلهة الجو السبعة الأكثر أهمية في الشرق الأدنى. وفي 539 ق.م سيطر ملك الفرس قورش على الإمبراطورية البابلية الجديدة التي تضم ضمن نفوذها حلب فأصبحت المدينة جزءا من الإمبراطورية الاخمينية الفارسية. إلى يومنا هذا لا يوجد أي دليل أركيولوجي على فترة الحكم الاخميني في حلب لكن يمكننا أن نفترض أن الوضع بقي على ما كان عليه وأن التأثير الاخميني في ثقافة وتاريخ حلب كان طفيفا. وكما هو الحال في كل إرجاء الإمبراطورية الاخمينية، احترم الحكام الاخمينيون العادات المحلية واستقطبوا النخبة المحلية داخل منظومة حكمهم.
نعلم على أساس حقائق أركيولوجيا وتاريخية ضعيفة أن مدينة حلب القديمة الاخمينية كانت تقع غرب وشمال غرب القلعة، هل كانت هذه المدينة تمتد حتى شمال باب أنطاكية حيث تم العثور على المنقوشة الحثينية المذكورة أمر يمكن الجزم فيه. تبقى الحفريات بتل حي العقبة وحدها كفيلة للإجابة عما إذا كان يوجد هناك مركز سكني قبل الفترة الهلنستية أم لا.
حلب خلال الفترة الهلنستية والرومانية والبيزنطية
بعد معركة إيسوس 333 ق.م استولى الإسكندر الكبير على الإمبراطورية الاخمينية الفارسية في محاولة قصيرة الأمد لتوسيع إمبراطوريته المتوسطية جهة الشرق. بعد وفاته سنة 323 ق.م جزئت إمبراطوريته وتحول حكمها إلى بعض قاداته. في الشرق، عادت إيران والأردن وسوريا لسلوقوس I نيكاتورا (280 - 312 ق.م) الذي شيد أو وسع عددا من المدن في سوريا الكبرى من بينها حلب التي غيرت أعماله كثيرا من مظهرها.
غرب المدينة الاخمينية القديمة التي كان أدنى ما تمتد إليه هو محيط الجامع الكبير تم تشيد مدينة جديدة حسب التصاميم الهلنستية وأطلق عليها اسم بيروا Beroea. لا زال من الممكن الوقوف عند هذا التوسع الهلنستي في تصميم الأجزاء الغربية من المدينة القديمة الحالية لحلب. بدءا من الباب الغربي، باب أنطاكية، يجري المحور الرئيسي للسوق (البازار) على طول 700 مر تقريبا جهة الغرب الشرقي في اتجاه القلعة مباشرة. تتفرغ عشر دروب في زاويا مستقيمية عن هذا المحور في اتجاه الجنوب وتلتحم ببعضها البعض بعد 124 متر لتشكل محورا آخر يوازي المحور الرئيسي. خارج هذا المحور يمكننا العثور على آثار ستة دروب أخرى تجري نحو الجنوب. شمال المحور الرئيسي، يمكن تحديد مكان أربعة دروب شمالية جنوبية أخرى. تشكل المحاور والدروب هدفا مستطيلات تبلغ مساحتها حوالي 124 مترا وهي بقايا التخطيط الهلنستي المتشابك الدروب والذي ربما كان يغطي كل المنطقة الواقعة بين الجامع الكبير في الجهة الشرقية والأسوار الحالية للمدينة في الجهة الغربية، شمال وجنوب المحور الرئيسي، باستثناء منطقة العقبة. وبما أن المخطيطين ـ المهندسين ـ الهلنستين لم يكونوا يأبهون للحواجز الطبيعية كالتلال (على سبيل المثال مليت Milet) فإنه ربما يكون هذا دليلا على أن منطقة العقبة كانت مسكونة آنذاك. وهكذا فالمتفوشة الحثية الموجودة بجامع العقبة (انظر أعلاه) قد تكون من هذه المنطقة. أكثر من هذا فإما أن مدينة ما قبل الفترة الهلنسية كانت تمتد غربا حتى هذه النقطة أو أن منطقة العقبة كانت ربضا لحلب ما قبل الفترة الهلنستية.
كنتيجة لهذا يمكننا أن نفترض أن الجزء السلوقي من حلب كان يمتد لحوالي 550 مترا شرقا وغربا و780 مترا شمالا وجنوبا على الأقل. بكل احتمال كانت المدينة الهلنستية مربعة الشكل وكانت تمتد شرقا حتى قدم القلعة محتلة بذلك أجزاء من المدينة التي يعود تاريخها إلى ما قبل الفترة الهلنستية. هذا ما يؤكده تراكب شبكة الدروب الهنلستية مع أسلوب دروب أخر جهة الشرق في المنطقة الممتدة بين الجامع الكبير والقلعة. حتما لابد أن مصممي بيروا Beroea الهلنستية ملؤوا فضاءات مفتوحة وربطوا بين مركزين سكنيين كانا فيما قبل منفصلين وهما المنطقة الواقعة غرب القلعة ومنطقة العقبة وذلك لتشكيل بنية حضرية موحدة. بكل احتمال كان يحيط بهذه المدينة سور كما هو حال لوديسيا Laodicea دورا وربوس Doura Eropos أفامية وأنطاكية.
إلى حد الآن لم يتم العثور بعد على أية بقايا أثرية هامة من الفترة الهلنستية بحلب لكن بإمكاننا أن نفترض أنه موقع الجامع الكبير وضاحيته كان يحتله في الفترة الهلنستية معبد وبنايات عمومية مثل الأجورا (وهي ساحة تقام فيها التجمعات وتدار فيها التجارة) هذا ما تؤكده عمليات حفر أنجزت مؤخرا لمد شبكة تصريف جديدة بالقرب من السور الغربي والجامع الكبير إذ ظهرت بقايا أعمدة وقواعد إلى الوجود وهو ما تؤكده أيضا أعمال ترميم أنجزت مؤخرا في قاعة الصلاة. بالجامع الكبير إذ تم اكتشاف طبقة من الردوم الأثرية يبلغ سمكها ثمانية أمتار تحت أرضية قاعة الصلاة في أعمق نقطة من هذه الحفريات تم العثور على بقايا جدران ضخمة وفخار يعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد. وقد تم اكتشاف بقايا هلنستية رومانية تحت أرضية قاعة الصلاة تقريبا على نفس مستوى البقايا الموجودة خارج الحائط الغربي للجامع.
هذا دليل كاف لإثبات أنه في الفترة الهلنستية الرومانية كانت بنايات عمومية شاسعة تنتصب حول الجامع الكبير وليس من المغالات مقارنة الوضع حول الجامع الكبير لحلب بالوضع حول الجامع الكبير لدمشق. ففي دمشق، كما في حلب، تم تشييد الجامع الكبير على أو بالقرب من موقع كاتدرائية مسيحية تعود إلى ما قبل الإسلام وقد شيدت بدورها على موقع هيكل هلنستي روماني ومعبد يعود إلى ما قبل الفترة الهلنستية. لا يمكننا سوى التكهن بالطريقة التي كانت تربط القلعة بالمدينة في الفترة الهلنستية وبكل احتمال كانت تدخل ضمن سور المدينة قياسا على مدن سورية هلنستية أخرى.
