قضية الناسخ والمنسوخ في القرآن
مقدمة:
في هذا الكتاب نناقش قضية خطيرة، وهي الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، ونحن نسلط ونركز الضوء على هذا الموضوع من خلال التساؤلات التالية:
- على ضوء ما يعرف بقضية الناسخ والمنسوخ (سورة البقرة: 106) هل يظل القرآن كتاب من عند الله؟
- وهل يمكن نسخ كلام الله؟
- وما موقف هذا النسخ من اللوح المحفوظ (سورة البروج: 22)؟
- وما هو موقف الناسخ والمنسوخ من قول القرآن: "لا مبدل لكلمات الله" (سورة الأنعام: 34)؟
- كذلك ما هو موقف الناسخ والمنسوخ من قول القرآن: "نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" (سورة الحجر: 9)؟
- وأيضا من الآية القرآنية التي تقول: "لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا" (سورة النساء: 82).
أليس وجود الناسخ والمنسوخ في القرآن هو دليل واضح على أنه ليس من عند الله؟.
هذه هي القضية الكبرى، ونريد أن نناقشها الآن بكل وضوح وموضوعية. فنحن لا نطعن في أحد، ولا نحقر عقائد الآخرين، ولكننا نبحث بموضوعية، إنها محاولةُ فهمٍ واعٍ، وتساؤلاتُ عقلٍ متفتحٍ. تساؤلات تحتاج إلى إجابات في مجال الحوار الديني الصريح بدون حساسية أو تجريح. طلبتنا إلى الله أن يكون هذا البحث نوراً يضئ السبيل أمام الراغبين في التعرف على الإله الحقيقي والملتمسين وجهه.
التعريف بقضية الناسخ والمنسوخ:
- مالمقصود بالناسخ والمنسوخ؟
- من أين جاءت فكرة الناسخ والمنسوخ؟
- ماالمقصود بالقول "خير منها"؟
1- ما هو المقصود بالناسخ والمنسوخ في القرآن؟
- كلمة نَسَخَ في قواميس اللغة العربية معناها: أزال، أو أبطل. وهذا بالطبع غيْرُ المعنى المعروف وهو أن ينسخ كتابا أي ينقل صورة منه. وقد جاء في المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية بالقاهرة (ص 917) "نسخ الشيء أي أزاله، ويقال نسخ الله الآية: أي أزال حكمها، وفي التنزيل العزيز: "ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها". ويقال نسخ الحاكم الحكم أو القانون: أي أبطله.
- قال الإمام النسفي (الجزء الأول ص116) تفسير النسخ هو التبديل، وانتهاء الحكم الشرعي.
وهناك مفهوم آخر للنسخ أوضحته (سورة الرعد آية 39) التي تقول: "يمحو الله ما يشاء" وقد علّق على هذه الآية الباحث الإسلامي الكبير سيد القمني في كتابه الضخم (الإسلاميات ص 568) قائلاً: وهنا ما يشير ليس فقط إلى الاستبدال، بل إلى محو آيات بعينها.
- ونقل ابن كثير في تفسيره (ج1 ص 104) عن ابن جرير تعليقاً على الآية "ماننسخ من آية" قوله أي: نُحوِّل الحلالَ حراماً، والحرامَ حلالاً، والمباحَ محظوراً، والمحظورَ مباحاً." تأملوا ياذوي الأفهام؟.
هل يقبل أي إنسان عاقل هذ الكلام؟ وهل الكلام الذي ينطبق عليه هذه الأوصاف من إلغاء وإزالة ومحو وتحويل الحلالِ حراماً والحرامِ حلالاً، يكون فعلاً من عند الله؟.
هذا هو مفهوم الناسخ والمنسوخ أي إلغاء الآيات وتبديلها بآيات أخرى تجعل من الحلال حراماً ومن الحرام حلالاً. وهذا كله يحدث في القرآن، فكيف يمكن القول بعد ذلك أنه كتاب من عند الله.
من أين جاءت فكرة الناسخ والمنسوخ في القرآن؟
مصدر فكرة الناسخ والمنسوخ في القرآن جاءت من الآيات التالية:
1- في سورة (البقرة: 106) "ما ننسخ من آية أو نُنسها نأتي بخير منها أو مثلها".
2- في سورة (النحل: 101) "وإذا بدلنا آية مكان آية، والله أعلم بما ينزِّل، قالوا إنما أنت مفتر، بل أكثرهم لا يعلمون".
3- وفي سورة (الرعد: 39) "ويمحو الله ما يشاء، ويثْبِت، وعنده أُمُّ (أصل) الكتاب".
4- وفي (سورة الحج: 52) "فينسخ الله ما يُلْقي الشيطان".
هذه هي الآيات القرآنية التي نشأت عنها فكرة الناسخ والمنسوخ في القرآن:
1- ولقد سبق أن تكلمت عن معنى الناسخ والمنسوخ.
2- وأضيف هنا تفسير معنى: "أو نُنسها" في سورة (البقرة: 106) "ما ننسخ من آية أو نُنسها نأتي بخير منها أو مثلها". فقد كتب ابن كثير نقلاً عن جرير عن الحسن قوله: "إن النبي (صلعم) قرأ قرآناً ثم نسيه". وعن ابن عباس قال: "كان مما ينزل على النبي (صلعم) الوحي بالليل وينساه بالنهار" (تفسير ابن كثير ج1ص 104).
وجاء في صحيح البخاري (حديث رقم 5092) "عن عائشة قالت: "سَمِعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يقرأ في سورة بالليل فقال: يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آيةً كنت أُنْسِيتُها من سورة كذا وكذا".
وجاء في صحيح مسلم (حديث 1874) "عن عائشة قالت: كان النبي (صلعم) يستمع قراءة رجل في المسجد، فقال: رحمه الله لقد أذكرني آية كنت أُنْسِيتها".
والواقع أنا لا أدري كيف أن النبي ينسى ما يوحى إليه. ألم يستطع الله، الذي حفظ كلامه في لوح محفوظ منذ الأزل أن يحفظه في ذهن النبي الذي اختاره؟.
3- والواقع أن نصَّ الآية يخالف ما قاله ابن عباس هذا، فالآيه لا تقول أن النبي ينساها، ولكن الآية تقول: أن الله هو الذي يُنَسِّيها للنبي! هذا نص القرآن "أو نُنْسها". وهذا ما ذكره ابن كثير أيضاً في (تفسيره ج 1 ص 103) هذه الآية عينها نقلاً عن قتادة الذي قال: كان الله عز وجل يُنْسي نبيه (صلعم) ما يشاء، وينسخ ما يشاء.
4- والتعليق على ذلك هو: لماذا إذاً أعطاه الآيات أصلا ثم يُنْسيَها له؟ هذا كلام لا يقبله عاقل! ولهذا هرب ابن عباس من هذا المطب عندما نسب النسيان للنبي نفسه، وكأنه أراد أن ينجو من حفرة فسقط في بئر على رأي المثل!. إنها مهزلة بكل الأبعاد.
عرفت إذن من أين جاءت فكرة الناسخ والمنسوخ في القرآن.
