وصلنا الى القصر، حيث يعيش الرئيس السوري بشار الأسد وعائلته. كل شيء كان كما في الأساطير او الروايات، وهذا الانطباع يرافقك دائما حيث ذهبت في دمشق. لم يكن القصر متميزا عن غيره من البيوت المجاورة. استطيع ان اؤكد انه حتى لا يمكن مقارنته بأبسط الڤلل التي نشاهدها في اطراف موسكو. على عتبة المنزل، خرجت السيدة الاولى بنفسها لاستقبالنا. رقيقة كما الهواء، مدت يدها الناعمة لكل شخص من وفدنا مع كلمات ترحيب رقيقة. حقا انها رائعة. وجه جميل، مع كل ذلك الهدوء الروحي الذي يظهر واضحا للعيان. عيون صادقة تبتسم ، وبنفس الوقت،هناك حزن عميق، وسر ما يختبئ بحكمة. هذه العيون ذكرتني بعيون مريم العذراء التي تنظر الي كل يوم من تلك الايقونة التي في منزلي. شعرت بقشعريرة لذيذة. دعينا الى مكتب السيدة الاولى الخاص. في هذا المكتب، اعتادت السيدة اسماء استقبال السوريين البسطاء، تتكلم معهم وتناقشهم، وتستمع الى الحقيقة من مصادرها الاولى. بشكل خاص، اعتادت السيدة الاولى استقبال من فقدوا اعزاؤهم وابناؤهم في هذه الحرب، فهي نفسها أم ، وبعد حديثنا معها، وصلنا الى قناعة ان هذه السيدة الرائعة تعتبر مأساة كل شخص سوري هي مأساتها. كانت تتقاسم معهم آلامهم وهمومهم. انها تحب شعبها بصدق. قالت لنا: انا لا أحب اللقاءات الرسمية. ولهذا انا ىسعيدة باستقبالكم كأصدقاء بدون اي تكليف. اتمنى ان تعتبروا نفسكم في بيوتكم. قامت بنفسها بالضيافة. أحد أباريق العصير وضعته بنفسها أمام الأب اوليغ تيورو، والآخر قدمته للأم الراهبة الكساندرا. كان مقررا لزيارتنا ان تستمر اربعون دقيقة، ولكن عندما دخلوا علينا ليذكرونا بانتهاء الوقت، تدخلت السيدة الاولى وطلبت منهم ان يمددوا . سألت السيدة الأولى: ما هو مصدر القوة عند الشعب السوري؟ من أين يأتي هذا الصمود عند الجندي السوري؟ كيف تصبح الشهادة في سبيل الوطن فعلا اعتياديا، في الوقت الذي تعتبر فيه بطولة منقطعة النظير في اي مكان في العالم. أريد ان أفهم تقنيا، أنه في الوقت الذي تتحكم العلاقات الاستهلاكية بمعظم شعوب العالم، عند السوريين هذا الكم من التضحية في سبيل الوطن؟ اجابتني بهدوء: هو شيء ينمو معنا من طفولتنا. في بيوتنا ونمط حياتنا. وطننا هو الأهم وهذا ما تغرسه كل عائلة سورية في نفوس ابنائها. منذ بداية الحرب، التقيت مع اكثر من اربعة آلاف عائلة سورية، ممن اولادهم على جبهة القتال، والكثيرون منهم استشهدوا. قالوا لي ان هذا لا بد مؤلم نفسيا. يقصدون الاحتكاك المتواصل مع من فقد أحبته واقرباؤه، اذ ان معنوياتهم ولا بد هابطة. أقول لكم، بالعكس. كلما طال أمد الحرب، كلما رأيت أنهم ازدادوا شجاعة وتصميما. كثيرات من أمهات الشهداء ممن التقيت بهن قالوا لي : نعم ، لقد فقدت ابني، وهذا كان يمكن ان يكون قاتلا لي، ولكن ما زال عندي شابين، وسأقدمهم للوطن بلا تردد. نحن اعتدنا أن الجندي هو فقط ذلك الذي يحمل السلاح. اليوم في سوريا كل شخص هو جندي. كل مواطن، بغض النظر عن جنسه وعمره وعمله، يقوم بتأدية الخدمة لسوريا اليوم. هكذا نحن نربي ابناءنا. منذ سنة، اقتحم الارهابيون مبنى الاركان العامة، وهو لا يبعد كثيرا عنا. في لحظتها بدأت كل وسائل الاعلام الغربية باذاعة اخبار ان النظام سقط ودمشق احتلت. الأطفال فهموا أن المدرسة اليوم ملغاة، اذ اننا كنا نسمع دوي الانفجارات المتواصل بالقرب من المنزل. ولكني اتخذت قرارا، أنه وبالرغم من كل شيء لن نغير نمط حياتنا. جاء ابني وسألني: ماما. لماذا ترسلينا الى المدرسة؟ هناك اطلاق نار وقد نقتل. الا تحبيننا؟ قلت له: سنذهب الى المدرسة كما كنا نفعل كل يوم. ستذهب لانني احبك، فأنا لا أريظ لأبني أن ينمو جبانا. يجب أن تدرس وتتعلم، فأنت لا تريد ان تكون شبيها بأولئك الذين يحاولون قتلنا؟ نحن نؤمن بالله، ويجب ان نثق به. هو يعرف متى نموت، ولهذا فلا تخف لأنه معنا. وصلنا الى المدرسة، وكان الصف قد امتلأ بالطلاب . هذا يعني أنني تصرفت كما تصرفت أي أم سورية أخرى. بالنسبة لنا، هذه تربية. هذا ما قصدته. أجمل مفاجأة كانت لنا هي ظهور حافظ، الابن البكر للرئيس بشار الاسد والسيدة اسماء. حيوي، صادق وطبيعي. لقد تفاجأنا انه بمدة اربع شهور دراسة للغة الروسية، اصبح يتكلم بشكل جيد ومتقن. عرفنا كذلك ان الابن الاصغر يدرس الصينية، والابنة تدرس الاسبانية. أعجبنا جدا بهذا الاختيار الجبوبولوتيكي. اهدينا حافظ موديلات لطائرات روسية مقاتلة، من تلك التي كان يطير عليها جده، وتفاجأنا عندما حدد مباشرة نوع الطائرات. كنا فد أصبحنا في القاعة، عندما تقدمت الأم الكساندرا من السيدة الاولى وقالت لها: الرئيس بوتين لا يتخلى ابدا عن أصدقائه. ابتسمت السيدة الاولى بلطف وأحابتها: الرئيس فلاديمير بوتين ليس فقط رئيس. أنه قائد شعبي، وهذه ميزة قلما يملكها أحد. من كل قلبي اتمنى للشعب الروسي الصديق ان لا يعاني على أرصه ما نعانيه اليوم في سوريا. بعد هذا تعانقنا جميعا وتبادلنا القبل على الطريقة الروسية. *. السيدة ماريا مونومينيفا أحد أعضاء الوفد الروسي الذي زار سوريا منذ فترة وكان لهم شرف الاجتماع بعائلة السيد الرئيس بشار الأسد |