صدام الأديان في ديار الإسلام

صدام الأديان في ديار الإسلام

حين اطلق صمويل هانتنغتون نظريته حول صدام الحضارات، اثناء تفكك الاتحاد السوفياتي، قال ناعوم تشومسكي «انها اذاً حرب الحضارات»، معتبراً ان النظام العالمي البديل من الحرب الباردة (وثنائية الاستقطاب) هو الصراع المبرمج بين الحضارة اليهو-مسيحية والحضارة الكونفو-اسلامية...
لكن ما لفت تشومسكي ان هناك ديناميات ايديولوجية و لاهوتية وحتى تاريخية للدمج بين اليهودية والمسيحية، بالرغم من ان السيد المسيح جاء لمهمة مختلفة تماماً، اي تحويل اليهود الى مسيحيين لا تحويل المسيحيين الى يهود، فيما لا مجال البتة للدمج، او حتى للثنائية التي تجمع الكونفوشيوسية والاسلام، ربما إلا من الناحية الاخلاقية، فلا رابط عضويا بين الديانتين، على المستوى العقائدي او التاريخي، بل هناك نوع من التضاد العضوي بينهما...
هانتنغتون ما لبث ان استدرك، معتبرا ان الكونفوشيوسية التي لا تزال ماثلة بطريقة او بأخرى في اللاوعي الصيني بدت وكأنها تحولت في لحظة ما الى وصيفة لفلسفة السوق، بحيث ان تعليقا في « وول ستريت جورنال» صوّر كونفوشيوس وقد ازال لحيته لكي لا يكون هناك اي شبه، ولو باللحية، بينه وبين كارل ماركس، فيما راح يسأل عن عنوان مارلين مونرو وميلتون فريدمان في العالم الآخر...
الاسلام شيء آخر. هانتنغتون لم يستدرك ولم يوضح، فلا صدام بين الحضارة اليهو-مسيحية والاسلام، بل تحويل ذلك الصدام ليصبح بين الاسلام والاسلام الذي استبقي بشكل او بآخر بمنأى عن ايقاع العصر، حتى ان محمد اركون تساءل عن ذاك الاصرار على البقاء، او على التراقص، بين الزوايا والقبور فيما الآخرون يشقون طريقهم الى الكواكب الاخرى...
تشومسكي هو الذي يستغرب الآن، والى حد الصدمة، كيف ان الذي يحدث بين المسلمين ليس صداماً بين المذاهب، بل ثمة من جعله صداما بين الاديان، كما لو ان هناك الهاً او نبياً للسنّة، والهاً او نبياً للشيعة والرجل لا يطلق الكلام على عواهنه، بل ان بين يديه نصوصاً وفتاوى، وان كان يعتبر ان هناك ما هو ابلغ من كل هذا، تلك الكراهية التي ترفض ان تعبّر عن نفسها إلا دموياً، متسائلاً ما اذا كانت الكراهية بين المسلمين والمسيحيين اعمق من تلك التي بين المسلمين والمسلمين؟ في رأيه ان الازمة الكبرى، والبعيدة المدى، هي بين مسلمي هذا الدين ومسلمين ذاك الدين..
وحتى عندما حدثت التظاهرات ضد الفيلم المسيء للاسلام، وهو فيلم تافه وبدائي وساقط ويعكس المنحى التلمودي لواضعيه، كان هناك من يكاد يقول للامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله «لكم النبي ولنا الله». لا نبالغ، بل ان معلقاً اذاعياً( وقيل لي ان كلامه بث تلفزيونيا ايضا) طرح هذا وبصورة لا تنطوي على اي لبس..
لا بل ان قيادات مسيـحية غفـلت تماما عن تظاهرة طرابلس التي احرقت ما احرقت، خلافا للمواقف العقلانية للاكثرية الساحقة من ابناء المدينة، وعن تظاهرة الشيخ احمد الاسير الذي لفتت نظره احدى الصحف الى كونه لم يعبر عن رأيه حيال الفيلم، وهاجمت على نحو لافت جدا، ومستهجن جدا، تظاهرة « حزب الله» فقط، ليظهر بوضوح مدى الانزلاق نحو استراتيجية معينة او نحو خط معين، فيما المطلوب من مسيحيي لبنان، وقد اعطوا ما اعطوه للعرب، ان يسعوا للحد من الجنون الذي يحكم العلاقات بين المسلمين والمسلمين في لبنان...
هذا مع التوقف عند رأي البعض الذين يرون ان التظاهرات إما انها انفجرت غرائزيا، وهذه حالة ما دون الوعي بالاسلام، او انها انفجرت للتوظيف السياسي، فالنبي محمد اعظم شأناً من ان تمسه تلك التفاهات او تلك الاوصاف التي خلعها عليه مارتن لوثر، وهي اشد هولاً بكثير كثير، كما ان الاسلام ارقى، واعمق، وابعد من ان يؤثر فيه شذاذ الآفاق...
والمثير ان المسلمين يتظاهرون، ويثورون ، من اجل فيلم او من اجل رسوم بمنتهى الابتذال، ولا يتظاهرون للدم الذي يراق بينهم(وباسم الاسلام إياه) ولا للثروات او الازمنة التي تذهب الى اشداق قياصرة القرن فيما الحفاة والجياع والاميين يزدادون يوماً بعد يوم.
لماذا لم يكتب هانتنغتون عن صدام الاديان بين المسلمين والمسلمين؟ صدام مبرمج وقد انزلقنا اليه بكامل قوانا العقلية والعقائدية!
نبيه البرجي