نبيه البرجي: كلام تركي في سوريا

نبيه البرجي: كلام تركي في سوريا

12 سبتمبر 2014

نبيه البرجي
حين سألت المراسل التركي عن رؤيته للاحتمالات في سوريا، اجاب «تصور ماذا يحدث اذا وضعت الذئب او اذا شئت الثعلب في غرفة واحدة مع الدجاجة». اردف ضاحكا» طبعا لن تقول انت ان الدجاجة ستأكل الثعلب ولن اقول انا ان الثعلب سيتعايش مع الدجاجة والى حد عقد قرانه عليها».
قال لي انه يلتقي في بعض الاحيان اعضاء في الائتلاف الوطني السوري القابعين، ربما الى الابد،في اسطنبول. يرثي لحالهم « لاننا كلنا خدعناهم، والحقيقة اننا خدعنا انفسنا عندما قلنا لهم ان بشار الاسد سيسقط خلال اسابيع، او خلال اشهر قليلة. وما عليهم الا ان يكثفوا اجتماعاتهم ويضعوا برامجهم للحكم، فضلا عن ظهورهم على الشاشات حتى يتعرف السوريون على حكامهم الجدد بعدما سحق النظام كل من حاول معارضته، ولو بالقفازات الحريرية، ودون ان تتشكل اي طبقة سياسية. الطبقة السياسية الوحيدة هي الطبقة الحاكمة».
المراسل اضاف» ان اعضاء الائتلاف يبدون الآن وقد علا وجوههم الصدأ. من يهتمون بشؤونهم موظفون من الدرجات الدنيا. والحقيقة انني، شخصيا و لاسباب اخلاقية، ارفض ان يعامل هؤلاء بكل ذلك الازدراء لاننا نحن من ورطناهم واغرقناهم في الوعود الوردية».
كثيرون من اهل الائتلاف « فوجئوا بالذي يحدث على الارض. كانوا يتحدثون عن شراسة النظام، وهذه مسألة كانوا على بينّة منها، لكنهم لم يكونوا يتصورون ان الفصائل المعارضة يمكن ان تتشرذم الى الحد الذي حمل السفير الاميركي السابق روبرت فورد على توجيه اهانات مباشرة الى بعض اركان الائتلاف لانهم بدوا عاجزين عن الاضطلاع بأي دور في الحد من تلك الظاهرة».
وسألني ما اذا كنت قد ادركت لماذا اعطى مثل الثعلب والدجاجة،» فكيف لبرهان غليون ان يتفاهم مع زهران علوش، وكيف لسهير الاتاسي ان تضع يدها في يد عمر الشيشاني؟».ليتابع « لقد قرأت الكثير عن الحروب الاهلية.هناك بطبيعة الحال مظاهر وحشية لا يمكن تصورها، لكنني لم اجد بلداً يمكن ان يكون ممزقا الى هذا الحد. ثمة 1200 فصيل مسلح يبدو انها اكتشفت ان الاقتتال في ما بينها اكثر متعة واكثر جاذبية من ان تواجه النظام».
وقال انه سمع من احد اعضاء الائتلاف يردد امامه بأسى «هكذا نحن السوريون ، إما ان نتوحد بقدرة قادر كما حصل إبان الانتداب الفرنسي حين واجهنا التجزئة بصدورنا العارية وارغمنا الجنرال غورو على اعادة النظر بالخارطة التي وضعها او ان نتبعثر كما هي الحال الآن ونسقط ويسقط معنا بلدنا».
المراسل التركي القريب من حزب العدالة والتنمية والذي يحدثك عن رجب طيب اردوغان كما لو انه يحدثك عن السلطان سليم او عن السلطان سليمان القانوني، ينفي ان تكون بلاده « فبركت» تنظيم الدولة الاسلامية او شرّعت الابواب امامها. في رأيه ان ما فعلته بلاده كان بخلفية اخلاقية وانسانية» اذ لم يكن لدينا من خيار سوى ان نقف الى جانب الشعب السوري في مواجهة نظام تجاوز كل الحدود في تعاطيه مع شعبه الثائر».
ارتبك حين سألناه ما اذا كان دعم الثورة يعني استجلاب الشيشانيين والاوزبك وحتى الطاجيك للقتال من اجل تقويض النظام، اما تبريره فهو ان النظام تعمد تحويل المواجهة الى مواجهة طائفية فكان ان استثيرت العواطف في مختلف المناطق الاسلامية، تماما كما حدث في افغانستان وكما حدث في البوسنة.
ولكن كيف يقرأ المشهد الآن؟ يجيب « اتصور ان الخيوط افلتت من يد الجميع، وانا اخشى ان يطلب الاميركيون منا، ومن غيرنا، في نهاية المطاف، ان نمد يدنا الى بشار الاسد. هذا اذا كان هناك قرار باعادة تركيب الدولة في سوريا»، نافيا اي تنسيق بين انقرة وتل ابيب « ليس من مصلحتنا كأتراك ان تتجزأ سوريا، ولكن هذا هو رهان الاسرائيليين الذين يعتقدون انه عندما تتحطم سوريا يمكن لهم ان يناموا في اسرّتهم لا في الخنادق ولا في الملاجىء، واحيانا في القبور».
المراسل التركي يقول لنا ان هناك داخل الائتلاف آراء متباينة جدا، اذ ثمة من يعتبر ان ضرب « داعش» في العراق سيدفع بآلاف المقاتلين للفرار باتجاه سوريا مع ما لذلك من انعكاسات دراماتيكية على الارض، وبالتالي لا بد للعبة ان تأخذ منحى اكثر دموية. يُقتل الناس ويدمر ما تبقى من المدن والقرى دون طائل، ولا مجال للقول ان باستطاعة الطائرات الاميركية ان تفعل الكثير لان رجال» داعش» تغلغلوا بين الناس في الرقة وفي دير الزور وفي حلب، فهل باستطاعة القاذفات رصدهم؟ لا يعتقدون ذلك، والحاجة ماسة الى تدخل بري والا فإن رقصة الموت ستستمر الى ما لا نهاية.
ولكن ثمة من هو متفائل والى حد السذاجة. تجهز طائرات التحالف على «داعش»، ويتم تعزيز الفصائل المعارضة الاخرى بالسلاح النوعي، مع اقامة مناطق للحظر الجوي تضع النظام امام التنازل او امام السقوط..
المراسل التركي يعتقد ان المشهد اكثر تعقيدا بكثير. لكن الاميركيين واثقون من انهم سينتصرون . قالوا ذلك في تشرين الاول عام 2001، وما زالوا حتى الآن لا يعرفون من اي باب يخرجون من افغانستان..
يستدرك « لا اريد ان اترك لديك اي احساس باليأس. هذه الحرب لن تستمر الى الابد»!
الديار

» نبيه البرجي: عبد الله الثاني وصيّـاً على سوريا!!
» نبيه البرجي: إزالة «داعش» تبدأ من سوريا
» الفوضى العالميّة الجديدة … سوريا مثالاً ...نبيه البرجي
» نبيه البرجي: العقل الامبراطوري والعقل القبلي – ذات يوم ستكون سوريا. الفينيق الذي لم يغادر القاعة!
» لا تقتلوا مصر… لا تقتلوا سوريا ...نبيه البرجي