ما هو المقصود من القول "خير منها"؟:
1- تقول الآية القرآنية في سورة (البقرة: 106): "ما ننسخ من آية أو نُنسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها" والمقصود بالقول "خير منها" أي أفضل أو أحسن منها، (انظر المعجم الوسيط ص 264).
2- السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل وحي الله فيه مفاضلة؟ أي هل فيه شيء حسن وشيء أحسن؟ إذا كان الأمر كذلك فيمكن إذن أن يقال أن فيه كلام غير حسن أيضاً، طالما هناك درجات في كلام الله؟.
3- ثم هناك مسألة أخرى أكثر تعقيداً: ما هو يا ترى الكلام الذي كان مكتوباً في اللوح المحفوظ؟ هل هو الكلام الذي نُسِخَ وأُنْسي؟ أم هو الكلام الأخير والأحسن الذي حلَّ محل ما نُسخ بالإلغاء والنسيان؟ كلام غريب الشأن لايَخِيلُ على أيِّ إنسان عاقل!.
وقد يتحير البعض من قول السيد المسيح عن الوصية الأولى أنها العظمى، ويتصور أن ذلك يعني أن هناك وصايا عظيمة، ووصايا أعظم... وإن كان الأمر كذلك فتكون مثل "نأتي بخير منها".
ولتوضيح ذلك الأمر نقول أنه لا توجد علاقة بين الأمرين. فالآية المنسوخة أو التي تنسَّى يؤتى بأحسن منها. فهذا معناه أن الآية الأولى لم تكن في درجة الآية الجديدة، بل هي أقل منها. ولكن قول الكتاب المقدس أن هناك وصية عظمى، فهذا لم يلغ الوصايا الأخرى ولا يحقرها، بل دعيت عظمى لأنها تختص بالله العظيم ذاته، مثل "تحب الرب إلهك من كل قلبك" (مت22: 37). وتوجد وصايا أخرى تخص علاقة الإنسان مع أخيه الإنسان، فهي وصايا مقدسة أيضاً ولم تنسخ، ولكن يأتي الإنسان بعد عظمة الله ذاته، وهذه الوصايا مثل: "تحب قريبك كنفسك" (مت22: 39)، كما توجد وصايا صغرى تخص علاقة الإنسان بمواشيه، والمواشي تأتي بعد رتبة الإنسان، مثل: "لاتَكُمَّ الثور في دراسه" (تث25: 4).
وبالرغم من ذلك فهي في مرتبة واحدة لاتقل إحداها قيمة عن الأخرى، فقد قال السيد المسيح: "من أخطأ في أحد هذه الوصايا الصغرى فقد صار مجرماً في الكل" (مت5: 19).
لعلك أدركت يا عزيزي المفارقة بين هذه الوصايا المقدسة، وبين نسخ آيات ويؤتى بأحسن منها، وكأن عند الله آيات أحسن من آيات!!!.
الأجزاء التي شملها الناسخ والمنسوخ في القرآن:
- السور التي جاءت فيها المنسوخات في القرآن.
- الآيات التي فيها منسوخات في القرآن.
السور التي جاءت فيها منسوخات في القرآن:
الواقع أن جمهرة من علماء الإسلام قسموا السور التي شملها الناسخ والمنسوخ إلى الأقسام التالية:
أولاً- السور التي فيها ناسخ وليس فيها منسوخ (6 سور) هي:
1- الفتح 2- الحشر. 3- المنافقون. 4- التغابن. 5- الطلاق. 6- الأعلى.
ثانياً- والسور التي فيها ناسخ ومنسوخ (25 سورة) هي:
1- البقرة. 2- آل عمران. 3- النساء.
4- المائدة 5- الأنفال 6- التوبة
7- إبراهيم 8- الكهف 9- مريم
10- الأنبياء 11- الحج 12- النور
13- الفرقان 14- الشعراء 15- الأحزاب
16- سبأ 17- غافر 18- الشورى
19- الذاريات 20- الطور 21- الواقعة
22- المجادلة 23- المزمل 24- الكوثر 25- العصر.
ثالثاً- أن السور التي فيها منسوخ وليس فيها ناسخ (40 سورة) هي:
1- الأنعام 2- الأعراف 3- يونس
4- هود 5- الرعد 6- الحِجْر
7- النحل 8- الإسراء 9- الكهف
10- طه 11- المؤمنون 12- النمل
13- القصص 14- العنكبوت 15- الروم
16- لقمان 17- المضاجع 18- الملائكة
19- الصافات 20- ص 21- الزمر
22- الزخرف 23- الدخان 24- الجاثية
25- الأحقاف 26- محمد 27- ق
28- النجم 29- القمر 30- الامتحان
31- نون 32- المعارج 33- المدثر
34- القيامة 35- الإنسان 36- عبس
37- الطارق 38- الغاشية 39- التين 40ـ الكافرون.
رابعاً- السور الباقية التي ليس فيها ناسخ ولا منسوخ (43 سورة) من مجمل سور القرآن 114 سورة.
وبحسبة بسيطة نستطيع أن نعرف الآيات التي وجد فيها ناسخ ومنسوخ.
إما بعملية طرح: 114 - 43 = 71 سورة.
أو بعملية جمع حسابية للآيات التي شملها النسخ:
6 + 25 + 40 = 71 سورة.
هذه هي السور التي تغيرت وتبدلت ومحيت وأُبطل عملها، وتحول الحلال فيها إلى حرام، وتحول الحرام فيها إلى حلال، بحسب قول ابن كثير في تفسيره (ج1 ص 104) عن ابن جرير تعليقاً على الآية "ماننسخ من آية" قوله أي: نُحوِّل الحلالَ حراماً، والحرامَ حلالاً، والمباحَ محظوراً، والمحظورَ مباحاً". كان هذا بخصوص السور القرآنية التي شملها الناسخ والمنسوخ.