لا نعرف أي شيء عن التغييرات التي شهدتها المدينة في عهد الرومان أي مابين القرن الأول ق.م والقرن الرابع الميلادي حين (كما في العهد الهلنستي) كانت أنطاكية، إحدى أهم مدن الإمبراطورية الرومانية، تلقي بضلالها على حلب. لكن ـ وكباقي المدن السورية ـ من الأكيد أن حلب استفادت من الازدهار العام الذي نتج عن طول مدة الحكم الروماني. هكذا يمكننا أن نفترض أن المدينة شهدت حركة معمارية وهندسية وربما تم تزويدها بالشبكة المائية التي استفادت من خدماتها حتى العقود الأولى من القرن العشرين. لم يتم نقل أية أحداث تاريخية بخصوص حلب خلال الفترة الرومانية لكن بإمكاننا أن نعتبر أن حيا أو أكثر كان قد شيد خارج الأسوار بالضاحية الشرقية والجنوبية للمدينة.
في الفترة الهلنستية الرومانية كان لمدينة قنسرين الواقعة على بعد 25 كيلومترا فقط جنوب غرب حلب موقع استراتيجي بالنسبة للصحراء. لكن يصعب تحديد نوعية العلاقات بين حلب وقنسرين. فقنسرين ما قبل العصر الهلنستي كما هو شأن حلب في ذلك، تم توسيعها على يد السلوقيين وأطلق عليها اسم خلقيس. في أواخر القرن الثالث الميلادي كانت خلقيس المحطة الرئيسية في منظومة الدفاع الروماني المعروفة بلميس خلقيس Limes khalkis (Cool. يمكن للمرء أن يفترض أن لحلب وقنسرين مهام مختلفة؛ فحلب كانت المركز الإداري للمنطقة وقنسرين خلقيس مركزها الدفاعي وقد استمر هذا الوضع حتى السنوات الأولى من الإسلام حين أصبحت قنسرين مركزا للجند، وحدة إدارية عسكرية. تجد هذه الفرضية ما يدعمها في كون الملك قباد الفارسي لم يهاجم قنسرين خلال حمتله على سوريا سنة 531م ونفس الشيء ينطبق على ابنه كسرى I الذي غزا عدة مدن في سوريا سنة 540م بما فيها أنطاكية لكنه لم يهاجم قنسرين خلقيس.
في ارتباط مع حملة كسرى الأول نحصل على أول معلومة حول ظهور حلب فيما قبل الإسلام: ينقل المؤرخ البيزنطي بروكوبيوس Procopius في مؤلفه (تاريخ الحروب) محاصرة كسرى الأول لحلب وتدميرها:
بعد أن تسلم كسرى الفدية النقدية من هيرابوليس Hierapolis اتجه نحو بيروا Beroea وتقع هذه المدينة بين هيرابوليس وأنطاكية (...) جاء الفرس حتى ضواحي بيروا فأرسل كسرى بولوس Paulus إلى المدينة ليطلب من أهلها دفع فدية مالية. لم يطلب نفس مبلغ الفدية التي طلبها لهيرابوليس بل طلب الضعف لأنه لاحظ أن سور المدينة تشوبه عدة مواطن ضعف. تعهد سكان بيروا بدفع الفدية لأنهم على علم بضعف أسوار مدينتهم. بعد أن دفعوا 2000 ليبرة من الفضة قالوا لكسرى بأنهم لا يستطيعون دفع أكثر من ذلك، لكن وأمام إصرار كسرى على دفع المبلغ كله فروا إلى القلعة الواقعة على الأكربول (جزء أعلى محصن من مدينة إغريقية) والتحق بهم الجنود الدين يعول عليهم لحماية المدينة. في اليوم التالي أرسل كسرى رجاله إلى المدينة لجمع النقود غير أنهم لما جاءوها وجدوا أبوابها مغلقة ولم يروا أحد من سكان المدينة فاخبروا ملكهم بذلك فأمرهم بوضع السلاليم على الأسوار واقتحام المدينة. فعلوا ما أمروا دون أن يعارضهم أحد فدخلوا المدينة وفتحوا أبوابها لتدخها كل جيوش كسرى وكسرى نفسه. أثر غضبه أمر هذا جنده بإحراق المدينة عن كاملها تقريبا عندها صعد إلى الاكربول وأمر بمحاصرة القلعة. استطاع الجنود الرومان قتل بعض العساكر الفرس لكن وبفضل غباء المحاصرين كان للملك امتياز: (فالسكان لم يفروا بأرواحهم فقط بل اخذوا معهم خيولهم وحيوانات أخرى وقد تبين لهم فيما بعد أنها ثقل كبير لهم فقد كان للقلعة منبع ماء واحد فقط وكانت تشرب منه الخيول والبغال وحيوانات أخرى فقل منسوب المياه في وقت وجيز وبعد مفاوضات طويلة اعتق الملك رقاب المحاصرين وعفا لهم عن الفدية المطلوبة)(9).
بما أننا لا نتوفر على أية معلومات حول المدينة قبل 530م فما علينا إلا الرضى بهذا العرض التاريخي. ومنه نعلم أن حلب لها أرباض وسور في حالة سيئة وأنه على الأكربول كانت توجد القلعة التي كان لها منبع وماء واحد إضافة إلى هذا نعلم أن كسرى أمر بحرق المدينة. انطلاقا من هذا يمكننا التفكير في أن مدينة حلب لم تكن في ذلك الوقت قد بنيت بعد بالحجر كما هي اليوم. لابد أن الخشب كان يستعمل بكثرة في البناء (بهذا الصدد لم يتم تغيير أسقف السوق الخشبية بعقود من حجر إلا بعد الحريق المهول لسنة 1290م والجامع الكبير) قد لا نكون مخطئين إذا افترضنا أنه في هذه الفترة أي القرن السادس (وما بعده) كانت البيوت تشيد بالطين أو بأجور الطين وليس بالحجر ونفس الشيء قد ينطبق على سور المدينة الذي كان في حالة سيئة عند الهجوم الفارسي على المدينة.
يمكن دعم هذا العرض التاريخي الهزيل وما أسفر عنه تحليل تصميم المدينة بحقيقة مادية أخرى. بالقرب من الحائط الغربي للجامع الكبير وكجزء منصهر في المدرسة الحلاوية تنتصب غرفة نصف مستديرة مقبوة وبها صدر محراب تبلغ مساحتها 11 مترا من كل جانب وبها أعمدة وتيجان أعمدة قد يرجع تاريخها إلى القرن السادس الميلادي.وبما أن هذه الغرفة موجهة نحو الغرب فإنه من غير الممكن أن تكون صدر الكاتدرائية المسيحية الأولى. من المعقول أن تكون بقايا ضريح شهيد أو بيت عماد كنيسة صغيرة مثل كنيسة مجيعة Mujieya قرب حلب(10)، أو جزءا آخر من الكاتدرائية. وجود بناية بهذه المواصفات الهندسية قرب الجامع الكبير يدل على أن المركز الديني للمدينة البزنطية أسس في موقع يفترض أن ينتصب فيه مركز حضري هام يعود إلى ما قبل البزنطيين وهذه حقيقة أكدتها المصادر العربية فيما بعد. حسب المؤرخ الحلبي ابن شداد فالجامع الكبير كان قد شيد في حديقة الكاتدرائية(11).
