اكد سيرغي أورجونيكيدزة، الدبلوماسي الروسي والنائب السابق للأمين العام للأمم المتحدة أن الخطوة الأولى في تسوية الأزمة السورية يجب أن تتمثل في وقف إمدادات السلاح. وقال أورجونيكيدزة في مقابلة مع برنامج "حديث اليوم" إن الغرب لم ينف عملية توريد الأسلحة الى سورية،
الامر الذي يعتبر تدخلا واضحا في الشأن الداخلي لسورية. وأشار إلى أن عملية إمداد المعارضة السورية بالأسلحة تحولت من الأسلحة الخفيفة الى الأسلحة الثقيلة
المتطورة الى حد ما.
وإليكم نص المقابلة:
س: لقد انقسم العالم على خلفية الأزمة السورية.. هل تعتقدون انه من الممكن بعد إيجاد لغة مشتركة على المستوى الدولي حول هذا الملف؟ ج: اعتقد انه من الممكن إيجاد لغة مشتركة بين جميع الأطراف لأنه وكما نعرف عندما كان العالم عند أبواب حرب نووية. قد تمكن على الرغم من الصعوبات حينها تمكن من إيجاد حلول سلمية، وكما هو معلوم انه في عملية تسوية النزاعات لا بد من تنازلات من قبل جميع الأطراف المعنية بالأزمة. وبالنسبة للخطوة الأولى في الأزمة السورية فباعتقادي يجب ان تكون وقف إمدادات السلاح لأنه كما نلاحظ لم ينف الغرب والأمريكيون عملية توريد الأسلحة الى سورية، والبريطانيون أيضا منذ أيام اعلنوا ان أجهزة استخباراتهم تقدم المساعدة المعلوماتية للجيش السوري الحر في عملياته ضد الجيش النظامي وتحديدا في حلب. وهذا يمكن اعتباره تدخلا واضحا في الشأن الداخلي لسورية، إضافة الى ذلك لا بد من الإشارة الى المساعدات العسكرية التي تأتي بين الحين والأخر من المملكة العربية السعودية ودولة قطر الى سورية وذلك عبر الحدود اللبنانية والتركية. والمؤسف أن هناك تحولا في عملية الإمداد، من الأسلحة الخفيفة الى الأسلحة الثقيلة المتطورة الى حد ما. وهنا لا بد من الإشارة أيضا الى المعلومات التي تم تداولها في الأيام الماضية حول امتلاك الجيش السوري الحر منظومة صواريخ من طراز سترينغر، وبالطبع فان هذه المنظومة قد وصلت الى سورية من الدول التي تملك هذا النوع من الصواريخ وهذا مؤسف جدا لأنه يؤجج الصراع ويؤدي الى المزيد من الخسائر كما وان ذلك يساهم بتوسيع رقعة الاقتتال ليس في داخل سورية بل من الممكن ان يمتد الصراع الى خارج الحدود السورية ليشمل دولا مجاورة. وقد لاحظنا أيضا سقوط قذائف وصواريخ داخل الحدود الأردنية واللبنانية والتركية ما يعني ان ساحة الصراع قابلة للتوسع وهذا مؤشر خطير لذلك الآن فان الوقت ليس لمصلحة احد ولا يجوز إعداد حسابات الربح والخسارة بل يجب العمل على إيجاد توافق في مجلس الأمن الدولي لوقف الصراع في سورية.
س: ولكن المعارضة السورية ترفض الحوار من دون تنحي الرئيس السوري باعتقادكم هل من الممكن ان يتنحى الرئيس الأسد عن السلطة؟ ج: من الممكن النظر لقضية تنحي الأسد من عدة زوايا مختلفة ولكن لا يمكن ان نغير الوقائع. فخطة النقاط الست التي اعدها المبعوث الدولي والعربي كوفي أنان كانت قد حظيت بموافقة الحكومة السورية، واتفاق جنيف أيضا وافق عليه النظام السوري بعد إقراره. وبالنسبة لمهمة بعثة المراقبين الدوليين أيضا تمت الموافقة عليها رسميا من قبل دمشق، حتى انه تم تكليف شخصية للحوار مع المعارضة، كل هذه الخطوات جاءت من طرف حكومة الرئيس الأسد في حين ان المعارضة رفضت كل الاتفاقات الدولية ولم تتعامل بعها بجدية. وقامت المعارضة السورية أيضا بوضع شرط أساسي ألا وهو تنحي الرئيس الأسد عن السلطة وهذا امر يثير التساؤلات لأنه يؤثر بشكل سلبي ومباشر على الوضع الداخلي في سورية سياسيا ودينيا وطائفيا. فكما نعرف ان الرئيس بشار الأسد يعتبر بالنسبة لكثير من السورين ضامنا لحقوقهم وأمنهم وحرية معتقداتهم وحتى حاميا لحياتهم لأنه من غير المعروف في حال وصلت المعارضة الى السلطة أي نهج ستتبع وكيف ستبني علاقتها مع الطوائف والمذاهب المختلفة في سورية. ما نشاهده من قبل مايسمى الجيش الحر يثير الكثير من التساؤلات حول مستقبل سورية، من هنا فان الأزمة السورية معقدة وهذا يتطلب حكمة من جميع الأطراف لبلوغ التوافق وليس البحث عن معادلة الربح والخسارة. وهذا للأسف غير متاح الى الآن داخليا بين السلطة والمعارضة وخارجيا في مجلس الأمن الدولي، لذلك فان العمل يجب ان يتركز على إيحاد النقاط المشتركة لصياغة حل ينهي مسلسل العنف في سورية.
