أطفال الشوارع أسرار مقلقة.. وقنابل موقوتة تحقيقات
13/06/2012
شوكوماكو - ميلاد الماضي
تعتبر مشكلة أطفال الشوارع ظاهرة خطيرة تفاقمت في الآونة الأخيرة, وهي ظاهرة عالمية لا يكاد يخلو مجتمع منها أياً كان مستواه, ولكنها نسب متغيرة بين مجتمع لآخر, وهذه الظاهرة تؤدي إلى حرمان الأطفال المشردين والمتسولين من إشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية, وتعرضهم إلى الانعزال عن المجتمع والحياة في ظل ظروف غذائية وصحية سيئة للغاية, كما قد تودي بهم إلى التعرض للاستغلال النفسي والانحراف.
ما السبب؟
ترجع الدراسات الحديثة هذه الظاهرة لعدة أسباب منها الفقر, والبطالة, والأمية, وضعف التعليم, وارتفاع عدد أفراد الأسرة, والتفكك الأسري أو الطلاق, والعيش في كنف زوج الأم أو زوجة الأب, وغياب الوعي للوالدين, وجهل الأسرة بعملية التنشئة السليمة للأطفال.
وبهذا الصدد التقى "شوكوماكو" عددا من أطفال الشوارع، حيث قالت الطفلة مديحة: "أنا من أسرة بسيطة ومعدومة وعدد أفراد أسرتي 10, ونعيش في بيت بسيط في منطقة نائية ومعزولة يتكون من غرفة واحدة, وجميع إخوتي لم يتجاوزوا المرحلة الابتدائية في دراستهم، فهم يتركون الدراسة ليقضوا أكثر من خمس ساعات في التسول خارج المنزل".
في حين أن الطفل حسين يقول: "كنت أعيش مع والدتي بعد وفاة والدي, ولكن طردتني من المنزل بعد زواجها من رجل آخر الذي كان يشتمني ويضربني لتواجدي معهم, ووجدت نفسي وحيداً في الشارع لأنام على الأرصفة, وأقوم بمسح السيارات وغسيلها مقابل أي قرش لتوفير مصروفات الأكل والشرب".
آباء يدفعون بأطفالهم إلى الشارع
معظم حالات أطفال الشوارع التي تم بحثها ترجح أن الآباء هم أنفسهم الذين يدفعون بأطفالهم إلى التجول في الشارع والطرقات, لبيع المنتجات البسيطة على إشارات المرور مثل المحارم الورقية أو بعض لوازم المنزل, كما يدفعونهم لممارسة بعض الأعمال مثل تنظيف زجاج السيارات أو تلميع الأحذية للمواطنين في الحدائق, ويساعدهم في كثير من الأحوال أن مظهرهم الخارجي يدعو إلى الشفقة.
الطفل هيثم قال: "خرجت للعمل منذ أكثر من خمس سنوات فقد أمرتني أمي بالعمل, فلا أكاد أخرج من المدرسة حتى أذهب لبيع المحارم في المواقف العمومية, والأموال التي أجنيها أسلمها لأمي التي أدعي أمام الناس إنها تعاني من مرض عضال كي يشفقوا عليها واضطرهم لشراء المحارم مني".
حتى صغار السن من الأطفال نالهم النصيب من التسول وسيطرة الآباء فالطفل محمد والذي لم يكمل السادسة من العمر يقول: "أبي لا يعمل فهو جالس معظم الوقت في البيت, وقد أمرني أنا وإخوتي بالخروج للعمل وإحضار المال له, ونحن لا نستيطع أن نقول له (لا) حتى لا نتعرض للضرب, فأنا لي إخوة كثيرون وكلنا نعمل في التسول نخرج في الصباح ولا نعود إلا إذا استطاع كل واحد منا إحضار المال, وإذا لم نستطيع جمع المال فإنه يضربنا بشكل مبرح".
أطفال في خطر
سلطنا الضوء على جانب من حياة المشردين فبعضهم يتعرض لتحرشات وانتهاكات تبقى علامة فارقة في حياتهم, لما تتركه من انطباع وأثر سيء في قلوبهم.