الآيات التي جاءت فيها منسوخات في القرآن:
الفصل السابق السور التي شملها النسخ، وهذا الفصل عن عدد الآيات التي شملها الناسخ والمنسوخ، ويقول الشيخ ابراهيم الأبياري عن الآيات التي شملها الناسخ والمنسوخ في كتابه (تاريخ القرآن ص 168) "قد عدَّ الناظرون في هذا نحواً من 144 موقعاً" (وذكر منها 60 موقعاً فقط على سبيل المثال) هي:
1) 1 آية في سورة القصص 2) 1 آية في سورة الروم
3) 1 آية في سورة الملائكة 4) 1 آية في سورة إبراهيم
5) 1 آية في سورة الكـهف 6) 1 آية في سـورة النمل
7) 1 آية في سورة العنكبوت
1 آية في سورة السجدة
9) 1 آية في سورة التكـوير 10) 1 آية في سورة سبأ
11) 1 آية في سورة الدخان 12) 1 آية في سورة القمر
13) 1 آية في سورة الغاشية 14) 1 آية في سورة العصر
15) 1 آية في سورة السجدة 16) 1 آية في سورة المجادلة
17) 1 آية في سورة عبس 18) 1 آية في سورة الطارق
19) 1 آية في سورة التين 20) 1 آية في سورة الكافرون
21) 2 آية في سورة الـرعد 22) 2 آية في سورة المؤمنون
23) 2 آية في سورة الفرقان 24) 2 آية في سورة الأحزاب
25) 2 آية في سورة ص 26) 2 آية في سورة الأعراف
27) 2 آية في سورة المؤمن 28) 2 آية في سورة الأحقاف
29) 2 آية في سورة ق 30) 2 آية في سورة الطور
31) 2 آية في سورة المعـارج 32) 2 آية في سورة الانسان
33) 2 آية في سورة الزخـرف 34) 2 آية في سورة الجاثية
35) 2 آية في سورة محمد 36) 2 آية في سورة الذاريات
37) 2 آية في سورة النجم 38) 2 آية في سورة القلم
39) 3 آية في سورة بني اسرائيل 40) 3 آية في سورة الأنبياء
41) 3 آية في سورة طه 42) 3 آية في سورة الحج
43) 3 آية في سورة الزمر 44) 3 آية في سورة الامتحان
45) 4 آية في سورة هود 46) 4 آية في سورة النحل
47) 4 آية في سورة الصافات 48) 5 آية في سورة الحِجْـر
49) 5 آية في سورة مـريم 50) 6 آية في سورة الأنـفال
51) 6 آية في سورة المزمل 52) 7 آية في سورة النور
53) 7 آية في سورة الشورى 54) 8 آية في سورة يونس
55) 9 آية في سورة المائدة 56) 10 آية في سورة آل عمران
57) 11 آية في سورة التوبة 58) 15 آية في سورة الأنعام
59) 24 آية في سورة النساء 60) 30 آية في سورة البقرة
ونستطيع أن نجدول الآيات كالآتي:
1- (20 سورة) تغير في كل منها آية واحدة = 20 آية
2- (18 سورة) تغير في كل منها آيتان. = 36 آية
3- (6 سورة) تغير في كل منها 3 آيات = 18 آية
4- (3 سورة) تغير في كل منها 4 آيات = 12 آية
5- (2 سورة) تغير في كل منهما 5 آيات = 10 آية
6- (2 سورة) تغير في كل منهما 6 آيات = 12 آية
7- (2 سورة) تغير في كل منهما 7 آيات = 14 آية
8- (1 سورة) تغير فيها 8 آيات = 8 آيات
9- (1 سورة) تغير فيها 9 آيات = 9 آيات
10- ( 1سورة) تغير فيها 10 آيات = 10 آيات
11- (1 سورة) تغير فيها 11 آيات = 11 آية
12- (1 سورة) تغير فيها 15 آيات = 15 آية
13- (1 سورة) تغير فيها 24 آيات = 24 آية
14- (1 سورة) تغير فيها 30 آيات = 30 آية
المجموع = 229 آية
هذه هي الآيات المنسوخة في 60 موقع فقط، أي حوالي 230 آية.
وتصور لو ذكرنا بقية المواقع التي ذكرها الشيخ إبراهيم الأبياري في (كتاب تاريخ القرآن ص 168) وهي 144 موقعاً، فعلى كم آية منسوخة نحصل؟ الواقع أننا بحسبة بسيطة نستطيع أن نقدر متوسط تلك الآيات، فقد وجدنا حوالي 230 آية منسوخة في 60 موقعاً، فبقسمة 230 على 60 يكون الناتج حوالي 4 آيات في الموقع الواحد (أي بمعدل 4 آيات في كل موقع)، وبضرب هذا المعدل في عدد المواقع التي ذكرها الإمام إبراهيم الأبياري وهي 144 نحصل على حوالي 550 آية منسوخة في القرآن الكريم، والكريم جداً.
أين عقول إخواننا المسلمين؟ إنه الوعي المغيب بفعل الإرهاب الديني!.
ألم يكن نبي الإسلام بحق عبقرياً، لقد أحسن المرحوم عباس العقاد إذ سمى كتابه عن النبي "عبقرية محمد".
خطورة الناسخ والمنسوخ
- هل يؤمن المسلمون بوجود النسخ في القرآن؟.
- ماهي خطورة الناسخ والمنسوخ؟.
- أهمية الناسخ والمنسوخ في القرآن.
هل يؤمن المسلمون بوجود النسخ في القرآن؟
في الواقع أنا لن أجيب على هذا السؤال من كلامي لئلا يقول أحد إني متجني على القرآن، ولكني أدع أئمة الإسلام يجيبون، فأنقل لك بعض أقوالهم:
1- الإمام الحافظ عماد الدين ابن كثير في تفسيره للقرآن الجزء الأول صفحة 105 يقول: (المسلمون كلهم متفقون على جواز النسخ في أحكام الله... وكلهم قال بوقوعه).
2- والإمام عبد الله ابن أحمد النسفي في تفسير الجزء الأول صفحة 116 يقول: (يجوز النسخ في الكتاب - القرآن - والسنة، متفقاً ومختلفاً... مثل الزيادة على النص... والإنساء أي أن يذهب بحفظها عن القلوب).
أرأيت كيف أن المسلمين جميعهم يؤمنون بالنسخ والتغيير بالزيادة أو النقص. ثم يقولون أن هذا كلام الله الذي لا مبدل لكلماته.
خطورة الناسخ والمنسوخ
الخطورة الأولى: كيف تتفق فكرة الناسخ والمنسوخ أو التغيير والتبديل مع علم الله المطلق الذي لا يتغير ولا يتبدل؟ فالله ليس إنساناً يغير كلامه ويبدله، وهذا ما يقره القرآن أيضاً في (سورة الأنعام: 34) "لا تبديل لكلمات الله" وفي (سورة الكهف: 27) "لا مبدل لكلماته". فكيف يقولون أن كلمات الله بدلت وغيرت ونسخت؟.
وعن هذا الأمر علّق الأستاذ سيد القمني المفكر الإسلامي المستنير في كتابه (الإسلاميات ص 568) قائلاً: (هنا يثور سؤال، كيف يتحول الوحي ويتبدل؟ ألا يتعارض ذلك مع قدسية كلمة الله؟... (ويضيف قائلاً): هذه الظاهرة التي لحظها القرشيون حتى قالوا: "ألا ترون إلى محمد، يأتي أصحابه بأمر ثم ينهاهم ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولاً، يرجع عنه غداً" (ويواصل سيد القمني حديثه قائلاً): وهي ذات المقولة التي قالها اليهود اليثاربة (أي أهل المدينة) بعد الهجرة).
قارن هذا بما قاله السيد المسيح "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل، فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (مت5/17و18).
الخطورة الثانية: هل تتفق فكرة الناسخ والمنسوخ، أو التغيير في آيات القرآن وإلغائها ومحوها، مع حقيقة أن القرآن أزلي مكتوب في لوح محفوظ؟ فهل تم التغيير والإلغاء في اللوح المحفوظ أو بمعنى آخر هل للوح المحفوظ طبعات معدلة ومنقحة ومزيدة؟.
وعن هذا قال الأستاذ سيد القمني المفكر الإسلامي المستنير في كتابه (الإسلاميات ص 569) قال: "ظاهرة النسخ تثير في وجه الفكر الديني السائد المستقر... إشكالية: كيف يمكن التوفيق بين هذه الظاهرة بما يترتب عليها من تعديل للنص بالنسخ والإلغاء، وبين الإيمان الذي شاع واستقر بوجود أزلي للنص في اللوح المحفوظ". هذا ما قاله سيد القمني بالحرف الواحد.