تدل بقايا القرن السادس المشار إليها أعلاه على أن مدينة حلب شهدت حركة عمرانية بعد هجوم كسرى عليها. طبعا لم تكن هذه الحركة تقتصر على الكاتدرائية والبنايات المحيطة بها ويمكننا أن نفترض أنه بعد الدمار الذي تسبب فيه الفرس بدأ الإمبراطور جوستنيان Justinian عمليات بناء شاسعة شملت أيضا سور المدينة.
القلعة وسورة المدينة وبقايا بناية دينية من الطراز الرفيع كلها مآثر تشهد على الفترة البزنطية. لابد أن مدار سور المدينة بقي على ما كان عليه قبل البزنطيين. كان للقلعة منبع مائي وحيد ولابد أن هذا المنبع هو الجب الكبير الذي لا يزال اليوم في حالة جيدة. في ذلك الوقت لم يكن بعد للقلعة ربط سري بالشبكة المائية للمدينة، وهذا يقودنا إلى التساؤل حول ما إذا كانت الشبكة المائية للعصور الوسطى التي وصفها ابن شداد(12) بتفصيل دقيق موجودة قبل القرن السادس. قد لا يبدو الأمر كذلك لكن هناك دلائل واضحة على أن حلب كانت لها منظومة مائية فيما قبل الإسلام وربما كانت جد متطورة كالتي كانت لها أيام ابن شداد.
إضافة إلى هذا نعلم أن حلب كان لها في القرن السادس أحياء في ضاحيتها الشرقية وقد جاء كسرى من الشرق ونزل بها. يمكن الحصول على دلائل ملموسة تثبت وجود هذه الأحياء في أعمدة وتيجان أعمدة تعود إلى ما قبل الإسلام تمت إعادة استعمالها في عدة أماكن بالأحياء الشرقية الواقعة خارج السور. ربما كانت أحياء الضاحية هذه موجودة في الجهة الجنوبية الغربية أيضا مادام أن هناك إشارات أدبية إليها في بداية العهد الإسلامي. رغم غياب دلائل مادية تثبت ذلك تظل الشكوك محيطة بمجرى سور المدينة في الجهة الشمالية الغربية. فهنا كان يوجد حي اليهود باهستا Bahsita والاسم من أصل أرامي وليس عربيا. لا يمكن تحديد ما إذا كان هذا الحي داخل أو خارج سور المدينة.
لابد أن تغييرات بنيوية حدثت في الفترة البزنطية داخل مركز المدينة، أي على المحور الرئيسي الممتد بين باب إنطاكية والقلعة. ربما بقي هنا الزقاق الهلنستي الروماني بأعمدته صامدا حتى نهاية الإمبراطورية الرومانية وبدايات العهد الروماني الشرقي. خلال هذه الفترة بدأت التصورات الحضرية الشرقية تتخد تدريجيا مكان الأسلوب الهندسي الهلنستي الروماني السابق. وقد قاد هذا إلى إضفاء أو إعادة إضفاء طابع شرقي على البنية الحضرية للمدينة.
لم تكن الأزقة الشاسعة التي تسمح بمرور عربات عريضة جزءا من الإرث الحضري الشرقي الذي يعكس ألاف السنين من التجربة المحلية في التنظيم الاجتماعي والمجالي. فالتنقل على الأقدام والنقل بواسطة الجمال والبغال والحمير جعل الأزقة الهلنستية الرومانية المعمدة أمرا متجاوزا. ولهذا تم تقسيمها إلى زقاقين ضيقين متوازيين كما أن الفرجات وأيضا الأروقة الجانبية المقنطرة أصبحت تحتلها الحوانيت والأكواخ بشكل تدريجي. كانت هذه المسالك الضيقة تليق بعادات النقل الشرقية وهي أكثر ملائمة للمناخ المحلي من أزقة الفترة الهلنستية الرومانية الشاسعة. غير هذا الأجراء المدن السورية التي كان لها فيما قبل طابع غربي مثل حلب لتعود إلى ما كانت عليه فيما قبل الفترة الهلنستية: مدنا شرقية بأزقة ضيقة متعرجة وغير نافدة. يصعب دون مصادر مكتوبة تحديد أيّ من هذه التغييرات ظهر في أواخر العهد البزنطي وأيّ منها ظهر في بدايات العهد الإسلامي.
مدينة حلب تحت الحكم الإسلامي (637م ـ 1250م)
استولى المسلمون على حلب سنة 637م لكننا لا نتوفر إلا على معلومات قليلة بخصوص القرون الأولى من الحكم الإسلامي. ولقد بدأ بناء الجامع الكبير بفنائه المربع الذي تحيط به ثلاثة أروقة مقنطرة وقاعة صلاة بعقودها خلال حكم الخليفة الأموي الوليد (705م ـ 715م) وانتهت الأشغال به خلال الفترة القصيرة من حكم أخيه سليمان (715م ـ 717م) وقد شيد هذا الجامع بالقرب من الكاتدرائية المسيحية حيث كان يوجد المعبد السابق للعهد البيزنطي وبنايات عمومية أخرى. لا نعرف ماذا حل بالكاتدرائية: هل دمرتها النيران أو كارثة طبيعية أخرى، هل تم التخلي عنها أم تم سلبها؟ أم أنه يحتفظ بجزء منها في المدرسة الحلاوية؟
ظلت المعلومات التاريخية حول هذه المدينة جد هزيلة إلى غاية القرن العاشر الميلادي وقد تغير هذا الوضع خلال حكم الحمداني سيف الدولة (944م، 967م) الذي اتخذ من حلب عاصمة له واستقطب في بلاطه كبار فناني ومفكري زمانه وزين المدينة وأسس بضاحيتها الغربية قصرا كبيرا وشيد الضريح الشيعي مشاد الدقة ودخل في حروب مع البزنطيين هوت بعرشه في آخر المطاف في سنة 962م. غزا البزنطيون حلب والحقوا بها دمارا كبيرا. يصف الجغرافي العربي ابن حوقل الذي تعود كتاباته إلى حوالي 978م المدينة بعد الغزو البزنطي:
((..) حلب وكانت عامرة غاصة بأهلها كثيرة الخيرات على مدرج طريق العراق إلى الثغور وسائر الشآمات. وافتتحها الروم مع سور عليها حصين من حجارة لم يغن عنهم من العدو شيئا(...) فأخرب جامعها وسبى ذراري أهلها وأحرقها. ولها قلعة غير طائلة وقد عمرت وقتنا هذا ولجأ إليها في وقت فتح حلب قوم فنجوا وهلك بحلب وقت فتحها من المتاع والجهاز للغرباء وأهل البلد وسبى منها وقتل من أهل سوادها ما في إعادته على وجهه أرماض لمن سمعه ووهن على الإسلام وأهله وكان لها أسواق حسنة وحمامات وفنادق كثيرة ومحال وعراص فسيحة(...) وشرب أهلها من نهر بها يعرف بأبي الحسن قويق ولم تزل أسعارها في الأغذية قديما وجميع المآكل والمشارب واسعة رخيصة)(13).