وحول ما يتعرض له الأطفال من انتهاكات تحدث لنا الطفل أسامة قائلاً: "والدي دائماً يعتدي علي بالضرب, مما دفعني لترك المنزل والعمل عند ميكانيكي الذي مارس علي كل أنواع التعذيب والتحرش, وهربت من الورشة لأصبح حراً طليقاً في الشارع, وانضممت إلى أصدقاء هم الذين علموني التدخين وبعض "الشغلات" السيئة".
وعن الانتهاكات الجسدية قالت زهور: "بسبب طلاق والداي اضطررت للهروب والخروج إلى الشارع, وتعرضت لكافة أشكال الاستغلال المادي والجنسي والبدني, وعانيت من سوء المعاملة والحرمان, ومن أجل توفير لقمة العيش مارست مجموعة من الأعمال غير المباحة بعد أن أصبحت حرة بلا قيود".
هناك من يستغلهم في تحقيق مآربهم
مسألة أطفال الشوارع لم تعد قنبلة موقوتة ولكنها قنبلة انفجرت بالفعل, وهي بمثابة نقطة في بحر كبير وراء عصابات منظمة لاغتيال براءة الأطفال والتنكيل بهم, والإدعاء بأن الفقر والعشوائيات هم وراء استفحال مشكلة هؤلاء الأطفال, وما هي إلا أسباب واهية أودت بهم أن يسقطوا ضحية مستغليهم, الذين يجمعون الأطفال في أماكن معروفة لهم وبموقع خاص بهم ليتم تدربيهم على كيفية التسول, ولكل مجموعة قائد يمكنه جمعهم في أية لحظة وهو الذي يفوقهم سناً, وفي أغلب الأحيان يكون "المعلم" طفل تمت معاملته بنفس الطريقة ليسير على نفس النهج بعد أن اشتد عوده, ويقوم باستقطاب الأطفال لينضموا إلى مجموعته.
حاولنا أن نلتقي بقائد المجموعة الذي كان يتجول في أحد شوارع دمشق للاطمئنان على سير عمل الأطفال التابعين له إلا أنه رفض الحديث معنا وبعد عدة محاولات تكلمنا مع أحد مساعديه (الشاب أحمد) والذي تردد كثيراً قبل التكلم خوفاً من بطش زعيمه ولكن بعد أن غادر شعر بالأمان وسرد لنا القصة قائلاً: "نقوم بتجميع الأطفال المتشردين ويتم استدراجهم إلى أماكننا الخاصة, ونمنع عنهم الطعام والشراب والضرب كنوع من التعذيب في حال لم ينصاعوا لأوامر الزعيم, ومن ثم يتم تصنيفه إما للتسول أو لبيع المناديل أو لتلميع الزجاج, وجميع الأطفال يعملون لحسابه الخاص, ويجتمعون في أماكن خاصة ينطلقون منها ومن ثم يتم توزيعهم على كافة الأرجاء بعد تكليف كل طفل بمهامه, وفي نهاية اليوم يجب أن يكون كل طفل جامع لمبلغ من المال وإلا سوف يعاقبه الزعيم ويتعرض للضرب والإهانة وهذا هو الحال يومياً".
وفي هذا الصدد وحول ما يتعرض له الأطفال من بطش الزعيم يقول محمود البالغ من العمر 13 عاماً: "دخل أبي لا يكفي لإطعامنا وخاصة إن والدي يعمل حدادا يوم يعمل ويوم لا, فخرجت لأعمل بالتسول وانضممت إلى زعيم مجموعتنا ليفرزني في بيع الزهور على الإشارات المرورية, إلا أنني أتعرض للضرب منه في حال لم أجلب له المال ولكن ماذا أفعل (ما باليد حيلة)".