الخطورة الثالثة: أما عن قول السورة القرآنية "أو نُنْسِها" فكيف يتفق هذا مع قول القرآن (في سورة الحجر: 9) "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"؟ فإن كان الله يحفظ كلامه فلماذا لم يحفظه في ذاكرة الرسول، ولماذا ينسيه له، بعد أن يوحي به إليه؟.
الخطورة الرابعة: وإن كان الرسول ينسى الكلام الموحى به وهو المؤتمن على الوحي فماذا يقال عن حفظة القرآن، ألا يمكن أن ينسوا هم الآخرين؟. وعن هذه الفكرة قال أيضاً سيد القمني المفكر الإسلامي الشهير ص569: "هناك إشكالية ثانية: هي إشكالية جمع القرآن، وعن مشكلة الجمع فإن ما يورده علماء القرآن من أمثلة توضح أن بعض أجزاء النص قد نسيت من الذاكرة الإنسانية، ولم يناقش العلماء، ما تؤدي إليه ظاهرة نسخ التلاوة، أو حذف النصوص سواء بقي حكمها أم نسخ أيضاً، من قضاء كامل على تصورهم الذي سبقت الإشارة إليه لأزلية الوجود الكتابي للنص في اللوح المحفوظ. (ثم يكمل حديثه قائلاً): فإن نزول الآيات المثبتة في اللوح المحفوظ، ثم نسخها وإزالتها من القرآن المتلو، ينفي هذه الأبدية المفترضة الموهومة (للوح المحفوظ)". (ويستطرد قائلاً): "فإذا أضفنا إلى ذلك المرويات الكثيرة عن سقوط أجزاء من القرآن ونسيانها من ذاكرة المسلمين، ازدادت حِدَّةُ المشكلة". (ثم يختم كلامه في هذا الخصوص بقوله): "والذي لاشك فيه أيضاً، أن فهم قضية النسخ عند القدماء لا يؤدي فقط إلى معارضة تصورهم الأسطوري للوجود الأزلي للنص، بل يؤدي أيضاً إلى القضاء على مفهوم النص ذاته".
تحية كبيرة ورائعة للمفكر الحر، وجرأتِه في كتابة، وهذه الحقائق المذهلة للعالم الإسلامي. ليت جميع إخوتنا المسلمين ينفتحون على المعرفة، ويستنيرون لمعرفة الحق.
أرأيت خطورة فكرة الناسخ والمنسوخ أو التغيير والتبديل بالزيادة والنقص أو كما عبر عنه ابن كثير في (تفسيره ج1 ص104) نقلاً عن ابن جرير تعليقاً على الآية: "(ما ننسخ من آية) قوله أي: أن نُحوِّل الحلالَ حراماً، والحرامَ حلالاً، والمباحَ محظوراً، والمحظورَ مباحاً".
الخطورة الخامسة: ألا يعتبر الناسخ والمنسوخ تحريف في قرآن اللوح المحفوظ؟.
الخطورة السادسة: ألا تتصادم قضية الناسخ والنسوخ مع الآية القرآنية التي تقول: "لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً" (سورة النساء: 82)؟.
ألا تكفي 550 آية من القرآن كما سبق أن أوضحنا قد وقع عليها النسخ والتغيير والتبديل والزيادة والنقص وتحويل الحرام حلالاً، والحلال حراماً، ألا يكفي هذا الكم الهائل لإثبات أن في القرآن اختلافاً كثيراً، وينطبق عليه حكم الآية: "لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً" (سورة النساء: 82)؟.
ألا نستطيع أن نقول أن القرآن بهذا قد حكم على نفسه بأنه ليس من عند الله؟.
أهمية موضوع الناسخ والمنسوخ:
الواقع أن قضية الناسخ والمنسوخ بالنسبة للقرآن قضية جوهرية، فلا يمكن فهم أحكام القرآن ما لم يكن الإنسان ملماً إلماماً جيداً بالناسخ والمنسوخ، لأنه ربما يفهم الإنسان آية معينة ويتخذ منها قاعدة للحكم، ويفاجأ بأنها قد نُسخت بآية أخرى.
وفي هذا ذُكرت القصة التالية في كتاب الناسخ والمنسوخ لهبة الله البغدادي (ص 12) عن علي ابن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين: أنه دخل يوماً مسجد الجامع بالكوفة، فرأى فيه رجلاً يُعْرَف بعبد الرحمن بن داب، وكان صاحباً لأبي موسى الأشعري، وقد تحلق عليه الناس (أي اجتمعوا حوله في حلقات) يسألونه، وهو يخلط الأمر بالنهي والإباحة بالحظر، فقال له علي رضي الله عنه: أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا. قال له: هلكت وأهلكت... وأخذ أذنه وفتلها (أي فرك أذنه) وقال له: لا تقضي في مسجدنا بعد.
من هنا كانت أهمية معرفة الناسخ والمنسوخ في القرآن.
أنواع الناسخ والمنسوخ في القرآن:
- ما نُسخ حرفه وبقيَّ حكمه.
- ما نُسخ حكمه وبقيَّ حرفه.
- ما نُسخ حكمه ونُسخ حرفه.
قسموا أئمة الإسلام الناسخ والمنسوخ إلى ثلاثة أقسام: (انظر كتاب: الناسخ والمنسوخ تأليف هبة الله بن سلامة البغدادي المتوفي سنة 410هـ، وتاريخ القرآن، لإبراهيم الابياري ص 168 وكتب التفسير المختلفة). إذ يقولون: أن هناك ثلاثة أنواع للناسخ والمنسوخ (بعد أن نذكرها سوف نشرح معانيها) هي:
ما نُسخ حرفه أو خطه أو تلاوته أو نصه وبقيَّ حكمه:
والمقصود بتعبير ما نُسخ: أي ما تغير من القرآن، أو مُحي أو أُبطل.
والمقصود بحرفه: أي كتابته بالحرف في القرآن.
والمقصود بكلمة خطه: أي كتابته بالخط في القرآن.
والمقصود بتلاوته: أي قراءته، فهو غير موجود في المصحف.
والمقصود بِبَقِيَ حكمُه: أي بقي العمل به، بمعنى أن حكم الآية التي نسخت لازال معمولاً به، رغم أنها غير موجودة في القرآن الحالي.
فيكون معنى ما نسخ حرفه أو تلاوته وبقي حكمه هو: أن الآيات التي تغيرت أو محيت من المصحف، لا زال يعمل بها في الواقع.
فهل تصدق هذا الكلام؟ أن في القرآن آياتٍ مُحيت ولا تُقرأ، وبالرغم من ذلك لا زالوا يحكمون بها؟. أمثلة على ذلك:
الواقع أن القرآن به أمثلة كثيرة على ذلك ولكنني سأكتفي بمثلين فقط هما:
1- آية رجم الزاني والزانية.
2- آية رضاعة الكبير.
أولاً: آية رجم الزاني والزانية:
أسوق إليك ما نقله سيد القمني (في كتابه الإسلاميات 572) عن ابن الجوزي في كتابه (نواسخ القرآن ص35) قوله: "قال عمر ابن الخطاب: بعث الله محمداً (صلعم) بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه: آية الرجم، فقرأناها ووعيناها وعقلناها، ورجم رسول الله (صلعم) ورجمنا بعده، (وهذه هي آية الرجم كما ذكرها عمر ابن الخطاب) "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة". وأكد عمر كلامه قائلاً: ولولا أن يقول قائل زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي".