سنوات بعد ذلك فقط كتب جغرافي عربي آخر وهو المقدسي:
(مدينة حلب عظيم قدرها وجليل أمرها جد محصنة في أهلها كثرة العلماء والشعراء غاصة بالسكان وبناءها من الحجر وهي تنتصب وسط أراضيها لها قلعة شاسعة وجد محصنة وبها منبع ماء وبها يخزن الكنز السلطاني. في البلد جامع كبير. يشرب أهلها من القويق، قصرها ليس بكبير لكن به يوجد مقر إقامة السلطان.للمدينة سبعة أبواب)(14).
في سنة 1047م زار الرحال الفارسي ناصر اخسروا Nasir –i khusraw حلب وهذا ما نقرأه فيما كتب عنها:
(تبدو حلب مدينة حسنة لها أسوار كبيرة يبلغ علوها حسب تقديري 50 قدما ولها قلعة متينة شيدت برمتها على الحجر وأظن أنها تضاهي في شساعتها قلعة بلخ.Balkh كل بيوت حلب وبناياتها متراصة وبها تقبض المكوس بين أراضي سوريا، أسيا الصغرى ديار بكر مصر والعراق. من كل هذه البقاع يقصد التجار والباعة حلب. للمدينة أربعة أبواب)(15).
نجد تقريرا أخر عن المدينة في المعجم الجغرافي لياقوت وفيه ينقل الكاتب عن الفيزيائي المسيحي ابن بطلان الذي زار حلب حوالي 1051م:
(حلب بلد مسور بحجر ابيض وفيه ستة أبواب وفي جانب السور قلعة في أعلاها مسجد وكنيستان وفي أحداهما كان المذبح الذي قرب عليه إبراهيم عليه السلام. وفي أسفل القلعة مغارة كان يخبىء بها غنمه وكان إذا حلبها أضاف الناس بلبنها. فكانوا يقولون حلب أم لا ويسأل بعضهم بعضا عن ذلك فسميت لذلك حلبا. وفي البلد جامع وست بيع وبيمارستان صغير(...) وشرب أهل البلد من صهاريج فيه مملوءة بالمطر(...) وهو بلد قليل الفواكه والبقول والنبيد إلا ما يأتيه من بلاد الروم(...) ومن عجائب حلب أن في قيسارية البز عشرين دكانا للوكلاء يبيعون فيها كل يوم متاعا قدره عشرون ألف دينار مستمر ذك مند عشرين سنة إلى الآن، وما في حلب موضع خراب أصلا)(16).
أكثر من مائة عام بعد ذلك زار الرحالة الأندلسي ابن جبير حلب ودون بشأنها المعلومات الهامة الآتية:
(حلب مدينة الأمراء الحمدانيين جعل سيف الدولة منها عروسا وإن من شرف هذه القلعة أن يذكر أنها كانت قديما في الزمان الأول ربوة يأوي إليها إبراهيم الخليل، عليه وعلى نبينا الصلاة والتسليم، بغنيمات له فيحلبها هناك ويتصدق بلبنها فلذلك سميت حلب والله أعلم وبها مشهد كريم له يقصده الناس ويتبركون بالصلاة فيه ومن كمال خلالها المشترطة في حصانة القلع إن الماء بها نابع وقد صنع عليه جبان.
ويطيف بهذين الجبين المذكورين سوران حصينان من الجانب الذي ينظر للبلد. ويتعرض دونهما خندق لا يكاد البصر يبلغ مدى عمقه والماء ينبع فيه. وشأن هذه القلعة في الحصانة والحسن أعظم من أن ننتهي إلى وصفه وسورها الأعلى كله أبراج منتظمة فيها العلالي المنيفة والقصاب المشرفة قد تفتحت كلها طيقانا، وكل منها مسكون وداخلها المساكن السلطانية والمنازل الرفيعة المملوكية.
أما البلد فموضوعه ضخم جدا حفيل التركيب، بديع الحسن، واسع الأسواق كثيرها متصلة الانتظام مستطيلة تخرج من سماط صنعة إلى سماط صنعة أخرى إلى أن تفرغ من جميع الصناعات المدنية، وكلها مسقف بالخشب وسكانها في ظلال وارفة (...) وأما قيساريتها فحديقة بستان نظافة وجمالا. مطيفة بالجامع المكرم (...) وأكثر حوانيتها خزائن من الخشب البديع الصنعة. قد اتصل السماط خزانة واحدة وتخللتها شرف خشبية بديعة النقش وتفتحت كلها حوانيت فجاء منظرها أجمل منظر. وكل سماط منها يتصل بباب من أبواب الجامع المكرم. وهذا الجامع من أحسن الجوامع وأجملها. قد أطاف بصحنه الواسع بلاط متسع مفتح (...) ويتصل به من الجانب الغربي مدرسة للحنفية تناسب الجامع حسنا وإتقان صنعة فهما في الحسن روضة تجاور أخرى (...) وللبلدة سوى هذه المدرسة نحو أربع مدارس أو خمس.. ولها مارستان (...) فإن لها ربضا كبير مستدير فيه من الخانات ما لا يحصى عدده وبهذا الربض بعض بساتين تتصل بطوله(17).
وختاما: هذه فقرة من عمل الجغرافي ياقوت الذي تم تأليفه في النصف الأول من القرن الثالث عشر فبعد تقديم معلومات عامة عن المدينة وتاريخها وأماكنها التي تحظى باهتمام السكان وانطلاقا من نص ابن بطلان يستمر الكاتب في حديثه عن المدينة.
(مدينة حلب في وطأ من الأرض وفي وسط ذلك الوطأ جبل مدور صحيح التدوير مهتدم بتراب صح به تدويره. والقلعة مبنية في رأسه ولها خندق عظيم وصل بحفره إلى الماء وفي وسط هذه القلعة مصانع تصل إلى الماء المعين وفيها جامع وميدان وبساتين ودور كثيرة وكان الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب قد اعتنى بها بهمته العالية فعمرها بعمارة عالية وحفر خندقها)(18).
ليس من الممكن إعادة بناء حلب العصور الوسطى انطلاقا من هذه العروض التي أنجزها كتاب لم تنجبهم بلاد الشام لكن يمكننا أن نخرج منها بخلاصات حول نظرة الأجانب إلى هذه المدينة. في هذا المضمار تعتبر القلعة نقطة الاستدلال الأولى للمدينة. باستثناء ابن حوقل فكل الكتاب يصفون هذه القلعة ويشيدون بحصانتها. كتب بعضهم عن منظومتها المائية، عن مزارتها عن الخندق المحيط بها وبساتينها وعن ميدانها وجامعها. عموما يتم اعتبار سور المدينة أيضا حصينا وتتم الإشارة إلى أعداد مختلفة من الأبواب على سورها وبمارستان ومدارس وجوامع وحمامات وبيع. وكانت الميادين تقع داخل المدينة. عند نهاية القرن الثاني عشر كانت تحيط بضواحيها أحياء، بها خانات قوافل وكان أهلها يشربون من نهر القويق.