ومن بعض ألوان التعذيب الممارس تقول أميمة التي تبلغ من العمر 16 عاما: "تركت منزل زوجي هرباً من بطشه وفضلت البقاء في الشارع, وكنت أنام أسفل أحد الجسور, ذهبت إلى زعيمنا ليضمني لمجموعته توقعت أنه قد يكون أحن علي مما أنا فيه, ووجدت معه أكثر سوءاً فتعرضت للاغتصاب والضرب والشتم".
سالم قال: "أحلم أن أرتاح من أشعة الشمس الملتهبة وقت الظهيرة التي يجبرني القائد على الخروج في وقتها, وأتمنى أن ألعب كبقية الأطفال, فهو لا يسمح لي باللعب, وأحلم أن أكون طبيباً حتى أعالج آلام المرضى".
أطفال في عيون الأطباء والأخصائيين
الدكتورة عزة المحمد الخبيرة بالبحوث الاجتماعية قالت: "إن طفل الشارع هو الطفل الذي وجد نفسه دون مأوى ولا مكان يرحب به سوى الشارع, وهو يعمل من أجل البقاء ومستعد لفعل أي شيء مقابل المال أو الطعام, وهؤلاء الأطفال الذين انتهكت طفولتهم هم معرضون لمخاطر كثيرة, فمن الناحية النفسية والانفعالية هذه الفئة عادة ما تكون مصابة بالقلق والحرمان من أبسط حقوقهم مثل اللعب, بالإضافة لشعورهم بعدم الأمان والظلم".
واتفق معها بالرأي أيضاً الدكتور سامر يونس الأخصائي النفسي والذي قال: "إن الأطفال من الناحية الجسدية معرضين لحوادث السيارات أو الأمراض الصدرية والتحرشات الجنسية, أو حتى تعلم عادات سيئة, كما أنهم للأسف الشديد يتعرضون لسخرية واستغلال بعض ضعفاء النفوس من المارة, ويلاحظ عليهم مشكلات سلوكية كالكذب والسرقة والتحايل لعدم توفر رقابة أسرية, ويتدنى لهم مستوى الطموح لينحصر في توفير لقمة العيش, كما أن المكوث الطويل بالشارع يغرس فيهم الميل إلى العنف, مما يجعل هؤلاء الأطفال قنابل موقوتة تهدد أمن المجتمع واستقراره".
حلول مقترحة
حل هذه الظاهرة حسب رأي الباحث النفسي والاجتماعي د.عبد الله المحسن: "يعتمد على إستراتيجية تطوير أساليب الاتصال المباشر, وتقديم خدمات الرعاية العاجلة لأطفال الشوارع, عن طريق تظافر جهود جميع الجهات المعنية بهم".
كما نوه إلى أهمية وسائل الإعلام ودورها في العمل على توعية المجتمع بخطورة هذه الظاهرة.
وأكد المحسن: "أنه من الضروري تعليم أطفال الشوارع لأن العلم هو بداية توعية الطفل وحماية مستقبله, وأوضح أن العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة, والمحافظة على الحقوق والكرامة هي بمثابة نقاط ارتكاز لمكافحة هذه الظاهرة المؤسفة".
ومن وجهة نظر الدكتورة أمل الملا: "إن المعالجة الممكنة للظاهرة ترتبط بتحسين الظروف الاقتصادية والمادية للأسر المعوزة وخاصة بالقرى, وتشديد الرقابة على القطاعات والمهن التي تستقطب الأطفال للعمل بها, معتبرة بأن العمل الاجتماعي يمكن أن يساهم في تقليص هذه الظاهرة بشرط دعم الجمعيات المحلية التي تعمل عن قرب"
وما أردفه لنا أستاذ علم النفس التربوي مهند عيسى: "من أجل محاربة ظاهرة تشغيل الأطفال وإعادة إدماجهم في التعليم, وضعت الحكومة برامج وخطط لتحسين جودة التعليم, والرفع من مردوديته بشكل يسمح باستقبال الأطفال المنقطعين عن الدراسة, وسن قوانين بإجبارية التعليم, والتدرج المهني الذي يفسح المجال لمن انقطع عن الدراسة من أجل اكتساب حرفة, ومواصلة الدراسة في نفس الوقت".