«حلفاء» واشنطن قلقون من «صفقة» ايرانية ـ اميركية وفقا للنموذج العراقيابراهيم ناصرالدين – صحيفة الديار
الثابتة الوحيدة حتى الآن ان أحدا لا يملك بين يديه الاسم العتيد للرئيس المقبل للجمهورية، وما يحصل حتى يومنا هذا مجرد تأويلات ومناورات لحرق اسماء، وتلميع صورة أخرى، الى ان يأتي «اليوم الموعود» ويذهب نواب الامة لتظهير ما تم الاتفاق عليه خارج «ساحة النجمة». لكن ثمة مفارقات في الطريق الى بعبدا تستحق التوقف عندها لانها ستعكس ماهية المرحلة المقبلة، وقد برز خلال الايام القيلية الماضية ازدياد في القلق لدى «الحلفاء» في بيروت والمنطقة من الموقف الاميركي من الاستحقاق الرئاسي على خلفية التجارب المخيبة في المنطقة، فهل الشعور بالريبة في محله؟ ولماذا المخاوف من موقف واشنطن؟
ببساطة، تقول اوساط دبلوماسية مطلعة، لان لبنان ليس في اولويات الادارة الاميركية الا من زاويتين الاولى مرتبطة بمكافحة الارهاب، وهنا يأتي دعمها ومساهمتها الكبيرة في التوافق على حكومة «المصلحة الوطنية»، الذي أمن «مظلة سياسية» ساعدت الجيش اللبناني والقوى الامنية على التحرك في طرابلس والبقاع. والزاوية الثانية ترتبط بالعلاقة مع ايران، حيث لا ترغب واشنطن في ان يكون لبنان ساحة سيئة لاختبار النوايا مع طهران. والدلائل تزداد يوما بعد يوم على عدم رغبة الاميركيين والايرانيين في تاثير اي من الاحداث السياسية والامنية على التقدم المطرد في الاتفاق النووي، وسعي الطرفين لمعالجة الازمة المفتعلة من قبل الكونغرس بشأن منع مندوب طهران لدى الأمم المتحدة احمد أبو طالبي من دخول أراضي الولايات المتحدة، يؤكد ان الطرفين لا يرغبان بالتضحية بالمكتسبات التي تحققت من خلال المفاوضات.
وما يقلق «الحلفاء» هو ان تتم تسوية ايرانية ـ اميركية في لبنان على حساب مصالحهم تضيف الاوساط كما حصل سابقا في العراق عندما جرى تبني وصول نوري المالكي الى الحكم عبر مفاوضات تمت «تحت الطاولة» بينما كان الاميركيون قد عقدوا اتفاقا «فوق الطاولة» مع السعودية على تبني اياد علاوي، لكنهم تراجعوا عنه واضعين نصب اعينهم المصلحة الاميركية اولا. هذا ما حصل في العراق ذات الاهمية الاستراتيجية، فكيف اذا ما تعلق الامر بموقع الرئاسة اللبنانية الذي لا يقدم كثيرا او يؤخر في رسم الخريطة السياسية في المنطقة؟ هذا الامر يتكرر اليوم، فالادارة الاميركية لم تقدم للسعوديين اي اشارات جادة حول رغبتها في الضغط على ايران للقبول في تقاسم النفوذ في العراق مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي نهاية الجاري، وفهم في هذا السياق ان ايران وحدها رسمت الخطوط العامة والخاصة امام الكتل الشيعية الرئيسية حول آلية الاتفاق على هوية رئيس الحكومة المقبل. ولم يبق للسعوديين الا «الباب الامني» في محاولاتهم للتأثير على المناخ العام في البلاد دون ان يحقق لهم هذا الامر اي ثقل سياسي في ظل حالة الانقسام العشائرية والسياسية لدى المكون السني.
اما في الملف السوري، «فحدث ولا حرج» تقول تلك الاوساط، عن التردد الاميركي الذي يضعف موقف الحلفاء في المنطقة، وفي هذا السياق لم تقدم واشنطن للرياض اي مساعدة جدية يمكن التعويل عليها لتقوية موقعها التفاوضي مع طهران، فعلى الرغم من وصول السعودية الى قناعة بعدم جدوى الرهان على حسم الحرب لصالح المعارضة، ومع وجود رأي جازم في المملكة بانعدام القدرة على تحقيق اي مصلحة سياسية من خلال استمرارهذا النزيف، في ظل تقارير استخباراتية غربية تؤكد ان هذه الحرب مرشحة للاستمرار نحو عشر سنوات اخرى، فان العقدة الاساسية لا تزال عدم قبول الرياض بأي حديث عن استمرار الرئيس بشار الاسد على رأس هرم السلطة في البلاد رغم تنازلها عن الكثير من المطالب التعجيزية السابقة المرتبطة بتفكيك هيكيلية النظام القائم. وفي المقابل فان المصلحة الايرانية في عودة الاستقرار الى سوريا تعد في سلم اولويات السياسة الايرانية لكن وفق شروط تعكس حال الوضع الميداني، فالنقاش حول مصير الاسد ليس على جدول الاعمال الايراني، وطهران ترغب وتلح على التسوية لكن لن تسلم بنفوذ سعودي مبالغ فيه في سوريا، كما لم تسلم قبلا بنفوذ «مفتعل» في العراق، وسيبقى الوضع على ما هو عليه الى ان تحدث انعطافة «دراماتيكية» في الاوضاع تدفع الى تغيير في قواعد واسس التفاوض.