يقدم لنا مؤرخ محلي وهو ابن شداد (1285م)(19) وصفا للمدينة قبل هجوم المغول عليها سنة 1260م في 175صفحة مطبوعة. بعد فصول المقدمة تطرق الكاتب إلى البنايات، سور المدينة، قطاع قلعة الشريف، الميدان، أبواب المدينة، القلعة وبعض القصور الموجودة بها، الجامع الكبير، ثلاثة جوامع أخرى، المزارات، أسماء سبع مائة مسجد (!) بمواقعها الغير المحددة داخل وخارج أسوار المدينة، أدير التآخي الديني (رباط) مدارس، حمامات داخل وخارج السور وأتى عليها بفصل جد هام، حول المنظومة المائية للمدينة.
عرض ابن شداد أكثر إفادة من آراء كتاب غير محليين لكن لو أننا كنا نتوفر على عمله دون غيره لما استطعنا أن نبحر بعيدا في تاريخ حلب. فكتاباته تصحبح قيمة إذا نظرنا إليها في ضوء المعلومات المستوحات من المصادر القديمة. هذه الأخيرة وحدها تسمح لنا بتكوين صورة واضحة عن طبوغرافيا ومظاهر حلب في العصور الوسطى.
إذا نظرنا إلى البنايات التي ظلت في حالة جيدة منذ ما قبل 1250 وإلى نص ابن الشحنة الذي يصف فيه حلب في القرن الخامس عشر معتمدا في ذلك على نص ابن شداد يمكننا أن نخلص إلى أنه مابين القرن الثالث عشر والخامس عشر لم تظهر أي تغيرات جدرية على مظهر المدينة الداخلية غير أنه لا يجب الاستهانة بوقع حركة العمران التي شهدتها المدينة في عهد المماليك والدمار الذي تسبب فيه الهجوم المغولي عليها سنة 1260م. فمدار سور المدينة الحالي يعود إلى عهد المماليك. ونحن نعلم أن مدينة القرن الثالث عشر المسورة كان لها شكل مختلف. في ذلك الوقت كانت القلعة تقع على الطرف الشرقي من حائط سور المدينة. وتدل الابرج الموجودة جنوب وشمال المنطقة الواقعة خارج القلعة بشكل تقريبي على المكان الذي كان يرتبط فيه سور المدينة في القرن الثالث عشر بحائط القلعة. هذا يعني أن زمالة المنطقة الواقعة شرق ذلك الخط وجنوب وشرق جنوب الخط المتعرج الممتد بين باب قنسرين الجنوبي الغربي والبناية الحكومية الحالية الواقعة عند قدم القلعة، كانت لا تزال تقع خارج السور خلال القرن الثالث عشر.
لا تفيد البنايات التي بقيت في حالة جيدة والتي يعود تاريخها إلى ما قبل 1250م، لا تفيد كثيرا في تحديد نقطة امتداد أحياء الضاحية الواقعة خارج السور في القرن الثالث عشر. لم يبقى أي نظير لهذه البنايات في الشمال والشرق والشمال الغربي من المدينة بينما يمكن العثور على بناية واحدة منها في الشمال الشرقي، اثنتين في الجنوب الشرقي ومثلهما في الجنوب، واحدة في الجنوب الشرقي (ظلت سليمة حتى القرن العشرين) وأيضا بناية واحدة في الغرب بها منقوشة سليمة. داخل السور الأيوبي للمدينة بقيت عدة بنايات تعود إلى ما قبل 1250 صامدة في وجه الزمان ودوائره وهي تؤكد من خلال تمركزها أن الطرقات الحالية في هذه المنطقة لازالت تتبع نفس المجرى الذي كانت تتبعه في القرن الثالث عشر.
يشير ابن شداد ضمن لوائحه الطويلة للمساجد والحمامات(20) الواقعة خارج السور إلى أربعة أرباض ثلاثة منها تتوفر على جامع. يمكننا تحديد موقع أغلب التوسعات التي شهدتها المدينة خارج سورها في القرن الثالث عشر انطلاقا من تحليل هذه اللوائح وربطها بمعلومات مستوحات من مصادر أخرى. في زمان ابن شداد كان يحيط بالمدينة الواقعة داخل السور باستثناء الشمال أرباض تختلف كثافة البناء فيها. وقد عرفت المنطقة تغيرات جدرية ما بين القرن الثالث عشر والخامس عشر. وتعزى هذه التغيرات إلى تراجع أهمية حلب مابين النصف الثاني من القرن الثالث عشر والنصف من القرن الرابع عشر. في هذه الفترة عانت المدينة من أولى هجمات الماغول سنة 1268م ومن الطاعون سنة 1348م. وفي 1400م وبعد فترة من الالتئام جاءت جيوش تيمور تنهب وتدمر المدينة.
تلقت الأرباض الجنوبية الغربية ضربة قوية اثر الهجوم المغولي الأول فاندثرت. تكبدت الأرباض الشرقية أقل خسارة من ذلك، إن كانت أصلا قد تكبدت الخسارة، وهو أمر يمكن ملاحظته من خلال ظهور مواقع بناء جديدة على الأطراف الشرقية لهذه الأرباض عند نهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر. ما بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر شهد شمال المدينة أهم التغيرات. هنا ظهرت أرباض ـ أحياء ـ جديدة وشاسعة فانتقل مركز المدينة من الجنوب إلى الشمال. في الغرب، خارج باب إنطاكية وباب الجنان يمكن ملاحظة نوع من الاستقرار لان من هنا كانت تعبر أهم الطرق التجارية البرية إلى المدينة ولان المنطقة اجتذبت التجار والحرفيين فور عودة الهدوء إلى حلب.
عكس ما وقع في الأرباض، يمكن ملاحظة تغيرات طفيفة بالمدينة داخل الأسوار ويمكن تفسير هذه الظاهرة من خلال البنية القارة والوظيفية للمدينة الداخلية التي تجدد نفسها باستمرار تبعا لنفس النهج بعد فترات حرجة. بينما كانت الأحياء الواقعة خارج السور تعتبر منطقة مرنة للنمو والتقهقر وهي موجهة نحو المدينة الداخلية وتابعة لها في ارتباط وظيفي.
إذا قارنا أوصاف ابن شداد وابن الشحنة وابن العجمي (انظر أسفله) لأرباض حلب يمكن أن يتولد لدينا وبسهولة الإحساس أن هؤلاء يكتبون عن مدينتين مختلفتين. وهذا أمر غير وارد بالنسبة لأوصاف المدينة الداخلية. لهذا يمكننا إيجاد تناسق بين المعلومات الواردة عن ابن شداد والكتاب الذين جاءوا من بعده. والأمر هذا يصبح واضحا في الفصل الذي يتطرق فيه ابن شداد للمنظومة المائية(21) وهو عبارة عن وصف منطقي ومحكم لبعض مناطق المدينة الداخلية.
بقي بداخل المدينة بنايات حصينة تعود إلى ما قبل المماليك كان السوق المركزي في القرن الثالث عشر شبيها في الشكل والحجم بسوق القرن الخامس عشر نفس الشيء ينطبق على السويقة (انظر أسفله). في القرن الثالث عشر كان يطلق على سوق حي باهستا bahista الذي يقود إلى باب الفرج (الباب الشمالي الغربي) سويقة اليهود. لم تغير المدابغ ومعامل الصابون مقراتها ما بين القرن الثالث عشر والخامس عشر ولم تتغير التجارة المداولة في عدة أسماط. هذا كله يدعونا إلى القول بان هذه الاستمرارية تعود إلى القرنين الحادي عشر والثاني عشر أي إلى ما قبل الأيوبيين.