ويعلق سيد القمني قائلاً: "هذه حالة واضحة جلية لإحدى الحالات التي تم تصنيفها ضمن المنسوخ في القرآن الكريم، وتحديداً ضمن ما نسخ تلاوته (أي وجوده) في القرآن، وبقيّ حكمه أي العمل به".
ثم ذكر سيد القمني (في كتابه الإسلاميات ص 578) بخصوص هذه الآية التي محيت من القرآن ولا زال العمل بها، قصة يندى لها الجبين في أحاديث الصحابة، (وإني بصراحة أتردد كثيراً في ذكرها، فالواقع كم خجلت من نفسي وأنا أقرأها بعيني دون حنجرتي، فلست أدرى كيف أنطق بها على مسامعكم، ولكنني أتساءل وأريد من يجيبني، ولهذا أستأذنكم في سردها مع التحفظات اللازمة من بعض ألفاظها الخادشة للحياء). قال سيد القمني المسلم المستنير بالحرف الواحد: "إن عمر ابن الخطاب، صاحب الخطاب الأشهر في الإصرار على العمل بحكم آية غير موجودة في المصحف، ولم تكتب أصلاً. ذكر عنه في كتاب (وفيات الأعيان) رواية هامة. تحت عنوان: "درؤه (منعه) الحد عن المغيرة بن شعبة". توضح موقف عمر ابن الخطاب بعد أن أصبح خليفة قالت الرواية: فعل المغيرة ما فعل مع أم جميل بنت عمرو وهو محصن (أي متزوج). وقد شهد عليه كل من: أبي بكرة من الصحابة، ونافع ابن الحارث وهو صحابي أيضاً، وشبل ابن معبد. وكانت شهادة هؤلاء الثلاثة صريحة، بأنهم رأوا المغيرة بن شعبة (سامحوني سأقرأ الكلمات بسرعة حتى لا نعثر أحداً) يولجه في أم جميل إيلاج الميل في المكحلة (أرجو أن لا يسألني أحد عن تفسير هذه الألفاظ القبيحة) ولما جاء الرابع وهو زياد ابن سميلة يشهد، أفهمه الخليفة رغبته في ألا يخزي المغيرة (ملاحظة جانبية: أي أنه يحرضه على عدم النزاهة في الشهادة) ثم سأله عما رآه فقال: رأيت مجلساً، وسمعت نفساً حثيثاً وانتهازاً ورأيته مستبطنها، فقال عمر: أرأيته (وسامحموني فلن أنطق ثانية بالعبارة القبيحة التي ذكرتها منذ لحظة، يعني بيعمل كذا كذا). يدخله وبخرجه كالميل في المكحلة؟ فقال: لا، لكني رأيته رافعاً رجليها (وسامحوني للمرة الثالثة فأنا لا أستطيع التلفظ بالعبارات هذه المرة فهي وصف في منتهى قلة الأدب للعملية الجنسية بالتفصيل المخل للآداب). "فرأيت خصيتيه تتردد إلى ما بين فخذيها، ورأيت حفزاً شديداً وسمعت نفساً عالياً". فقال عمر: ولكن أرأيته (ونفس العبارة القبيحة الأولى يعني بيعمل كذا كذا). يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة؟ فقال لا. فقال عمر: (الله أكبر)، قم يا مغيرة إليهم فاضربهم، فقام يقيم الحدود على الثلاثة (والمصيبة أنهم يفتخرون بعدل عمر هذا الذي عوج القضاء وأمر بإقامة الحدود على الأبرياء، وتبرئة المذنب. يقولون عنه في الموسوعة العربية الميسرة ص 1237: "عرف بشدته في الحق، ومخافته من الله، وحرصه على العدل". ياعيني على العدل، وإذا كان هذا هو حال من عُرف بالحق والعدل، فما بال الآخرين من حكام المسلمين الذين لم يُعرفوا بالعدل والحق؟).
(ويذكر سيد قمني المراجع التي ذكرت فيها هذه القصة وهي: ابن كثير: البداية والنهاية ج 7 ص 83 وعبد الحسين شرف الدين الموسوي: النص والاجتهاد ص 259).
قد يتساءل أحد قائلاً: ما علاقة هذه القصة بموضوع الناسخ والمنسوخ؟.
أقول العلاقة هي أن عمر عمل بآية قد نسخت من القرآن وهي: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فليُرجما". رغم أنها لم تكن مكتوبة في القرآن، فهي مثل من الأمثلة عن ما نشرحه في الناسخ والمنسوخ: وهو ما نُسخ خطه وبقي حكمه، أو ما ليس موجوداً في القرآن ولكن لا يزال يعمل به، رغم أن عمر تحايل على حكم الآية وجعل الرجل يشهد زوراً لأجل تبرئة المتهم. وكان الأجدر به أن لا ينفذ آية غير موجودة أساساً بالقرآن!.
ثانياً: آية رضاعة الكبير:
الواقع أن رضاعة الكبير قصة غريبة في القرآن، يقول عنها سيد القمني: رضاعة الكبير هي مثل آخر عن الآيات التي ألغيت من القرآن، والآن هي ليست موجودة فيه، ولكن لا يزال يُعمل بها. وإليك ما كتب عن ذلك في صحيح مسلم (طبعة دار الشعب 4/167): قالت السيدة عائشة: "كان فيما أنزل: عشر رضعات معلومات، فنسخن بخمس معلومات، وتوفي رسول الله (صلعم) وهي مما يقرأ في القرآن". ويؤكد الإمام أبوجعفر النحاس في كتابه (الناسخ والمنسوخ): أن السيدة عائشة ظلت على موقفها تقول برضاع الكبير".
ويحكي ابن الجوزي قصة رضاعة الكبير في كتابه (نواسخ القرآن ص37) عن السيدة عائشة أنها قالت: آية رضعات الكبير، كانت في ورقة تحت سرير بيتي، فلما اشتكى رسول الله (صلعم) (أي مرض) تشاغلنا بأمره، فأكلتها ربيبة لنا (أي الشاة) فتوفي رسول الله (صلعم) وهي مما يقرأ في القرآن". (ملاحظة أين هذا من قول القرآن إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون؟ كيف يترك القرآن للشاة أن تأكله؟ سؤال يحتاج إلى جواب. وتوضح السيدة عائشة بمنتهى الصراحة قصة رضاعة الكبير الغريبة الشأن! وقد ذكرها أبو جعفر النحاس في كتابه (الناسخ والمنسوخ ص 124) إذ قالت: "جاءت سهلة ابنة سهيل إلى رسول الله (صلعم) فقالت: إني أجد أبي حذيفة (زوجي) مستاء إذا دخل عليَّ سالم (العبد الذي عندهم). قال النبي (صلعم) فأرضعيه (أي أرضعي سالم هذا حتى يكون بمثابة إبنك فيحرَّم عليك مضاجعته فيطمئن قلب زوجك من جهته). قالت: وكيف أرضعه وهو رجل كبير؟ قال النبي (صلعم): ألست أعلم أنه رجل كبير؟
ولنا هنا وقفة، بعد إذنكم:
(ألا يقع هذا الفعل تحت بند الملاعبة التي ذكرت في الحديث الشريف: "لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المواقعة قبل الملاعبة".