وهنا تكمن المعضلة في الموقف الاميركي، فالشكوى السعودية مستمرة من غياب اي استراتيجية واضحة لخلق وقائع جديدة، على حد قول الاوساط، واذا كانت الاستراتيجية الروسية ثابتة في دعمها للرئيس الاسد، فليس لهذه الاستراتيجية رد اميركي. فالادارة في واشنطن تتمزق منذ اشهر عديدة بين موقف وزارة الخارجية وبين موقف البنتاغون. فبينما يدفع وزير الخارجية جون كيري نحو التدخل العسكري، يحذر وزير الدفاع تشاك هيغل من مغبة التدخل الذي من شأنه ان يحدث حربا اقليمية أو على الاقل أن يحبس الولايات المتحدة في حرب طويلة، حتى طرح كيري اقامة مناطق محظورة للطيران اصطدم بمعارضة رئيس الاركان الجنرال مارتين دامبسي الذي قدر بان صيانة هذه المناطق ستكلف الادارة نحو 50 مليون دولار في اليوم، دون موعد لانتهاء العملية. والخلاصة انه لا توجد خطة اميركية ولا من «يحزنون».
هذه الاستراتيجية الاميركية «العقيمة» في المنطقة، وفق تصنيف الحلفاء، لا يبدو ان لبنان سيشكل استثناء لها، فالرئيس باراك اوباما عندما جاء نهاية الشهر الماضي الى السعودية لم يكن على جدول اعماله بحث الملف اللبناني، واتضح من خلال مقاربة هذا الملف بشكل عام ان الادارة الاميركية لا تملك اي استراتيجيات او خطط للتعامل مع الموقف على الساحة اللبنانية.
وانسجاما مع هذا الموقف رفض اعضاء فاعلين في الادارة الاميركية اعطاء مواعيد لبعض الشخصيات المرشحة او القريبة من المرشحين، وعند محاولة عدد من قيادات قوى 14آذار تلمس الموقف الاميركي، من خلال التواصل مع السفارة في بيروت، سمعوا كلاما عاما «مقلقا» يفيد بأن واشنطن تدرك أنها ليست هي من سيختار الرئيس المقبل، ولذلك ليست في وارد وضع «فيتو» مسبق على شخص قد يكون الرئيس المقبل للبلاد. وحتى الآن لا تبدو واشنطن راغبة في الدخول بـ«لعبة» الأسماء، لديها أولوية ثابة تتعلق بالحفاظ على الاستقرار الأمني والسياسي ، وبالنسبة لها فأن الحكم على عمل أي رئيس سيكون طبقا لأفعاله ومدى التزامه القرارات الدولية. ماذا يعني هذا الكلام؟
يعني ان واشنطن تقول الاوساط لا ترغب في خوض اي معركة جانبية مع خصومها في المنطقة، وثمة ادراك في واشنطن لحدود الدور الاميركي وقدرته على التأثير، ولذلك لا ترغب في ان يكون الخلاف على هوية الرئيس اللبناني، عاملا سلبيا يؤثر على محاولاتها الحثيثة للتفاهم مع ايران حول الملف النووي، ولذلك فهي غير راغبة بدعم أي مرشح أو تسويق طرف ضد آخر، ووفقا للمعلومات، فان واشنطن ابلغت من راجعها انها ستغض «الطرف» عن احتمال حصول تعديل للدستور اذا ما جرى التفاهم على أنتخاب قائد الجيش جان قهوجي أو حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
طبعا، تقلق هذه «السلبية» الاميركية الحلفاء، هم مرة جديدة يخوضون اكثر من مواجهة «دون اسنان»، «التواضع» دفعهم الى القبول بالامر الواقع والدخول بشراكة حكومية تخلوا معها عن كافة شروطهم السابقة، ثمة من بات مقتنعا في هذا الفريق بضرورة التفاهم على الرئاسة الاولى مع الفريق الآخر، وعدم الرهان على تبديل في الموقف الاميركي، وثمة من يدعو الى التريث قليلا «والمناورة» ربما يتحرك شيئا ما في واشنطن، لتحسين الشروط في ظل قناعة تامة بعدم القدرة على تحقيق اي انتصار من «بوابة» الانتخابات الرئاسية.