مدينة حلب تحت الحكم الإسلامي (1250م ـ 1517م)
كما سبقت الإشارة إلى ذلك فكنوز الذهب للعجمي (1479م)(22) والذر المنتخب لابن الشحنة (1485م)(23) هما المصدران الرئيسيان لتاريخ حلب الحضري في القرون الأخيرة.
وتنحصر أهمية عمل ابن الشحنة في المعلومات الواردة فيه والتي لم يشر إليها ابن شداد. عكس هذا يزودنا ابن العجمي بوصف معاصر للمدينة ومعالمها، ويتعبر عمله المصدر الوحيد الذي يعول عليه بخصوص طبوغرفيا حلب في العصور الوسطى.
يفتتح ابن العجمي وصفه لحلب من الباب الغربي ـ باب أنطاكية ـ ومنه يتجه شرقا. هنا في المدينة (محيط السوق) وفي حي جلوم جنوب المدينة تقع أهم وأعظم البنايات: مثل الجامع الكبير، المدرسة الحلاوية بمارستان نور الدين. هنا أيضا تعيش أهم أسر المدينة. يمكننا أن نتبع في المنطقة الواقعة جنوب غرب الجامع الكبير وبسهولة عرض العجمي لأنه يقتفي الخطوط المستقيمة للشبكة الهلنستية. وينطبق هذا أيضا على المنطقة الجنوبية بالقرب من باب قنسرين حيث يطبع التعرج هذه الشبكة.
يصبح اتباع وصف ابن العجمي صعبا حيث تنتهي الهندسة، إذ يحل مكان الوصف المنتظم لزقاق بعد زقاق وصف أكثر ذاتية يركز على الأماكن المعروفة لذا الحلبيين ويتبع الدروب التي يتردد عليها الناس بكثرة، أي تلك التي تقود إلى السوق والجامع الكبير.
يستعمل ابن العجمي بشكل مثير مصطلحين للدلالة على الطرقات والدروب وهما قصبة ودرب، ويستعمل المصطلح الأول للإشارة إلى الطريق الذي يقود من باب إنطاكية إلى داخل المدينة والطريق المؤدية من باب الجنان إلى الباب الواقع شمال باب أنطاكية وإلى المدينة أيضا. يقود المحور الأول إلى المنطقة الواقعة جنوب الجامع الكبير والثاني إلى المنطقة الواقعة شماله في اتجاه سويقة حاتم. وقد كانت هذه الطرق هي الممرات الرئيسية التي تقود الناس والبضائع إلى داخل وخارج المدينة. نتيجة هذا نجد عددا كبيرا من المساجد داخل وخارج البابين المذكورين. لقد اختفت بنايات العصور الوسطى التي كانت توجد بين باب الجنان والسويقة واحتلت البنايات العثمانية الضخمة المركبة مكان البنايات الأولى جنوب محور باب أنطاكية. في كل الأحوال تم تسجيل حركة تجارية في الرقعة الواقعة جنوب محور باب أنطاكية أيضا.
غير أن المنطقة التي عرفت رواجا كبيرا هي تلك الواقعة شمال محور باب الجنان حتى محور باب الفرج (باب الشمال الغربي). يمكن الافتراض أن هذا الوقت كانت المنطقة الواقعة بين باب الفرج وباب الشمال، باب النصر، خاصة بالسكن. لكن ومما لا شك فيه أن محور باب النصر كانت له أهمية تجارية كبرى. كانت توجد أحياء سكنية ومقبرة الجبيلة بين محور باب النصر ومحور باب الحديد (باب الشمال الشرقي). لم يكن بالداخل لمحور باب الحديد نفس الأهمية التجارية التي كانت تتميز بها المحاور الثلاثة الأخرى. خارج الباب كان يوجد حي بانقوسة وكان يعرف كثافة سكانية هامة. بالقرب من الباب كانت يتمركز الاتجار في المواد الفلاحية. كانت المنطقة الواقعة خارج السور بين محور بانقوسة ومحور باب النيرب (باب الجنوب الشرقي) أهلة بالسكان بدليل العدد الكبير من المساجد الموجودة هناك والتي يعود تاريخها إلى ما قبل العهد العثماني. كما الحال في محور بانقوسة، تباع المنتجات الفلاحية على طول محور باب النيرب. كانت الأحياء السكنية تقع بين محور باب النيرب ومحور باب المقام (الباب الجنوبي). ونفس الشيء ينطبق على المنطقة الواقعة بين محور باب المقام والزاوية الجنوبية الغربية من المدينة القديمة.
ختاما: يمكن القول بأن وصف ابن العجمي لحلب يزودنا بمعلومات شتى لا زال بإمكاننا اليوم التأكد من صحتها ووضعها قيد التحليل. لازالت البنايات التي أشار إليها منتصبة في مكانها ولا زال بإمكاننا قراءة المنقوشات التي استشهد بها وعلى أساس المعلومات التي جاء بها ابن العجمي وابن الشحنة يمكننا إعادة بناء مدينة القرن الخامس عشر بدرجة عالية من الدقة ورصد التغيرات التي شهدتها ما بين القرن الخامس عشر والتاسع، وهو ما يمكننا من التأكيد أن شبكة النقل الرئيسية والاتصالات في القرن الخامس عشر كانت مطابقة بشكل كبير لأزقة وطرقات المدينة القديمة الحالية.
كانت حلب ستبدوا جد مختلفة اليوم بدون حركة البناء التي شهدتها في فترة المماليك، وتكمن أهم الآثار التي خلفها حكم المماليك في توسيع وترميم سور المدينة الذي ضم إلى المدينة المسورة أرباض الضاحية الجنوبية الشرقية والشمالية والشرقية. وتم في نفس الوقت تقريبا توسيع الشبكة المائية وربط مناطق هائلة لم تكن من قبل تستفيد من الماء بمنبع المياه الجديد. لم يكن منبع حيلان الذي تعتمد عليه المنظومة المائية لما قبل المماليك والواقع 12 كيلومترا شمال حلب يغطي حاجيات الشبكة الجديدة فتم جلب مياه إضافية من منبع ثان ألا وهو منبع سادجور الواقع على بعد حوالي أربعة عشر كيلومترا شمال المدينة.
تم القيام بأعمال ترميم هامة لتحصين القلعة وتمت إعادة هيكلة القطاع الواقع عند مدخلها. وتم تشيد عدة مساجد بالمدينة من طرف حكام المماليك وأصبحت هذه المساجد مراكز روحية واجتماعية لطوائف مختلف الأحياء، وقد بلغ العديد منها رتبة جامع وهو ما يعكس المفهوم الجديد للفوارق الاجتماعية داخل المدينة(24).