(وهل معنى هذا أنه إذا داعب الرجل زوجته بهذه الطريقة تحرم عليه؟).
كلها تساؤلات تفرض نفسها بالمناسبة.
المهم أن القصة تقول أن سهيلة جاءت بعد ذلك، وقالت للنبي (صلعم): "والله يا رسول الله ما عدت أرى في وجه أبي حذيفة (زوجي) بعد شيئاً أكرهه".
واسمع الباقي فما خفي كان أعظم! بناء على هذه الآية الكريمة رضاعة الكبير والحديث الشريف إلى سهلة، فقد عملت السيدة عائشة بذات السبيل، فقد قال عروة: "إن عائشة كانت تأمر أختها أم كلثوم، وبنات أخيها، أن يرضعن الرجال الذين تحب أن يدخلوا عليها" صدقني هذا ما تقوله كتب السنة الشريفة (انظر كتاب "الناسخ والمنسوخ" لأبي جعفر النحاس ص 124)!.
ونحن نتساءل: هل يَقْبَل أي شريف منكم أن تتصرف زوجته هكذا؟ بأنها إذا أحبت أن تقابل رجلاً، أرضعته على مرأى من عينيه، ويحلل لها ذلك أن تختلي به كمحرَم؟.
إياك يا أخي أن تظن بأنني أتهجم على الإسلام، إنما نحن نتساءل عما ذكر بخصوص الناسخ والمنسوخ وإني أتأسف بشدة لهذه القصص المخجلة ولكني جاد في معرفة ردود إخوتنا المتفقهين في الدين على هذه القصص. والمشكلة التي تواجهنا في غرف الحوارات هي أنه عندما يرفع أحد إخوتنا المسلمين يده ويطلب الكلام فيُعطى الميكروفون وعوض أن يرد على تساؤلاتنا نراه يحول الكلام بأن يثير أسئلة وتشكيكات عن الكتاب المقدس! كطريقة للهروب، ومحاولة للتشتيت!.
ما نُسخ حكمه وبقيّ خطه أو تلاوته أو نصه:
أي أُلغي العمل بالآية القرآنية، رغم أنها مكتوبة في القرآن الحالي.
يقول ابراهيم الأبياري في كتابه (تاريخ القرآن ص 168): أنه قد عد الناظرون في هذا نحواً من 144 موقعاً، وذكر بالتفصيل 60 آية بها 229 حكماً منسوخاً مع بقاء كتابته بالقرآن. وقد أوضحنا هذه السور بالتفصيل، ولكنني أعطي الآن بعض الأمثلة لآيات من هذا النوع.
1- (سورة المجادلة: 12): "يا ايها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة، ذلك خير لكم وأطهر".
قد نُسخت بالآية 13 في (سورة المجادلة): "أأشفقتم أن تقدموا ما بين يدي نجواكم صدقات، فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم، فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأطيعوا الله ورسوله، والله خبير بما تعملون".
ما هي قصة الآيتين؟:
يقول سيد القمني (في كتابه الإسلاميات 582): نقلاً عن د. محمد علي الصغير. إن الوحي قام يجابه الفضوليين على رسول الله (صلعم) الذين كانوا يأخذون عليه راحته، ويزاحمونه وهو في رحاب بيته بين أفراد عائلته وزوجاته، فينادونه باسمه المجرد، قائلين "يا محمد" ويطلبون لقاءه دون موعد مسبق. ولكن بعد الهجرة واستتباب أركان الدعوة، أصبح هناك أصول وبروتوكول يجب اتباعه في التعامل مع النبي (صلعم) فحد القرآن من هذه الظاهرة، وعالجها بوجوب دفع ضريبة مالية (رسوم مقابلة) تسبق هذا التساؤل. فامتنع الجميع إلا علي ابن أبي طالب كان معه دينار يقول أنه صرفه بعشرة دراهم، وكلما كان يريد مقابلة الرسول يدفع درهما، حتى دفع العشرة فنُسخت الآية بالآية التالية لها. وبالرغم من نسخها إلا أنها لازالت تتلى في القرآن الكريم. (انظر سيد القمني: في كتابه الإسلاميات 582، وكتاب الناسخ والمنسوخ لهبة الله البغدادي ص 117).
قال الإمام الخازن في تفسيره: إن ما نُسخ حكمه وبقيت تلاوته كثير في القرآن" (انظر كتاب لُباب التأويل في معاني التنزيل ج 1 ص 94).
قال ابن العربي: "كل ما في القرآن من الصفح عن الكفار والتولي والإعراض والكف عنهم منسوخ بآية السيف، وهي: إذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين، وهذه الآية نسخت مائة وأربعة وعشرين آية (124 آية)" (السيوطي ج 2 ص 24).
وقال السيد القمني: "المعلوم أنه عندما جُمع المصحف زمن (عثمان ابن عفان) تم جمع كثير من الآيات المنسوخة إلى جوار الآيات الناسخة، وهذا هو الواقع الذي فرض إنشاء باب في النسخ بعنوان (ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته) وهو الواقع الذي أدى إلى ظهور كثير من الآيات بمظهر التضارب والتناقض" (كتابه الإسلاميات 584). ويصنف سيد القمني آيات الناسخ والمنسوخ من هذا النوع في أربعة نماذج، نعرض بعض الآيات من تلك النماذج كما جاءت في (كتابه إسلاميات ص 584 - 587):
النموذج الأول: الآيات المتعلقة بالكتب السماوية السابقة على كتاب الله العزيز:
1- (سورة المائدة: 43) "وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله".
2- (سورة المائدة: 44) "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور".
3- (سورة المائدة: 46) "وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور".
4- (سورة المائدة: 47) "وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه".
5- (سورة المائدة: 48) "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب".
6- (سورة غافر: 54) "وأورثنا بني إسرائيل الكتاب. هدى وذكرى لأولي الألباب".
هذه الآيات نسختها آيات أخرى مثل:
1- (سورة النساء: 46) "من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه".
2- (سورة البقرة: 75) "وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه".
أليس في القولين تناقض، والقرآن نفسه يقول في (سورة الحِجر: 9) "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، ويشهد لكتاب بني إسرائيل أنه هدى وذكرى؟.
النموذج الثاني: الآيات المتعلقة بأصحاب الديانات الكتابية:
1- (سورة البقرة: 62) "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخِر وعمل صالحا، فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
2- (سورة العنكبوت: 46) "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد".
3- (سورة الحديد: 27) "وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة".
4- (سورة آل عمران: 55) "إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك.. وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة".
هذه الآيات نسختها آيات أخرى مثل:
1- (سورة آل عمران: 19) "إن الدين عند الله الإسلام".
2- (سورة آل عمران: 85) "من يبتغِ غير الإسلام دينا، فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين".
هل هذا يتفق مع (سورة البقرة: 62) "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخِر وعمل صالحا، فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون"
النموذج الثالث: الآيات المتعلقة بالمدى المسموح به من الحرية الدينية:
1- (سورة الكافرون: 6) "لكم دينكم ولي دين".