س: أود ان انتقل الى الموقف الروسي. لقد حضرت وفود المعارضة السورية عدة مرات الى موسكو والتقت المسؤولين الروس ولكن لم ينتج عن تلك اللقاءات أي تقدم، باعتقادكم ما هي العقبة التي تحول دون إيجاد لغة مشتركة بين روسيا والمعارضة السورية؟ ج: هذا باعتقادي يؤكد ان روسيا لا تدعم أي طرف في الأزمة السورية. لقد كانت ولا تزال روسيا معنية فقط بإيجاد تسوية لهذه الأزمة، وقد تم الحديث مع المعارضة السورية في هذا الشأن. وجرت أيضا مناقشة كل الخيارات الممكنة لإيجاد تسوية سلمية، كوقف اطلاق النار والجلوس إلى طاولة المفاوضات، واعتقد أن من يريد ان يجد حلا لا يضع شروطا مسبقة لعملية التفاوض.
س: حسنا بعد سقوط عشرات آلاف القتلى والجرحى.. هل مازال الحديث ممكنا عن تسوية سلمية للازمة السورية؟ ج: أعتقد أن من واجب الدول الأعضاء في مجلس الأمن، ومجموعة ما يسمى أصدقاء الشعب السوري وجميع القوى الفاعلة في المنطقة أن تعمل على توحيد جهودها من أجل المساهمة والمساعدة في التوصل إلى حل سلمي للأزمة السورية يحقن دماء السوريين ويجنب سورية ويلات حرب قد تطال بنيرانها دول المنطقة دون استثناء. ونحن في روسيا حذرنا من حروب على أساس طائفي في هذه المنطقة التي تحتوي فسيفساء عرقية وطائفية. ويجب منع تطور الأمور وفق السيناريو الأسوأ.
س: هل تعتقدون بأن المبعوث الدولي الجديد الأخضر الإبراهيمي سيتمكن من إحراز تقدم ما في هذا الملف؟ ج: أنا على معرفة شخصية بالأخضر الإبراهيمي وهو خبير وله بصمات في حل النزاعات الإقليمية، ولكن المشكلة لا تكمن في أن كوفي عنان لم يستطع وأن الإبراهيمي يستطيع إيجاد حل للازمة. وأرى أنه لا يستطيع أحد ذلك اذا لم يتم الضغط من مجموعة دول أصدقاء سورية وأعضاء مجلس الأمن الدولي على الأطراف المتنازعة. ولا يتعلق الموضوع بشخصية المبعوث الدولي ومؤهلاته وإمكانياته، بل برغبة الأطراف في التوصل إلى حل سلمي ومساعدتها الشعب السوري على اجتراح حلول تمنع استمرار حمام الدم.
س: في الآونة الأخيرة كثر الحديث عن تقسيم سورية باعتقادكم هل هذا السيناريو قابل للتطبيق؟ ج: هذا السيناريو يطرح دائما خلال الحروب الأهلية لان أسهل حل هو التقسيم على خلفيات دينية أو عرقية أو طائفية، ولكن هذا الزمن ليس زمن الاستعمار عندما كان ذلك سهلا وممكنا. أنا ضد ذلك لأن الشعب السوري سيرفض هذا السيناريو. فهو قد اثبت أنه قادر ومصمم على العيش بسلام بجميع مكوناته الاجتماعية، وهذا ما لاحظته خلال زياراتي الى سورية عندما كنت اعمل في الخارجية الروسية. وقد لاحظت احترام الشعب السوري للديانات والطوائف الأخرى.
س: لبنان يشهد بعض الأحداث على خلفية الأزمة السورية.. هل تعتقدون بأنه من الممكن أن تنتقل الأزمة الى لبنان ودول أخرى مجاورة؟ ج: إذا لم تُحل الأزمة السورية فإنها ستنتقل الى كل المنطقة وستتسبب بحريق هائل في الشرق الأوسط. نعم من الممكن ان تصل الشرارة الى لبنان والأردن ومنطقة كردستان.
س: هل تتوقعون ذلك؟ ج: نعم أتوقع ذلك إذا لم تحل الأزمة السورية.
س: حسنا لمصلحة من اشتعال منطقة الشرق الأوسط؟ ج: في أية أزمة كل طرف سواء كان داخليا أو خارجيا يحاول الحصول على مكاسب كبيرة، ولكن المهم باعتقادي ما هي نهاية هذه الأزمة. وهذا يذكرني بالأزمة العراقية عندما شنت الولايات المتحدة حربها على العراق تحت شعار البحث عن أسلحة دمار شامل. وبعد احتلال العراق تبين أن العراق لا يملك مثل هذا النوع من الأسلحة.
س: سؤال أخير، بعد الثورات في ليبيا ومصر وتونس وصلت أحزاب إسلامية الى السلطة هل يثير مخاوفكم وصول الإسلامين الى السلطة؟ ج: لا اعرف حتى الآن النهج الذي سيتبعه الإسلاميون في هذه الدول. ولا أعتقد بأن أحدا يعرف ذلك إلى حد الآن. ونحن لا نعرف طبيعة النظام في مصر، على سبيل المثال.. هل ستكون مصر دولة مدنية أم أن الشريعة الإسلامية ستحكمها؟ وأية سياسة سيتبع هذا النظام؟ وأي دور سيكون لهذا النظام في عملية التسوية في الشرق الأوسط؟ ولكني أعتقد بأن الدولة يجب ان تكون مدنية وضامنة للحريات الدينية الموجودة في هذه الدولة.