عند نهاية فترة المماليك تم إدخال تعديلات هامة على السوق وتم بناء الخانات الأولى في المناطق المركزية. وقد كان لهذه الخانات دور مزدوج: فهي كانت تستخدم لإيواء التجار المسافرين ولتخزين بضائعهم أيضا. هذه الازدواجية في المهام بقدر ما نعلم أمر مستحدث في حلب. إلى غاية ذلك الحين كنا نجد إشارات إلى الخانات على أساس أنها توجد بضاحية السوق حيث كان لها دور تخزين البضائع في حين تتم الإشارة في وسط السوق إلى الفنادق فقط.
مدينة حلب في ظل الحكم العثماني (من القرن السادس عشر حتى التاسع عشر)
رأت أهم التغيرات التي عرفتها المناطق الواقعة خارج السور النور في عهد المماليك. في القرن الخامس عشر فقدت الجهة الجنوبية ريادتها لصالح أحياء جديدة تطورت في الشمال. وقد ظلت خطوط المدينة التي رسمها المماليك قارة فيما بعد حتى نهاية احكم العثماني. كما فقد سور المدينة الذي تم تمديده وأعيد بناءه في أواخر عهد المماليك دوره في فترة العثمانيين. ولان حلب أصبحت جزءا من الإمبراطورية العثمانية القوية والكبيرة فإنها لم تعد عرضة لتهديد الأعداء. عند نهاية المماليك تم ربط أغلب الأرباض بالشبكة المائية التي تم توسيعها وهو ما جعل الحياة في هذه أكثر مرونة وأكثر جاذبية ولدينا فعلا الدليل على أن الأسر الثرية غادرت المدينة إلى ضواحيها رغم الرغد والأمان اللذين جاء بهما الحكم العثماني لم تعرف المدينة نموا إلا في أماكن محدودة تقع بين الأرباض الشمالية والشمالية الشرقية وهذا أمر يمكن الوقوف عنده في البنايات المملوكية الواقعة في أقصى أطراف الأرباض القديمة.
اكتسبت محاور بانقوسة وباب النيرب أهمية اقتصادية. في الجنوب استمرت حركة البناء في الانخفاض وقد عرف حي الكلاسة Alkallasa في الجنوب الشرقي تغييرات طفيفة بعد القرن السادس عشر؛ ونفس الشيء ينطبق على المنطقة الواقعة بين الكلاسة ومحور باب إنطاكية. تم سنة 1575م تشييد حمام خارج باب إنطاكية وبين هذا الباب وباب الجنان ظهرت بعض الخانات ومحلات للحرفيين. يمكن انطلاقا من عدد المنازل الذي لم يتغير تقريبا مابين القرن الثامن عشر وبدايات القرن العشرين الجزم في أن المشرقية غرب نهر قويق لم تشهد تغييرات هامة. خارج الزاوية الشمالية الغربية للمدينة المسورة كانت توجد بساتين وشرق هذه البساتين كان يوجد الحي المسيحي الجديدح aljdaideh الذي شيد في بدايات حكم المماليك ووسع بشكل كبير خلال القرون الموالية إلى أن بلغ حجمه الحالي. نمت الأرباض الشمالية أكثر في فترة المماليك ويتجلى هذا النمو في توسيع شبكة الماء بها في أواخر القرن الخامس عشر وفي البنايات المملوكية الموجودة بالقرب من حدودها الشمالية.
خلاصة القول: أن معايير الأرباض المملوكية لم تتغير بشكل واضح إن تغيرت إطلاقا خلال فترة الحكم العثماني. ليس لدينا دليل لا على توسع هذه الأحياء ولا على حدوث تحول في ثقلها الاقتصادي والاجتماعي. استثبت الأمن في العهد العثماني ولم تهاجم أية قوَّة أجنبية المدينة أو تدمرها أرباضها وبما أن سور المدينة لم يعد يكتسي أهمية فإن الأحياء داخله وخارجه نمت جنبا إلى جنب ويمكن مقارنة هذا التطور بالانسجام المبكر الذي شهده عهد المماليك حيث تم ضم أجزاء من الأرباض الشرقية والجنوبية التي تعود إلى الفترة الأيوبية وما قبلها، تم ضمها إلى المدينة الواقعة داخل السور.
انتقلت بؤرة التغيير مابين حكم الأيوبيين والمماليك إلى الأرباض في حين سادت نسبة عالية من الاستقرار في المدينة الداخلية وقد انقلبت هذه النزعة في فترة الحكم العثماني إذ عرفت أحياء الضواحي تطورا سديد الخطى (أساسه تحديث بعض البنايات وأحيانا إتمام الأشغال بها) في الوقت الذي عرفت فيه المدينة تغييرات هامة. ويعود السبب في هذه التغييرات إلى ازدياد أهمية حلب داخل الإمبراطورية العثمانية.
كان غزوا العثمانيين لسوريا ومصر هو ما يتطلع إليه تجار حلب ففجأة انفتحت أمامهم إمبراطورية عظيمة حاملة معها فرصا تجارية كبيرة.وانطلاقا من الحركة العمرانية التي عرفتها منطقة السوق يمكن القول بأن تجارة حلب كانت قد نمت في أواخر عهد المماليك وقد شهدت الاستثمارات التي كانت قد بدأت في قلب السوق في العهد المملوكي على نطاق محدود، شهدت انفجار خلال بداية الحكم العثماني مِمَّا استدعى إعادة هيكلة مكثفة لمنطقة السوق المركزي وفضاءاته المدنية.
في المدينة ـ أي السوق المركزي وضواحيه ـ عرفت التجارة والحرف نموا كبيرا وانتقلت الصناعات إلى محيط المدينة الداخية أو إلى الأرباض. بما أن المدينة الداخلية أعيد تنظيمها بهذا الشكل فإنه أصبح من الممكن إنجاز مشاريع عمرانية من حجم لا نظير له في فترة ما قبل العثمانيين. وقد تم جنوب محور باب إنطاكية إعادة هيكلة وبناء المدينة كلها تقريبا مابين 1556م و1583م كما عرف ثمانون في المائة من رقعة تبلغ مساحتها 120 على 420 مترا تحولا في الملكية وشيد الحكام العثمانيون أو من ينوب عنهم مسجدا كبيرا (العادلية) ومدرسة كبيرة الخسرورية وخانات ومحلات تجارية. في السنوات الموالية تم ضخ استثمارات أخرى في المنطقة الواقعة شمال محور باب أنطاكية.
تغيرت البنية الوظيفية والفضائية للمدينة بشكل كبير بسبب هذه الاستثمارات. في المنطقة المركزية تضاعف فضاء التجارة بالمقارنة مع ما كان عليه مابين 1540 و1550م. لم يكن للمسجدين اللذين شيدا حديثا (بالإضافة إلى مسجد العادلية والبحرمية) وللمدرسة الخسروية وقع بسبب المساحات الشاسعة التي يغطونها فقط وإنما أيضا بسبب صوامعها الرقيقة العالية وقباتها الضخمة التي غيرت وجه المدينة برمتها. أحاطت دائرة من الخانات بسرعة بالمدينة وخارج هذه الدائرة في الأحياء السكنية تمت إعادة بناء عدد من البيوت أو تزيينها. في الحي الواقع بين محور باب النصر والسور الغربي تم تشييد قصور خاصة جد ضخمة، وشرق محور نفس الباب تم تدشين مدرسة عظيمة سنة 1730م وهي المدرسة العثمانية. من المدهش أن لا تكون المنطقة مدرسة عظيمة سنة 1730م وهي المدرسة العثمانية من المدهش أن لا تكون المنطقة الحضرية الواقعة داخل السور بين سور الأيوبيين وسور المماليك قد شاركت في هذا الانفجار الاقتصادي والعمراني السريع. هنا لم تستمر نزعة إعادة البناء والتزيين التي كانت قد ابتدأت في عهد المماليك ويمكن ملاحظة بعض الركوض بهذه الأحياء التي حجبت عنها النور الحركية التي شهدتها المناطق الواقعة غرب القلعة.
