من يكسب حرب المطارات في سوريا؟طارق العبد – صحيفة السفير
مع بداية الصراع المسلح في سوريا، اتجهت الأنظار بسرعة إلى المطارات، مدنية كانت أو عسكرية، حيث باتت السيطرة عليها هدفاً أساسياً للمجموعات المسلحة، لكنها أخفقت في تحقيقه في معظم الحالات، قبل أن يتولى تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”-“داعش” مهمة الإعداد لمعارك السيطرة على القواعد الجوية، التي لا تبدو بسهولة أي مواجهة أخرى.
في سوريا، هناك عشرات المطارات، بين مدنية وعسكرية، بعضها مخصص للتدريب ومساحته صغيرة، والبعض الآخر يؤدي دوراً محورياً في العمليات التي تشنها السلطة على المسلحين، إذ يبلغ عدد المطارات المدنية خمسة، وهي دمشق وحلب الدوليان، والباسل في ريف اللاذقية والقامشلي في الحسكة ومطار دير الزور، وتعرضت إلى هجمات ومعارك بهدف السيطرة عليها، أو على الأقل منع حركة الإقلاع والهبوط.
وبرغم إلغاء عدد من شركات الطيران رحلاتها إلى دمشق، إلا أن الخطوط الجوية السورية ما زالت تعمل. ويشهد المطار حركة لافتة مع تأمين طريقه بعد المعارك التي جرت قبل عامين في محيط الغوطة الغربية. وسبق للمجموعات المسلحة في الغوطة الشرقية أن أعلنت أكثر من مرة عن عمليات لقطع الطريق واستهداف المطار، من دون أن تحقق نجاحاً في ذلك.
والمشهد ذاته ينسحب على مطار حلب الدولي، الذي أصبح أكثر أمناً مع استعادة الجيش السيطرة على قطع عسكرية كانت تشكل خطوط الحماية الرئيسية له، وأهمها “اللواء 80″.
وفي المقابل، لا يشبه وضع مطار دير الزور باقي المواقع الجوية، فقد توقفت حركة الطيران المدني فيه، وتحوّل إلى قاعدة عسكرية، بحكم الأوضاع الميدانية التي تشهدها المحافظة، فيما لا يزال مطارا القامشلي واللاذقية يعملان ويشهدان حركة مستمرة للخطوط السورية، خاصة مع المخاطر التي تنجم عن استخدام الطرق البرية تحديداً للقامشلي.
عسكرياً، يبدو المشهد مختلفاً، إذ شكلت المطارات العسكرية محطة أساسية في الهجمات والعمليات التي تشن ضد المجموعات المسلحة. وتتوزع هذه القواعد على مختلف المناطق، حيث تقع تحت سيطرة الجيش، باستثناء مطاري منغ والجراح في ريف إدلب، ومؤخرا مطار الطبقة في محافظة الرقة. وأهم هذه المواقع هي مطار المزة والضمير في ريف دمشق، والثعلة في السويداء، والضبعة في ريف حمص، وحميم في اللاذقية، ومطارات في طرطوس وحماه وتدمر، وكويرس في حلب وأبو الظهور في إدلب.
ويشرح مصدر ميداني لـ”السفير” أن الهدف الرئيسي لمحاولة المسلحين السيطرة على المطارات يكمن في إبعاد الطلعات الجوية عن المناطق الخاضعة لسيطرتهم، لكن الأمر ليس بهذه السهولة، إذ يمكن لقواعد جوية بديلة أن تشن هذه الطلعات والغارات، يضاف إلى ذلك أن الصعوبة الرئيسية لا تكمن في المطار بحد ذاته، بقدر ما هي القطع العسكرية المحيطة بالمطار، مدنيا كان أو عسكريا.
ويضرب المصدر أمثلة، كمطار دمشق الدولي المحاط بعشرات الثكنات والمواقع التي تشكل خطوط الحماية له في عقربا والغزلانية وغيرها من البلدات، أو في مقارّ الفرقة الرابعة التي تحيط بمطار المزة العسكري، ومثله في “اللواء 80″ لمطار حلب الدولي، وحتى في حالة مطار دير الزور الذي يحشد “داعش” لبدء معركة تستهدف اقتحامه فهو محصن بطريقة معقدة للغاية، فمساحته الواسعة والتلال المحيطة به تؤمن للمدفعية القدرة على استهداف أي تحرك، وحتى على مسافات بعيدة، بالإضافة إلى ألوية حماية، مثل “الفوج 119 دفاع جوي” و”اللواء 137 مشاة”، ما يعني أنه من السذاجة بمكان القول إن معركة المطار ستتم في يوم وليلة، أو أنه مجرد قطعة معزولة تسقط في غضون ساعات.
لكن ما الذي تغيّر بعد تمدد “داعش” وسيطرته على مساحات واسعة في المنطقة الشرقية؟
تشير التقديرات إلى عمليات أكثر صعوبة يقوم بها “الدولة الاسلامية”، حيث انه بعد سيطرته على مطار الطبقة يقوم بحشد قواته عند محيط مطار دير الزور.
وفي هذا السياق، يقول الخبير العسكري والاستراتيجي محمد فريد عيسى إن المطار هو الوحيد في المنطقة الشرقية، إذا استثنينا مطار القامشلي، وهو حلقة مواصلات مهمة إلى المدينة.
ويضيف عيسى، في حديث إلى “السفير”، “لا أعتقد أن الهجوم عليه وشيك، لسببين، الأول هو تنبه القيادة السورية، بعد سيطرة الإرهابيين على مطار الطبقة، والثاني هو إرسال تعزيزات مهمة إليه، بالإضافة إلى القوات الموجودة هناك”.
ويضيف أن “الجيش بصدد تحقيق انتصارات مهمة في المنطقة حول حقول النفط ومناطق أخرى من المحافظة، بالإضافة إلى ان مثل هذه المعركة يلزمها عشرات الآلاف من الإرهابيين، ومن الصعوبة أن يتمكن داعش من التقدم فيها”.
ويرى الخبير العسكري أن المسألة لا تتعلق بالناحية العسكرية البحتة، فحين يصر الجيش على استعادة منطقة سيفعل ذلك. ويقول “هناك ثلاثة مستويات للتعاطي من قبل الجيش، تتراوح بين مهمة جداً ومهمة وأقل أهمية، وإدارة الحرب هي التي تصنف هذه المناطق والأهداف طبقاً للمعطيات الإستراتيجية”. ويلفت إلى “مسألة مهمة، هي أن الحرب ليست معطى عسكريا فقط، فالقرار فيها يخضع لمعطيات سياسية محلية ودولية وإقليمية”.