2- (سورة يونس: 99) "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين".
3- (سورة البقرة: 256) "لا إكراه في الدين".
هذه الآيات نسختها آيات أخرى مثل:
1- (سورة آل عمران: 83) "أفغير دين الله يبغون، وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها".
النموذج الرابع: الآيات المتعلقة بالموقف من المشركين:
1- (سورة آل عمران: 20) "وإن تولَّوْا فإنما عليك البلاغ".
2- (سورة فاطر: 23) "إن أنت إلا نذير".
3- (سورة النساء: 63) "فاعرض عنهم وعظهم".
4- (سورة النساء: 81) "فاعرض عنهم وتوكل على الله".
5- (سورة المائدة: 13) "فاعف عنهم واصفح".
6- (سورة الأنعام: 107) "وما جعلناك عليهم حفيظا، وما أنت عليهم بوكيل".
7- (سورة الغاشية: 22) "لست عليهم بمسيطر".
8- (سورة المزمل: 10) "واصبر على ما يقولون، واهجرهم هجرا جميلا".
9- (سورة المعارج: 5) "فاصبر صبرا جميلا".
10- (سورة طه: 130) "فاصبر على ما يقولون".
11- (سورة الحِجر: 85) "فاصفح الصفح الجميل".
12- (سورة الأعراف: 199) "خذ العفو، وأمر بالعُرْف واعرض عن الجاهلين".
13- (سورة فصلت: 34) "ادفع بالتي هي أحسن".
14- (سورة الرعد: 40) "فإنما عليك البلاغ، وعلينا الحساب".
15- (سورة الأنفال: 61) "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها".
هذه الآيات نسختها آيات أخرى مثل:
1- (سورة النساء: 89) "فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم".
2- (سورة النساء: 91) "واقتلوهم حيث ثَقَفْتُمُوهم".
3- (سورة محمد: 4) "فإذا لقيتم الذين كفروا فضرْبَ الرقاب حتى إذا أثخنتموهم، فشدوا الوثاق".
4- (سورة الأنفال: 12) "فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان".
5- (سورة الأنفال: 39) "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله".
6- (سورة محمد: 35) "فلا تهِنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون". (انظر سورة الأنفال 61) "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها".
7- (سورة التوبة: 29) "فاقتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولايحرمون ماحرم اللهُ ورسولُه ولايدينون دين الحق، من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون"
وعن هذه الآية الأخيرة أنقل لكم تفسير الإمام النسفي، ثم تفسير الإمام ابن كثير.
1- قال النسفي في تفسيره الجزء الثاني ص (177و178): "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله، ولا يدينون دين الحق": أي لا يعتقدون دين الاسلام الذي هو الحق... "من الذين أوتوا الكتاب": بيان للذين قبله (اليهود والنصارى)... "حتى يعطوا الجزية": أي جزاء على الكفر... "وهم صاغرون": أي تؤخذ منهم على الصَّغار (الضعة) والذل، وهو أن يأتيَ بها (أي بالجزية) بنفسه ماشياً غير راكب ويسلمها وهو قائم والمتسلم جالس، وأن يُتَلْتَلَ تَلْتَلةً (يفسرها بقوله: التلتلة: هي التحريك والإقلاق والزعزعة والسير الشديد) ويؤخذ بِتَلْبيبه (بالطوق الذي في عنقه أو ثيابه)، ويقال له أدِّ الجزية يا ذمي، ويُزَخُّ في قفاه (يُضرب على قفاه).
2- وقال ابن كثير (المجلد الثاني ص 135و136) تعليقاً على هذه الآية: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله.." بقوله: هذه الآية الكريمة نزلت أول الأمر بقتال أهل الكتاب.. أمر الله رسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى، وكان ذلك في سنة تسع هجرية.. "حتى يعطوا الجزية عن يد". أي عن قهر لهم وغلبة "وهم صاغرون" أي ذليلون حقيرون مهانون، فلهذا لا يجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين، بل هم أذلاء صَغَرَة (وضعاء) أشقياء، كما جاء في صحيح مسلم: "لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه". ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه تلك الشروط المعروفة في إذلالهم وتصغيرهم وتحقيرهم، وذلك مما رواه الأئمة الحُفَّاظ من رواية (عبد الرحمن بن غنم الأشعري) قال: "كتبتُ لعمر بن الخطاب حين صالح نصارى من أهل الشام" وقلت: "بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا، (حيث قالوا فيه): إنكم (أيها المسلمون) لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا، وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نعمل في مدينتنا ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب منها، ولا نحيي منها ما كان خططاً للمسلمين، وأن لا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل ولا نهار، وأن نُنْزِل من مر بنا من المسلمين ثلاثة أيام نطعمهم، ولا نعلِّم أولادنا القرآن، ولا نظهر شِرْكاً، ولا ندعو إليه أحداً، ولا نمنع أحداً من ذوي قرابتنا الدخول في الإسلام إن أرادوه، وأن نوقر المسلمين، وأن نقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا الجلوس، ولا نتشبه بهم في شيء من ملابسهم، لا في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نركب السروج، ولا نتقلد السيوف، ولا نتخذ شيئاً من السلاح، ولا نحمله معنا، ولا ننقش أختامنا بالعربية، وأن نجز مقاديم رؤوسنا. وأن نلزم زِيِّنا حيثما كنا، وأن نشد الزنانير على أوساطنا، وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا، وأن لا نظهر صليبنا ولا كتبنا في شيء من طريق المسلمين ولا أسواقهم، ولا نضرب نواقيسنا في كنائسنا إلا ضرباً خفيفاً، وأن لا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شيء من حضرة المسلمين، ولا نخرج شعانين ولا بعوثاً، ولا نرفع أصواتِنا على موتانا، ولا نجاورهم بموتانا، وأن نرشد المسلمين ولا نطلع عليهم في منازلهم". قال: "فلما أتيت عمر بالكتاب زاد فيه": "ولا نضرب أحداً من المسلمين" شَرَطنا ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا، وقبلنا عليه الأمان، فإن نحن خالفنا في شيء مما شرطناه لكم ووظفنا على أنفسنا (أي مما التزمنا به)، فلا ذمة لنا، وقد حل لكم منا ما يحل من أهل المعاندة والشقاق (أي القتل)".
1- قد علق على هذه الآيات الخاصة بالقتال الإمام السيوطي (جزء2 ص 24) قائلا: "صدر الأمر بالقتال عندما قوي المسلمون، أما في حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى".
2- وعن موقف الإسلام من قتال المسيحية علق سيد القمني (في كتابه الإسلاميات ص 588) قائلا: "المعلوم أن موقف الإسلام من المسيحية كان في البداية موقفاً مهادناً متسامحاً يؤكد حرية الإعتقاد، وأن الإنجيل هدى ونور، وأن القرآن جاء يصادق على ما سبق وورد فيه، وأن الله رفع أصحاب عيسى فوق الكافرين إلى يوم القيامة.(ويوضح القمني سبب ذلك بقوله): لأسباب ظرفية واضحة في حاجة المسلمين إلى دار هجرة لدى نجاشي الحبشة المسيحية، حيث رددت شفاه المسلمين هناك الآيات عن المسيح وأمه، فكان أن أحسن استقبالهم ووصلهم بالود والرحمة وبعد انتفاء الحاجة للحبشة ونجاشيها كان لابد أن يقول الوحي كلمته إزاء العقائد المسيحية.
