صباح الخير
صباح الخير لرحيلك الهادئ ايها الحر المفعم بروح الحرية
صباح الخير ورغم السنين الخمسة والتسعين تبكيك الإنسانية
لأن العمر الذي وهبك الله لم يكن لك بل لتعلم البشرية
فقدناك معلما وملهما وسرا نرتاح اليه
نغما ساحرا تربينا عليه
صوتا هادرا و وجها قاسي الملامح
ثم صوتا خافتا يعرف كيف يسامح
يدك على الزناد وأنت في الزانزانة
تقول شعبي لن يوقف القتال ويرضى المهانة
تتمسك بالكفاح المسلح خيارا كأنك أنت من سجنك تطلق الرصاص
و ترفض العروض و الإغراءات وتشترط علنية المفاوضات و حسم القصاص
و تنتظر عمرك يذبل كشمعة قد تنطفئ مع هبوب كل ريح
يراهنون على ضعفك وانت رهانك أن تستريح
فيكفي انك قدمت المثال
للقتال والنضال
وشعبك يتكفل بالباقي
فالبحر تسقيه أنهار والنهر تجمع السواقي
والساقية نقطة على نقطة من المطر الخفيف
هكذا علمت التلامذة في النضال أن لا شيئ يخيف
ولا يوجد شعب ضعيف
المهم وجود الإرادة
المهم هو الإصرار والتكرار والإعادة
لا ملل ولا كلل ولا سؤال عن متى يكون النصر
ولا تطلع لمكانة ودور ومناصب ومال وجاه حتى القبر
بمثلك تصل الشعوب إلى عزة غدها رغم المستحيل
تصل يوما من الأيام طالما نضالها دؤوب جيلا بعد جيل
و طالما القادة لا يتعبون من درب النضال الطويل
و لاتغريهم الوعود والمكاسب والمناصب
والمناضلون صفوف تضحيات بلا مقابل لكنهم عيون ترى وتحاسب
من غيًر اللغات في الأرض جميعا سواك
ومن علم الشعوب كيف تقتلع من دربها الأشواك
خرجت لهم بعلمك الواسع
و طولك الفارع
و انت بالحجة تقارع
وبالرصاص تصارع
و يد تفاوض
ويد تعارض
وانت السجين الذي عاش بين الأربعين والسبعين في زنزانة
لا ضعفت فيك إرادة ولا أغرتك عروض أو إتسهوتك مكانة
حتى تعب الزمن منك وما تعبت
وسئم الإنتظار من ثباتك وما سئمت
ونعس الصبر من صبرك وما نعست
و يئس العدو منك وما يئست
و خجل التاريخ منك وسماك ايقونة الحرية فطأطات رأسك وخجلت
ورفعك شعبك رمزا لروحه الثورية فبكيت و تنهدت
وقلت الشعب هو البطل
وله الفضل فيما حصل
يكفيك فخرا أنك اسقطت القناع عن زيف الغرب وإدعاءاته
فوضعت في الميزان حمايته للعنصرية و سوء تصرفاته
و أيقظت النائم في بحر العنصرية المستور
وكم إستفاقت على حداء صوتك أمواج وبحور
من الإيرلنديين في بريطانيا والزنوج في أمريكا والشعب الحر في الجزائر
وكم أحبتت أن تقبل جبين جمال عبد الناصر
وكنت حاضر في إحدى خطاباته
ومددت راسك كي يراك وكنت في السجن يوم مماته
فبكيت وقلت كم علي أن أنتظر حتى يحين موعد اللقاء
ويوم صرت رئيسا همست لبعض الأصدقاء
فنظموا لك في القاهرة حفل تكريم وغداء
وكان قد مضى على رحيل جمال خمسا وعشرين سنة ومثلها في ذكراه كل عام من العهود
فقلت أعتذر منكم قبل الغداء لدي موعد تأخر ربع قرن سأوفيه ثم أعود
ورحت إلى الضريح تحمل وردة وضعتها في كوب في زنزانة سجنك حتى صارت رمادا
فنثرتها فوق الضريح وقلت له تقبل عذري لتأخري عن الموعد فقد كبلوا يدي أصفادا
وما غبت عنك ولا غبت عني وقد قطعت لرؤيتك بلادا وبلادا
أنا ذاك الفتى الأغر الذي كان يمد رأسه قبل خمسين عاما بين الجموع لتراه لأقول لقد رآني
أنا ما نسيتك أيها المثال يا جمال أرجوك لا تنساني
وانت الذي قال لأبي عمار بعد اوسلو إنتبه كل العنصريين سواء مخاتل يشبه مخاتل
لا توقف الكفاح المسلح فقد فاوضوني وفاوضوك لأنك تقاتل
وبعد السلام الذي يعيد الحرية سأدعوك كي تسامح بالمقابل
وانت من وقف قبل ثلاث سنين تتكئ على العكاز و تحتضر
تصر على حضور الإحتفال لفوز بلدك بإحياء كأس العالم و تختصر
خطابك كان جملة وراءها جملة والكل ينتظر
مانديلا يفرح لبلاده وقد فازت على مصر بإستضافة الحدث العالمي الكبير ولها الحق بشعور المنتصر
فقلت بين الجمع مبروك لبلادي إحياء الحدث الكبير
لكن تذكروا لو كان عبد الناصر حيا ووقفت بلادي أمام مصر في السباق الأخير
لإنسحبت خجلا و إجلالا كما يفعل بأدب أمام أخيه الأكبر كل شقيق صغير
لله ما أحلاك وما اسماك
لك السواد تجمل
والبياض من أمامك يرحل
ولك أن تتخيل
كيف كل حرف في اللغة يترجل
عندما نتحدث عن البياض دلالة على الخير والسواد دليلا للسوء صرنا أخجل من ان نخجل
سنغير إستخدامنا للغة و لن نبخل
ستصير أوصافنا للسواد والبياض محررة من العنصرية
وتصيغ أنت مقياسينا اللغوية
أسود الليل عمق الجمال وهدوء وسكون لسواد عينيك و سواد الجبهة السمراء
و بياض الثلج برد وزمهرير و عواصف الشتاء
صباح الخير لما أودعت فينا قبل الرحيل
لا تجعلوا سيرة أوطانكم حبل غسيل
ولا تقبلوا حرية مجزأة فليس في الحرية قليل وكثير
الحرية تكون او لاتكون ومثلها التحرير
صباح الخير للتغيير
صباح الخير للعمر القصير
كعمر ياسمينة تنطفئ بيننا ويبقى منها العبير
ناصر قنديل