عند نهاية الحكم العثماني، حوالي نهاية القرن الثامن عشر، شهدت محاور باب الفرح وباب الجنان حركة عمرانية لكن التغييرات الأساسية حدثت في الغرب خارج المناطق المبنية. فغرب باب الفرج ظهرت منطقة تجارية وسكنية جديدة بها عمارات ومكاتب ومحلات تجارية وفنادق وغرب هذه المنطقة وأبعد منها غربا تم تشييد الأحياء السكنية على نمط الفن المعماري الأوربي مثل حي العزيزية الذي ابتدأت به الأشغال سنة 1886م والجمالية 1883م والسليمانية 1890م بينما تم خلق مدينة إدارية جديدة عند قدم القلعة في حي سراي القديم(25) وابتدأت في وضع مشاريع حضرية جديدة تباعا للمعايير الغربية الحديثة(26). مابين 1893م و1900م تم طمر الخنادق الواقعة شمال وغرب الأسوار المملوكية للمدينة لتشييد طرق مدارية جديدة تستقبل الترام الذي ربط الأحياء الجديدة بالمدينة القديمة. هكذا لحق ركب العهد الجديد بحلب.
*********************
الحواشي

1- ابن الشحنة محب الدين محمد، الدر المنتخب في طريق مملكة حلب يوسف الأول ساركيس بيروت 1909م.
2- ابن الشحنة سبق ذكره ص15.
3- ابن الشحنة سبق ذكره ص20.
4- ابن الشحنة سبق ذكره ص20.
5- للمزيد من المعلومات J,Connella, khayyata, kohlneyer, Dieztitadelle von Aleppo
Munster 2005
6- انظر بخص
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الياس
مراقب عام
مراقب عام
الياس


ذكر
الحمل عدد المساهمات : 6669
تاريخ الميلاد : 07/04/1964
تاريخ التسجيل : 15/09/2012
العمر : 60
العمل/الترفيه : دكتور في تاريخ ومقارنة الأديان
المزاج : متفائل بنعمة الله

تاريخ مدينة حلب Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاريخ مدينة حلب   تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالسبت نوفمبر 24, 2012 11:42 am

6- انظر بخصوص الفترات الأولى: connella, khayyata, kohlmeyer, Diezitadelle pp12.14
7- كوب وويرت H.Gaube et E. Wirth حلب، ويسبادن، 1984م، ص354.
8- موترد وبوادبر'le limes de chalkis' R/ Moutorde&.A. Poidebard باريز 1945م.
9- بروكبيوس Procopius، (تاريخ الحروب) الكتاب الثاني، 8، ص11- 132.
10- تشلنكوC.Tchalenko، القرى القديمة بسوريا الشمالية، باريز 1959م، 2، ص12.
11- ابن شداد محمد بن علي، الاعلاق الخطيرة سورديل، دمشق، 1953م، ص30.
12- ابن شداد، سبق ذكره ص143- 150.
13- ابن حوقل محمد بن علي، صورة الأرض، كرمير، ليدن 1998- 1999م، ص177.
14- المقدسي محمد بن احمد، احسن التقاسيم، دي كوجيDe Geoje ليدن 1906م, ص155.
15- ناصر اخسروا ابو معين (كتاب الأسفار) وبر طهران 1972م ص12.
16- ياقوت بن عبد الله، معجم البلدان، ويستنفيلد ليبزغ 1866- 1873م، ص306.
17- ابن جبير محمد بن أحمد (رحلة ابن جيبر) رايت ليدن 1907م، ص252.
18- ياقوت، سبق ذكره ص310.
19- ابن شداد، سبق ذكره.
20- ابن شداد، سبق ذكره ص70 - 92 و134- 138.
21- ابن شداد، سبق ذكره، ص144- 149من أجل التحليل انظر كوب ويرن سبق ذكره.
22- ابن العجمي، صبت احمد ابن إبراهيم، (كنوز الذهب في تاريخ حلب) بيروت 1950م.
23- ابن الشحنة، سبق ذكره ترجمة سوفجت Sauvaget بيروت 1933م.
24- من أجل التفاصيل انظر كوب وويرت، حلب، سبق ذكره ص87- 93.
25- لدراسة تطور حلب منذ أواخر القرن التاسع عشر انظر كوب وويرث حلب، سبق ذكره، ص45- 49.
26-م ماوز M Maoz الإصلاحات العثمانية في سوريا وفلسطين اكسفورد 1968م, ص87- 107.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الياس
مراقب عام
مراقب عام
الياس


ذكر
الحمل عدد المساهمات : 6669
تاريخ الميلاد : 07/04/1964
تاريخ التسجيل : 15/09/2012
العمر : 60
العمل/الترفيه : دكتور في تاريخ ومقارنة الأديان
المزاج : متفائل بنعمة الله

تاريخ مدينة حلب Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاريخ مدينة حلب   تاريخ مدينة حلب Icon_minitimeالأحد نوفمبر 25, 2012 9:25 am

قد يتسائل أحد ما معنى كلمة الآركيولوجيا:

كلمة الآركيولوجيا: تعني (علم الاثار) وهي الدراسة الاثنولوجية والاثنوغرافية لحضارات شعوب بائدة من الآثار التي يجدها العلماء في الحفريات،
للمزيد:
اقتنى مصطلح علم الآثار عدة استخدامات في اللغات الأوروبية الاركيولوجيا Archaeology التي تعني دراسة القدم في أصلها الإغريقي القديم. الشيء نفسه بالنسبة لكلمة آثار في اللغة العربية بحيث لا يختلف معناها عن كلمة تاريخ في معناها الواسع بحسبانه دراسة ماضي الإنسان. لكنه منذ القرن التاسع عشر استخدمت كلمة اركيولوجيا بمعنى علم الآثار لوصف ميدان دراسة الأشياء العتيقة. بمعنى آخر فإنها تعني دراسة البينة المادية الدالة على ماضي الإنسان والتي تشمل الموضوعات التي يمكن رؤيتها وتحسسها وقياسها وتصنيفها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تاريخ مدينة حلب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تاريخ العلم السوري
» السادس من أيار تاريخ شعب
» بين فرنسا و بريطانيا و سورية ...تاريخ
»  في سورية تسوية، ام صناعة تاريخ جديد
» صحيفة «تشارلي إيبدو».. تاريخ من الجدل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى عشاق سوريا الأسد :: كوكتيل عشاق سوريا الأسد :: تاريخ & آثار & سياحة-
انتقل الى:  
مواقع صديقة
تاريخ مدينة حلب Uousuu10>