3- وعن موقف الإسلام من اليهودية علّق سيد القمني (في كتابه الإسلاميات ص 588) قائلاً: "كذلك الحال في الموقف من اليهودية واليهود،فقد كانت يثرب (المدينة) دار هجرة للمسلمين، بينما كانت معقلاً كبيراً ليهود الجزيرة، وكانت المصلحة والحكمة تستدعي أن تسبق المسلمين المهاجرين إلى يثرب، آيات تردد ذكر أنبياء بني إسرائيل، وقصص العهد القديم، والقرار بأن الله فضلهم على العالمين، وأن توراتهم فيها هدى ونور، وعليهم الحكم بما فيها. وكان أول عمل سياسي هام قام به المصطفى (صلعم) عند وصوله يثرب هو عقد الصحيفة التي كفلت حرية الإعتقاد لأهل المدينة جميعاً".
ثم يكمل قائلاً: "ولكن الظرف لم يستمر على حاله، مما أدى إلى إلغاء الصوم العبري واستبداله بصوم رمضان العربي، كما ألغيت قبلة بيت المقدس واستبدلت بكعبة مكة، ثم أخذ كل من النبي (صلعم) واليهود يكتشفون اختلاف توجهاتهم، ثم يكتشفون اختلافات عميقة بين ما عند اليهود من التوراة، وما يتلوه رسول الله (صلعم). وهنا اتخذ الأمر وجهة أخرى، خاصة بعد غزوة بدر الكبرى، التي مكنت المسلمين من العتاد والسلاح والقوة المادية والمعنوية، حيث يكشف لنا الوحي أن سبب اختلاف القرآن عن التوراة في كثير من التفاصيل، ومن هنا حق قتالهم، ومن ثم نقض عهد الصحيفة، وإبطال الحرية الدينية، وجاء الأمر "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله" بعد أن أصبح الدين عند الله الإسلام".
4- وعن موقف الإسلام من أهل قريش علّق أيضاً سيد القمني (في كتابه الإسلاميات ص 589) قائلاً: "بدأت الآيات الحكيمة في مكة زاخرة بما يلائم حال الضعف التي كان عليها المسلمون وسط أكثرية معادية، فقررت حرية الاعتقاد وأنه لا إكراه في الدين، (بل امتدح أصنامهم) "أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، تلك الغرانيق العلا إن شفاعتهن لترتجى" (سورة النجم) ويكمل السيد القمني حديثه قائلاً: "أما بعد الهجرة من مكة إلى المدينة وبعد موقعة بدر الكبرى والتحول من حال الضعف إلى حال القوة، أتت الآيات الناسخة تبطل حرية الاعتقاد، وتأمر بقتال غير المسلمين وقتلهم، وهو الأمر الذي لحظه الإمام السيوطي".
مانُسخ حكمه ونُسخ أيضاً حرفه أو خطه أو تلاوته:
أي إلغاء العمل بالآية القرآنية، وأيضاً إلغاؤها من القرآن. رغم أنها كانت قد أُنزلت على محمد وكانت موجودة في القرآن القديم، ولكنها غير موجودة في القرآن الحالي. فأين ذهبت؟.
قال سيد القمني (في كتابه الإسلاميات ص590) "قد وُضع ضمن هذا الباب عدد من الروايات حول عدد من الآيات التي كانت معروفة زمن النبي، لكنها لم توجد بالقرآن الكريم".
ونقل سيد القمني (في كتابه الإسلاميات ص 589) عن الزهري قوله: "أخبرني أبو إمامة أن رهطاً من أصحاب النبي (صلعم) قد أخبروه أن رجلاً منهم قام في جوف الليل، يريد أن يفتتح سورة كان قد وعاها، فلم يقدر على شيء منها إلاّ بسم الله الرحمن الرحيم، فأتى إلى النبي (صلعم) في الصباح، ليسأل النبي عن ذلك. وجاء آخرون لنفس الغرض، ثم أذن النبي (صلعم) فسألوه عن السورة، فسكت ساعة لا يرجع إليهم شيئاً، ثم قال: نسخت البارحة" (انظر جمال الدين ابن الجوزي: نواسخ القرآن ص 33) والسؤال هنا: لماذا إذن أعطاها إن كان سينسخها؟.
وقد عقب أبو بكر الرازي على باب (ما نسخ تلاوته وحكمه) بالقول: "إنما يكون بأن ينسيهم الله إياه ويرفعه من أوهامهم ويأمرهم بالإعراض عن تلاوته وكتابته في المصحف، فيندرس مع الأيام" (انظر جلال الدين السيوطي: الاتقان في علوم القرآن ج 2 ص 26) والسؤال هنا: لماذا إذن أعطاها إن كان سينسيها لهم؟.
وعن شريك ابن عاصم عن (زر) قوله: "قال لي أُبيِّ ابن أبي كعب: كيف تقرأ سورة الأحزاب؟ قلت: سبعين أو إحدى وسبعين آية، قال والذي أحلف به، لقد نزلت على محمد (صلعم) وأنها تعادل سورة البقرة أو تزيد عليها. (سورة البقرة 286 آية أي انكمشت إلى الربع) (انظر التهذيب 10/42-44)" (انظر جمال الدين ابن الجوزي: نواسخ القرآن ص 33) والسؤال هنا أين ذهبت الآيات الأخرى، ولماذا كان قد أعطاها؟.
وعن عائشة قالت: "كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي حتى مائتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلاّ على ما هو الآن". (انظر جلال الدين السيوطي: الاتقان في علوم القرآن ج 2 ص 26) أين باقي الآيات؟ ولماذا أعطيت إن كان سينسخها أو ينسيها؟.
وعن عمر قال: "ليقولن أحدكم: قد أخذت القرآن كلَّه، وما أدراك ما كله، لقد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل أخذت منه ما ظهر" (انظر جلال الدين السيوطي: الاتقان في علوم القرآن ج 2 ص 26) . أين الكثير من القرآن المفقود؟.
وعن أمامة ابن سهل أن خالته قالت: "لقد أقرأنا رسول الله آية الرجم (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة)". وهي غير موجودة بالقرآن الحالي (انظر جلال الدين السيوطي: الاتقان في علوم القرآن ج 2 ص 26). أليس هذا شيئاً غريباً؟. وحدثنا حجاج ابن جريح، أخبرني أبي حميدة عن حميدة بنت يونس قالت: قرأ عليَّ أبي وهو ابن ثمانين سنة في مصحف عائشة: إن الله وملائكته يصلون على النبي: يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما، وعلى الذين يصلون في الصفوف الأولى قالت كان ذلك قبل أن يغير عثمان المصحف" (انظر جلال الدين السيوطي: الاتقان في علوم القرآن ج 2 ص 26) . أليس هذا شيئاً عجيباً؟.
وعن أبي سيفان الكلاعي أن مسلمة ابن مخلد